الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وجئنا بك شهيداً

وجئنا بك شهيداً

وجئنا بك شهيداً

من الآيات التي اتفق مضمونها وموضوعها، واختلف بعض نظم ألفاظها الآيتان التاليتان:

الآية الأولى: قوله تعالى: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} (النساء:41).

الآية الثانية: قوله سبحانه: {وجئنا بك شهيدا على هؤلاء} (النحل:89).

فلرب سائل يسأل عن وجه اختلاف ما اختلف في هاتين الآيتين في التقديم والتأخير من قوله سبحانه في الآية الأولى: {وجئنا بك على هؤلاء شهيدا}، وقوله عز وجل في الآية الثانية: {وجئنا بك شهيدا على هؤلاء}، مع أن موضوع الآيتين واحد، وهو شهادة الرسل على أممهم، وشهادة نبينا صلى الله عليه وسلم على أمته؟

أجاب ابن الزبير الغرناطي على هذا السؤال بما حاصله: أن آية النحل تقدمها قوله تعالى {ويوم نبعث في أمة كل شهيدا عليهم من أنفسهم} (النحل:89) فتقدم اسم (الشهيد) على المشهود عليه، فورد ما عُطف على ذلك من الإخبار بشهادته عليه السلام على أمته مرتباً على ما تقدمه من مقتضى النظم في التناظر والتناسب، فقيل: {وجئنا بك شهيدا على هؤلاء} متوازناً مع قوله سبحانه: {شهيدا عليهم}، وذلك على ما يجب.

أما آية النساء فلم يرد فيها إفصاح بذكر المشهود عليهم، ولا كناية عنهم بضمير، ولا اسم إشارة، بل في الآية داع إلى تقدم المجرور بـ (على)، وهو أنه لما تقدم قوله تعالى: {والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر} (النساء:38)، وذلك من صفة المنافقين، ناسب هذا تقديم المجرور في قوله سبحانه: {وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} حتى كأنه بحسب المفهوم لم يقصد به غيرهم، ولا شهد على من سواهم. وليس في آية النحل ما يقتضى ذلك، بل مقتضاها إطلاق شهادته عليه السلام للجميع من صالح وطالح؛ إذ لم يتقدم قبلها التقييد، بل ظاهر مما تقدمها أن المراد جميع من بُعث صلى الله عليه وسلم إليه، فهذان الأمران حاملان من الآيتين على وجوب ورود نظم كل آية على ما ورد.

وأيضاً، فإن قوله تعالى: {شهيدا} في آية النحل لم يقع في ختام الآية (فاصلتها)، بل أثنائها، فلو تأملنا ذلك من قوله تعالى: {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا} إلى قوله سبحانه: {لعلكم تشكرون} (النحل:78)، ثم قوله: {ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون} (النحل:79)، واستمرار الآيات على ذلك إلى آخر السورة، ولم يتخلل فيما اكتنف الآية قبلها وبعدها فيما قرب منها غير ذلك، فقد تقررت فواصل هذه الآيات من سورة النحل على النحو المشار إليه.

أما آية النساء فبناء نظمها على فواصل روعي فيها مجيء المنون المنصوب، من غير التزام حرف بعينه، واستمرت الآيات قبلها وبعدها على ذلك، كقوله سبحانه قبلُ: {إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما} (النساء:40)، وقوله عز وجل بعدُ: {يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا} (النساء:42)، فقوله عز وجل: {وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} فاصلة استدعى ورودها على ذلك ما تقدمها من الفواصل، وما تأخر عنها، وانتظم ذلك في معظم آياي السورة على أعلى نظام وأتمه، ولم يكن عكس الوارد في الآيتين ليناسب المقام.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة