الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الإعلام الإسلامي ضرورة عصرية

الإعلام الإسلامي ضرورة عصرية

الإعلام الإسلامي ضرورة عصرية

في عصر المستجدات السريعة والتقنيات الجبارة باتت الحاجة ملحة لإعلام إسلامي يفي بمتطلبات المسلم ويصونه من عبث الاستعمار الإعلامي، بل ويحميه من الحرب الإعلامية التي تستهدف الاستحواذ علينا وضمان التبعية الثقافية والفكرية الغربية، وأن يقتصر دورنا على استهلاك الثقافة والمنتجات الأجنبية، وندين لهم بالتبعية التي تفت في عضدنا وتحول دون النهوض من كبوتنا المعاصرة.

وأصدق ما توصف به أزمتنا الحالية أنها نوعا من فقد التوازن في حياة المسلم وخلخلة في الحياة الإسلامية بصورتها الشمولية، حيث تحوّل ارتباط معظم المسلمين بالإسلام في العصر الحاضر إلى مجرد ارتباط روحاني محدود الفعل، يكتفي فيه المسلم بإقامة شعائره التعبديّة، وتزكية نفسه إيمانيا وأخلاقيا بصورة فردية شخصية دون أن يجد أجواء إسلامية تحيطه برعايتها وتصونه؛ فحفلت حياة المسلمين بصور «الازدواجية» والتناقض بين الارتباط العاطفي بالإسلام في ميدان العبادة والأخلاق الفردية، وبين الارتباط العملي الواقعيّ بالمظاهر المناقضة للإسلام في ميدان النظم والتشريعات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

ونقصد بالإعلام الإسلامي الإعلام المصطبغ بصبغة الإسلام وما أحسنها من صبغة.. إعلام الصدق الذي يعتمد على الحق، ويرفض الباطل؛ وهو إعلام الوضوح والصراحة الذي يَبني ولا يَهدم؛ وهو الإعلام الذي يرتكز على عِفَّة الأسلوب، وشرفِ القصد، ونظافة الوسيلة؛ وهو الإعلام الذي لا يضلُّ ولا يُضلل، بل يهدي للتي هي أقوم.

يقول الدكتور محمد زين الهادي: "الإعلام الإسلامي يتميَّز بكلِّ ما يتميَّز به الإسلام عن المذاهب والفلسفات الأخرى، وأنه -أي: الإعلام الإسلامي- ليس فقيرًا في موارده، ولا ضعيفًا في طاقاته وإمكاناته، ولا متهالكًا في فلسفته، ولا مهتزًّا في عقيدته، كما هو الحال في الإعلام الصليبي والصِّهْيَوني والشيوعي، الذي اتَّخذنا مذاهبه ومبادئه وأخلاقه وأساليبه مذهبًا وأسلوبًا لإعلامنا الذي نطالع به المسلمين، ونغزوهم به في عُقر دارهم في كلِّ وقتٍ وفي كل مكان؛ حتى صار المعروف منكرًا، وصار المنكر معروفًا بيننا!".

الدولة الإعلامية الواحدة
يقول الأستاذ عمر عبيد حسنة في كتابه «مراجعات في الفكر والدعوة والحركة»: لا يعد من المغالاة، عندما نقرر أنَّنَا نعيشُ اليومَ مرحلة الدولة الإعلاميَّة الواحدة التي ألغت الحدود، وأزالت السُّدود، واختزلت المسافات والأزمان، واخترقت التاريخ، وتكاد تلغي الجغرافيا، حتى بات الإنسانُ يرى العالم، ويسمعه من مقعده، ولم يقتصر ذلك على إلغاء الحدود السياسية، والسدود الأمنية، وإنَّما بدأ يتجاوز الحدود الثقافية، ويتدخَّل في الخصائص النفسية، وتشكيل القناعات العقدية، فيعيد بناءها وفق الخطط المرسومة لصاحب الخطاب الأكثر تأثيرًا، والبيان الأكثر سحرًا، والتحكُّم الأكثر تقنية، وأنه بالإمكان القول:
إنَّ المعركة الحقيقية والفاصلة اليوم هي معركة الإعلام، وذلك بعد أن سكتت أصوات المدافع، وتوارى أصحابها، وبَقِيَ الإعلام هو أخطر الأسلحة ذات الدمار الشامل، بعد أن أصبحَ ثَمَرة تشارك في إنضاجها كل المعارف والعلوم، وتوظِّف لها أرقى الخبرات، بل أصبحتْ في كثير من الدول تدعم بميزانية تفوق الميزانية المخصَّصة للدعم الغذائي الذي به قوام الحياة، ولئن كان الإعلام في الماضي يوظَّف للترفيه والتسلية، ويعيش على هوامش المجتمع، فهو اليوم من صميم المجتمع، وأصبح يوظَّف لأداء رسالة، وإيصال فكرة، وتشكيل عقل، وصناعة ذوق عام.

فاعلا لا منفعلا
الإعلام الإسلامي لابد أن يرتكز على قاعدة أن يكون فاعلا لا منفعلا، بمعنى أنه لا يحتاج لانفجار أزمة في بورما أو كشمير الهندية مثلا لكي يسلط الأضواء على أوضاع الأقلية المسلمة هناك ومعاناتهم واحتياجاتهم، ولا يحتاج لشبه وأباطيل من ليبرالي أو تغريبي مغرض حول شخصية تاريخية إسلامية لكي يتبارى في سرد سيرتها وبيان شمائلها، ولا يحتاج لحادثة مثل حرق المصحف الشريف لكي يتبنى مشروع مقاطعة اقتصادية يطبع لها عشرات النشرات عن منتجات غربية لا ينبغي شرائها.. بل الخطة الإعلامية الإسلامية لابد أن تنطلق من مفهوم ثقافي يتناول كل القضايا الإسلامية ولا يتذبذب ظهورا واختفاء بتذبذب الأحوال من حوله.. خطة جريئة تتناول مشاكلنا توصيفا وتحليلا وتصورا لحلولها في منهجية ثابتة كجزء من رسالة إعلامية شمولية رشيدة لا تنحاز لجانب على حساب جوانب أخرى.

الدفاع عن الهوية
دور الإعلام الإسلامي لا يقتصر على العطاء والإبداع في تقديم الوجبات الإعلامية على تنوعها وتعددها، بل له دور لا يقل أهمية في مواجهة الهجمة الإعلامية الخارجية الشرسة التي تستهدف هويتنا وتحقق تبعيتنا، ولقد تحدث الباحث الإعلامي الأمريكي (هربرت شيلر) في كتابه: «وسائل الإعلام والإمبراطورية الأمريكية» حيث قال: "إن صنّاع القرار السياسي الغربيين انشغلوا بالبحث عن بدائل تضمن استمرار السيطرة الغربية- وعلى وجه التحديد الأمريكية- على الأوضاع الثقافية والاقتصادية الدولية، فاستقر رأيهم على التكنولوجيا كبديل".

ويقول المحللون: وخلال عملية «التدجين» لن يعدم الغرب استغلال إمكانياته الهائلة في «إغواء» أو حتى «إذلال» المؤسسات الإعلامية أو الثقافية أو الدينية لكي تدعم توجهاته وأهدافه، وهي الأهداف التي تتلخص في صناعة شخصية إنسانية شهوانية، فاقدة لأية قيم إنسانية راسخة، دينية أو أخلاقية، ذات هوس استهلاكي وفراغ عقلي ووجداني، وفاقدة لأية مناعة نفسية أو وجدانية أو عقلية ضد عمليات «التنميط» للشخصية الإنسانية؛ بحيث يمكن إعادة هيكلة اتجاهاتها وعواطفها كل حين كما لو كانت زياً في الملابس «موضة» وقصة الشعر.

يد الله مع الجماعة
لا بد للإعلام الإسلامي على اختلاف توجهاته من لقاءات دورية تتلاقح فيها الأفكار والآراء وتتبادل فيها الخبرات والتجارب.. يقول الأستاذ خباب الحمد: "يد الله مع الجماعة، والأمر بالتعاون على البر والتقوى جاءت به نصوص الوحي، وكلما اشتدت الأيادي تماسكاً والصفوف تراصاً؛ قويت المسيرة، لكنَّ من النادر أن نجد عقد اللقاءات الدورية النافعة بين المؤسسات الإعلامية بكافة أشكالها وألوان الطيف فيها، للإفادة والاستفادة، ولا أقل من أن يكون هنالك مؤتمر سنوي تجتمع فيه جميع القوى الإعلامية الإسلامية، لتتباحث في شؤون أمتها وما يمكنها أن تقدمه من خدمات لها وبرامج مفيدة، وعقد ندوات التقويم والمراجعة والنقد الإيجابي الذي يدفعها للاستفادة من كل التجارب الممتازة وتطويرها، وتحاشي التجارب السيئة والبعد عنها".

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة