الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كذب الأطفال .. تفهم الدوافع وتصرف بحكمة

كذب الأطفال .. تفهم الدوافع وتصرف بحكمة

كذب الأطفال .. تفهم الدوافع وتصرف بحكمة

كذب الأطفال ظاهرة قد تتفاقم لتصل إلى حد المشكلة المزمنة التي قد تستعصي على الحل، لكن بداية نشير أنه من المهم عندما نناقش لجوء طفل دون سن التكليف للكذب أن نتساءل أولاً عن الدوافع التي جعلته يكذب؟ وكذلك عن كيفية التعامل مع ذلك الكذب من المحيطين؟ وماذا إذا تكرر الكذب؟

• تلعب القدوة دورًا مهمًّا، فإذا سمع الطفل من والديه أقوالاً، وتبين له فيما بعد كذبهما، أصبح الكذب شيئًا عاديًّا في نظره، واستخدمه بنفس طريقة والديه؛ لذلك على كل مربٍّ ألا يكذب على أطفاله بحجة إسكاتهم من بكاء، أو تسكينهم من غضب، أو ترغيبهم في أمر .. فإنه إن يفعل ذلك يكون قد عوَّدهم بطريق الإيحاء، والمحاكاة، والقدوة السيئة على أقبح العادات وأسوأ الأخلاق ألا وهو «الكذب»، فضلا عن أنهم يفقدون الثقة بأقوال المربي، ويضعف جانب التأثر بنصائحه وعواطفه.
يضاف إلى ذلك وجوب اتصاف الكبار المحيطين بالطفل بالصدق بأنواعه فلا غش ولا كذب ولا تجسس ولا اختلاق أعذار ولا تفادي للمواقف. وكذلك يتحتم وجوب احترام الصادق وتقديره، مع مراعاتنا للعوامل التي تشجع الطفل على الكذب ومحاولة تلاشيها وإبعادها، وخاصة في المدرسة حين يجتمع مع رفاقه وأصدقائه، وكذلك غضب المدرس وصراخه بالطفل مما يدفعه لتغطية خطئه بالكذب.

ومن أخطاء المدارس أحياناً عرض بعض الأعمال في المعارض على أنها من أعمال التلاميذ وتبرير ذلك، بأن جزءاً منها من أعمال التلاميذ. ويكون الواقع أن ما قام به التلاميذ من التفاهة بحيث لا يبرر عرضه على أنه من عملهم. والتلاميذ يشعرون عادة في قرارة أنفسهم بهذا، وبالتالي يتعودون الكذب والتساهل فيه وذلك عن طريق المثال والممارسة الذاتية.

• من المهم جداً توضيح الأمور للطفل يشكل جلي، وأنه حتى ولو رأى كباراً يكذبون، فإن هذا السلوك خاطئ، ولا يجوز، مع ذكر بعض القصص والأحاديث النبوية والآيات القرآنية التي تتناول مثل هذا الموضوع بأسلوب مبسط يتناسب مع مستوى الطفل ومرحلته العمرية .

• يجب تفهيم الطفل أن تغيير الحقائق يسمّى «كذبًا» وهو أمر لا يحبه الله، ولا يحبه الناس، ويجعل الإنسان بعيدًا عن الله وعن الناس؛ لذا فلا يجب فعله، وبالتالي يتم إقناعه لماذا الخطأ خطأ.

• ينبغي الاتفاق مع الطفل على أنه سيقول الصدق دائمًا دون خوف من أي شيء، ويمكن دعم ذلك بالقصص التي أثّر فيها الصدق إيجابًا وحمى أصحابها أكثر مما لو كذبوا.

• لا نطلب من الأطفال أن يشهدوا ضد أنفسهم، أو أن نطلب منهم الاعتراف بأخطائهم، وبدلاً من ذلك يجب جمع الحقائق من مصادر أخرى، ووضع القرارات بناءً على هذه الحقائق.

• محاولة فتح حوار مباشر وبسيط مع الطفل لمعرفة آماله وأحلامه، ورؤيته لتحقيق بعض هذه الأحلام، وإشعاره من خلال هذا الحوار بقيمته، وتدعيم ثقته بنفسه، وبأن عدم وجود هذا الأمر أو غيره من وسائل ترفيه أو كماليات لا يضيره ولا ينقصه، بل إن الله تعالى خلق الناس وميز بينهم في القدرات والإمكانات .. وغير ذلك من أمور تشعر الطفل بقيمته الذاتية، وأهميته، وتزيل منه أي إحساس بالنقص قد يستشعره لسبب أو لآخر، وذلك بأسلوب يسير مبسط ، مطعم بالقصص الهادفة، وبعض الطرائف المناسبة .

• واجه الطفل بطريقة إيجابية: بمعنى لا تطلق لفظ «أنت كاذب» أو تنقده مباشرة، لأن مثل هذا الأسلوب يدفعه إلى الانتقام، ويقلل من تقديره لنفسه، ولكن بدلاً من ذلك تقول بكل هدوء: أنا أعرف أن الذي تقول غير صحيح، والكذب غير مفيد، ودعنا ننظر في الموضوع .

• استخدم أسلوب التأديب المناسب: ينبغي أن يعرف الأبناء شيئين: أننا نفخر بهم إذا أخبرونا الصدق. وأن الكذب يترتب عليه مضاعفة العقوبة، التي من الأفضل أن تكون بالحرمان من شيء يحبه الطفل لفترة محدودة، وأن نحجم عن علاج ظاهرة الكذب في ذاته بالضرب أو السخرية أو التشهير.

• الابتعاد عن استعمال العقاب الذي يبدو أن الطفل يعفى منه لو دافع عن نفسه بأسلوب الكذب، لأن الأطفال سوف يكذبون حتى يوفروا على أنفسهم إهانات الكبار
.
• لا ينبغي في الأحوال العادية إيقاع العقوبة على الطفل بعد اعترافه بذنبه، فالاعتراف له قدسيته واحترامه. ومن شأن إيقاع العقاب على الطفل في هذه الحالة، أن يقلل من قيمة الصدق ومكانته في نظره، وأما مَن يصر على الإنكار فلا ينبغي أن نلح في استجوابه لأن هذا نتيجته الاسترسال في الكذب والتفنن فيه.

• يمكن الاتفاق مع الطفل الكذوب على أنه لو ذكر الصدق دائمًا سيحصل على مكافأة، وأن يضع لنفسه جدولاً أسبوعيًّا يضع فيه علامات على الأيام التي التزم فيها بالصدق .. وعلى قدر العلامات تكون المكافأة. وعليك أن تأخذ أقواله بشيء من الثقة والتقدير، وحاذر أن تظهر أمامه بمظهر الشك أو التردد سواء في حديثك أو حركاتك.

• حذار من عدم تناسب العمل الذي يكلف به الطفل مع مقدرته، مما يضطره إلى استعمال الحيل للتخلص من الظهور بمظهر العجز، وكذلك عدم تناسب البيئة مع مستوى الطفل، كوجود طفل فقير في وسط غني، أو طفل غبي بين أذكياء.

• إذا كان الأطفال يكذبون في أحيان كثيرة لتغطية نقص يشعرون به، فعلينا أن نكثر لهم من الرحلات والهوايات .. فكل هذه تعطيهم آفاق حقيقية يظهروا فيها ويتحدثون عنها، مع عدم الإكثار من مشاهدة الأشرطة الخيالية والخرافية، وإنما الاستزادة من القصص المفيدة والواقعية.

• يجب أن نتجنب الظروف التي تشجع على الكذب.. فمثلاً: إذا كان لدينا طالب نعهد فيه هذه الخصلة، فلا نجعله المصدر الوحيد للشهادة في حادثة ما، لأن هذا يعطيه فرصة الانطلاق في عادة الكذب وتثبيتها بالتكرار والتمرن، وزيادة على ذلك فلا يصح أن يعطى الكاذب فرصة الإفلات بكذبة دون أن نكشفه، لأن النجاح في الإفلات بالكذب له لذة خاصة تشجع على تثبيته واقترافه مرة أخرى، بل تشجع أيضاً على الاسترسال في سلسلة من الأكاذيب المقصودة التي تصدر عن نفس هادئة مطمئنة.

• البعد عن استحسان الكذب لدى الطفل أو الضحك فرحا بذلك .. فقد يبدو في أحد مواقف الطفل التي يكذب فيها ما يثير إعجاب الوالدين أو ضحكهما، فيعزز هذا الاستحسان لديه الاتجاه نحو الكذب ليحظى بإعجاب الآخرين.

• الالتزام بالوفاء لما يُوعد به الطفل .. فالطفل لا يفرق بين الخبر والإنشاء، وقد لا يقدر عذر الوالدين في عدم وفائهما بما وعداه به، ويعد ذلك كذبا منهما.

• تذكر دائما .. الأطفال ذوو خيال عريض وكبير؛ صحيح أن هذا يكون مع الأطفال الأصغر سنًّا، وأنه عند بلوغ السادسة المفروض أن يصبح لدى الطفل قدرة على التفرقة بين الواقع والخيال؛ ولكن هذا لا يمنع أن يلجأ إلى التأليف الذي نسميه «كذبًا».

من أسباب اعتياد الطفل للكذب

أما الطفل الذي يعتاد الكذب، فهو ذلك الطفل الذي لا يشعر بحب والديه ولا بدفء العلاقة بينه وبينهما، ويشعر بأنهما حين يعاقبانه ينتقمان منه.
وهو ذلك الطفل الذي لا يفهم أسباب المنع وأسباب الرفض لما يطلب منه.
وهو ذلك الطفل الذي يشعر دائما بالقهر والذلة في التعامل وعدم التقدير لمشاعره أو احترامها.
وهو ذلك الطفل الذي يشعر بالملاحقة الدائمة، والتركيز على كل كبيرة وصغيرة في حياته.
وهو ذلك الطفل الذي يملى عليه دائما ما يفعل دون ترك فرصة كي يبادر هو نفسه بالكف عن ارتكاب الخطأ، وحينما يخطئ نتتبع أخطاءه ونتعقبها، ولا نترك له مساحة للتراجع عنها من تلقاء نفسه.
وهو ذلك الطفل الذي يواجه دائما بسؤال مباشر مستفز: أأنت الذي فعلت هذا أو ذاك؟.
وهو ذلك الطفل الذي نكثر من عتابه ولومه على أخطائه مهما كانت بسيطة.
وهو ذلك الطفل الذي يتهم صراحة بالكذب أو يطلق عليه هذه الصفة.
كل هذا هو الذي ينشئ طفلاً يعاني من الكذب فضلاً عن الاضطرابات النفسية التي تلحقه.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة