الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الصاحب والطالب والمريد

الصاحب والطالب والمريد

الصاحب والطالب والمريد

كم نشكو من ضعف الاجتهاد وضموره، ونتحسر على أيامنا الأولى.. زمن العبقرية العلمية، حين تأسست العلوم، وتفتّقت المعارف، وتأسس النحو والعروض والأصول، وبني الفقه، وجمعت السنة وصنفت أبوابها، وقامت سوق العلم واستوت أعلامها. وكأننا لا ندري أن هذه الشكوى وحدها لا تعيد لنا مجد العلم واجتهاده؛ حتى نُجهِد أنفسنا في البحث عن تفاصيل الأسباب، والعمل على تداركها، في رؤية وإرادة مشتركة.

وفي هذا المقال تنبيه على سبب من أسباب ضعف الاجتهاد وضموره ، من المهم اكتشافه وتداركه بقدر الإمكان.
وهو العلاقة بين المفيد والمستفيد في العلم الشرعي، تلك العلاقة التي تعظم المفيد إلى حد الإلغاء لشخصية المستفيد. فينشأ المستفيد تبعًا لشيخه في شخصيته وأفكاره واجتهاداته. ويفقد خصائص الاجتهاد العلمي من الحرية والثقة والاستقلال. إن هذه المعاني لا تقل أهمية عن العلم الذي يأخذه عن شيخه، ومن نشأ ذائبا في شخصية شيخه لن يستطيع أن يتحمل أعباء الاجتهاد والإضافة العلمية. إن احترام الشيخ من أدب العلم وسمته، ولكن لا يجوز أن يصل هذا الاحترام إلى حدٍّ يضر بشخصية المستفيد وحريته واستقلاله.

فإذا وصلت العلاقة إلى هذا الحد تضرر العلم ذاته الذي جاء من أجله، وابتعد المستفيد عن قيم الإسلام العظيمة في احترام كرامة الإنسان وحريته واستقلاله. وفي الأسماء والأوصاف ما يغني عن التطويل والتفصيل؛ فقد اختاروا للمستفيد اسم (الطالب) واختار المشتغلون بالتصوف اسم (المريد)، وهي تتشابه في معناها! طالب فلان، وطلاب فلان.

بينما كان المستفيد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمى (الصاحب) حيث القيم الإسلامية في أبهى صورها، والشيم العربية في أجمل حللها. ولك أن تتخيل الفرق العظيم في المعاني الكامنة في كلمة (صاحب فلان) وكلمة (طالب فلان أو مريد فلان) ! إن أعظم وأجل مفيد في العلم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم خير خلق الله، وأشرف رسل الله، ومع ذلك بقيت شخصية المستفيدين منه محفوظة، واختار لهم هذا الاسم الشريف (الصاحب). ولذلك كانت المدينة مكتظة بالقيادات، وقاموا بدين الله خير قيام بعد رحيل رسول الله. كذلك الأئمة الكبار أمثال أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، كان المستفيدون منهم أصحابهم، وكثيرا ما تقرأ في مدونات الفقه الحنفي: هذا قول أبي حنيفة وخالفه صاحباه ! إن كلمة (الصاحب) أشرف وأزكى من كلمة (الطالب والمريد).

وأهم من الاسم ما تتضمنه العلاقة من معانٍ تناسب هذا الاسم، وما يقوم عليه التعليم من احترام المستفيد وحفظ حريته وكرامته وثقته واستقلاله. مع ما يستحقه العلم وأهله من الاحترام والأدب. وأول تغيير نبدأ به في العلاقة بين المفيد والمستفيد في العلم هو اختيار الاسم، ثم نتبعه بالتركيز على المعاني التي تعين على الاجتهاد والإضافة العلمية. وفي تأثير الأسماء والأوصاف على أصحابها: روى البخاري في صحيحه، عن ابن المسيب عن أبيه أن أباه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما اسمك ؟ قال: حزن. قال: أنت سهل. قال: لا أغير اسما سمانيه أبي. قال ابن المسيب: فما زالت الحزونة فينا بعد.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة