الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الظلم ظلمات

الظلم ظلمات

الظلم ظلمات

للظلم عواقب سيئة على الأمم والأفراد، وهو خُلق ذميم، وذنب عظيم، يحيل حياة الناس إلى شقاء وجحيم، ويأكل الحسنات، ويجلب الويلات على المجتمعات، قال الله تعالى: { وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً }(الكهف:59) .. ولشدة خطره وعظيم أثره كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يكثر من الاستعاذة منه فيقول: ( وأعوذ بك أن أَظلِم أو أُظلم ) رواه النسائي .
وعن أبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( إن الله ليُمْلِي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ: { وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ }(هود:102) .
وقال ابن تيمية: " إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة، ويقال: الدنيا تدوم مع العدل والكفر، ولا تدوم مع الظلم والإسلام " .

وسيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مليئة بالأحاديث والمواقف التي حرص النبي - صلى الله عليه وسلم ـ من خلالها على ترسيخ خطورة الظلم في نفوس أصحابه والمسلمين من بعدهم، وتحذر من الظلم وشره، وتبين آثاره على الأفراد والأمم، ومنها :

عن جابر - رضي الله عنه - قال: ( لما رجع مهاجروا البحر ( الحبشة ) إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لهم: ألا تحدثوني بأعاجيب ما رأيتم بأرض الحبشة؟! ، قال فتية منهم: بلى يا رسول الله! بينما نحن جلوس، إذ مرت عجوز من عجائز رهابينهم تحمل على رأسها قُلَّةً من ماء، فقام إليها فتىً من فتيانهم فوضع إحدى يديه بين كتفيها ثم دفعها فخرت على ركبتيها، فانكسرت قلتها، فلما ارتفعت، التفتت إليه فقالت: سوف تعلم، يا غُدر (غادر)، إذا وضع الله الكرسي، وجمع الأولين والآخرين، وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون، فسوف تعلم كيف يكون أمري وأمرك عنده غداً، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: صدقت .. صدقت، كيف يقدس الله أمة لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم ؟! ) رواه ابن ماجه .
قال السِّندي: ( يقدِّس الله ) أي: يُطَهِّرهم من الدَّنس والآثام " .
وقال المناوي: " ( كيف يقدس الله أمة لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم ): استخبار فيه إنكار وتعجُّب، أي: أخبروني كيف يُطهِّر الله قومًا لا ينصرون العاجز الضَّعيف على الظَّالم القويِّ، مع تمكُّنهم من ذلك؟!، أي: لا يطهِّرهم الله أبدًا، فما أعجب حالكم إن ظننتم أنَّكم مع تماديكم في ذلك يُطهِّركم! ".

وعن النعمان بن بشير ـ رضي الله عنه ـ : أن أمه بنت رواحة سألت أباه بعض الموهبة من ماله لابنها فالتوى بها سنة ثم بدا له، فقالت : لا أرضى حتى تُشْهِدَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ما وهبتَ لابني، فأخذ أبى بيدي وأنا يومئذ غلام فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله : إن أم هذا بنت رواحة أعجبها أن أُشْهِدك على الذي وهبتُ لابنها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( يا بشير ألك ولد سوى هذا؟، قال: نعم، فقال: أكلهم وهبْتَ له مثل هذا ؟، قال: لا، قال: فلا تُشْهِدني إذاً، فإني لا أشهد على جور( ظلم ) ) رواه مسلم .

وعن أبي مسعود البدري ـ رضي الله عنه ـ قال: ( كنتُ أضرب غلامًا لي بالسَّوط، فسَمِعتُ صوتًا من خلفي: اعْلَم أبا مسعود، فلم أفهم الصَّوت من الغضب، قال: فلمَّا دنا مني إذا هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو يقول: اعلم أبا مسعود، اعلم أبا مسعود، قال: فألقيتُ السَّوط من يدي، فقال: اعلم أبا مسعود أنَّ الله أقدر عليك مِنْك على هذا الغلام، قال: فقلتُ لا أضرب مملوكًا بعده أبدًا، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : أما لو لم تفعل لَلَفَحَتْكَ النار ـ أو لَمَسَّتْكَ النار ـ ) رواه مسلم .

وعن أبي أمامة الباهلي ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه، فقد أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة، فقال رجل: وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول الله؟!، فقال - صلى الله عليه وسلم -: وإن كان قضيباً من أراك ) رواه مسلم .

وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال - صلى الله عليه وسلم -: ( من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه، أو من شيء فليتحلله منه اليوم قبل ألا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أُخِذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات، أخذ من سيئات صاحبه فحُمل عليه ) رواه البخاري .

وعن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ) رواه مسلم .
قال النووي: " قال القاضي: قيل : هو على ظاهره فيكون ظلمات على صاحبه لا يهتدي يوم القيامة سبيلا حتى يسعى نور المؤمنين بين أيديهم وبأيمانهم " .

وعن عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعث معاذا إلى اليمن، فقال ( اتّق دعوة المظلوم، فإنّها ليس بينها وبين الله حجاب ) رواه البخاري .
قال ابن حجر: " أي تجنب الظلم لئلا يدعو عليك المظلوم، وفيه تنبيه على المنع من جميع نوازع الظلم " .

وعن خزيمة بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( اتقوا دعوة المظلوم فإنها تحمل على الغمام، يقول الله: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين ) رواه الطبراني .

لا تظلمن إذا ما كنتَ مُقتدِرا فالظلم يرجع عقباه إلى الندمِ
تنام
عينك والمظلوم منتبه يدعو عليك وعين الله لم تنم

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة