الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حروب الذاكرة

حروب الذاكرة

حروب الذاكرة

هناك مسألتان تتم إثارتهما بشكل موسمي في الدولة العبريّة، أولاهما ملفّ الهوية والسؤال الأيديولوجي المؤجّل بسبب موقف اليهود خارج الدولة وبالتحديد في الولايات المتحدة، وكان إسحق دويتشر قد أثار هذا السؤال بشكل مزعج للراديكاليين في كتابه "اليهودي اللايهودي".

والمسألة الثانية مناهج التدريس، وخصوصاً ما يتعلق بالتاريخ، فقبل ثلاث سنوات صدر كتاب في التاريخ وتقرر تدريسه في المرحلة التعليمية المتوسطة.
تضمن في أحد فصوله النكبة الفلسطينية، لكن سرعان ما أعادت السلطات النظر في الكتاب وانتزعت منه كل ما له صلة بالفلسطينيين بوصفهم منكوبين، ونذكر تلك الضجّة التي أثيرت عندما اقترح أحد وزراء التعليم في "إسرائيل"، إضافة نصوص شعرية لمحمود درويش إلى المنهج، واعتبر ذلك بمرتبة اختراق، وتم التراجع عنه، لاسيما بعد أن قال شارون: إنه يحسد الشعب الفلسطيني على شاعر مثل درويش استطاع أن يعانق التراجيديا ويعبر عن أشواق شعبه.

مؤخراً نشرت مقالة في "هآرتس" عن هذه المسألة، وقال كاتبها أوركشتي: إن حذف النكبة الفلسطينية من مناهج الدراسة أمر يلحق الضرر بالطلبة اليهود، لأنهم سيعرفون ذات يوم أن هناك وقائع حذفت من الكتب لكنها تسللت إلى ذاكرتهم.

إنها حرب أخرى، تقع الثقافة في الصميم منها، وما تحاول سلطات الاحتلال حذفه من المناهج المقررة، ليس بمقدورها أن تحذفه من التاريخ الفعلي والذاكرة الإنسانية، خصوصاً بعد أن فشل رهان إبادة الفلسطينيين على طريقة الرجل الأبيض مع الهنود الحمر والسكان الأصليين للبلدان التي استوطنها بالقوة.

ما تخشاه الدولة العبرية من التاريخ هو "عقب أخيلها". ونقطة الضعف المقيمة في كل مفاصلها وتفاصيلها، لأن الغزاة كما قال الشاعر درويش، لا يخشون شيئاً قدر خشيتهم من الذكريات.

وإذا كان الإعلام الصهيوني قد نجح مؤقتاً في التسلل إلى أجندات كالتي تصدر عن الـ "يونيسيف" والـ "يونيسكو"، وجعل من الـ "هولوكوست" البديل لحقبة تاريخية بالغة التعقيد، فإنّ ما يثبت بطلان هذا الادعاء هو الـ "هولوكوست" المضاد.
وقد بدأ بالفعل بعض المؤرخين الجدد من اليهود يفضحون المسكوت عنه في مقررات الدراسة وكتب التاريخ، فأحدهم اكتشف مذبحة الطنطورة العام 1948 التي كانت مجهولة، كما أن فنكلشتاين يختصر الحكاية بعبارة واحدة هي أن الدموع التي يذرفها من يَتقمص دور الضحية هي في حقيقتها ليست دموعاً بشرية بل دموع تماسيح.

وإذا كان سؤال الهوية يُطْوى في الأدراج كلما أحسّ اليهود خارج فلسطين بأنهم غير مشمولين به، فإن سؤال التاريخ يبقى الأكثر إشكالية ومدعاة إلى الشكوك حتى بالنسبة إلى اليهود أنفسهم.
فما يقرأونه في مدارسهم عمّا يسمى حرب الاستقلال له وجه آخر، تماماً كما أن ذكرى إنشاء الدولة هي الوجه الآخر لنكبة شعب، لسوء حظّ من خلعوه من ترابه وشردوه وطاردوه أنه باقٍ على قيد هويته وذاكرته القومية بملايينه العشرة.

لقد فشلت إمبراطوريات في تدجين التاريخ بحيث تلحقه بإسطبلاتها، لهذا فالفشل الصهيوني في هذا السياق مُحتّم وأقرب إلى القدر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخليج الإماراتية

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة

لا يوجد مواد ذات صلة