الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لماذا لا نعالج الأخطاء بحكمة ؟!

لماذا لا نعالج الأخطاء بحكمة ؟!

أخطاؤنا هي علامات مؤثرة في مسيرة حياتنا، لا نملك التغافل عنها، كما لا نملك التنصل منها، وحياتنا مليئة بالأخطاء على مستوى الفرد والجماعات والمجتمعات، ولكن تلك الأخطاء لا تعني دائماً الفشل وكذلك لا تعني دائماً الانحراف عن السبيل .. فالخطأ إذا صوّب وقوّم، صار تجربة للتعلم والانطلاق، وربما يصير دافعا قويا للنجاح والإنجاز.

إن الاعتراف بالخطأ أسلوب تربوي رائع للنفس، بالإضافة إلى أنه يريح المتكلم، والمستمع، ويجعلنا نتقبل النقد. لكن وللأسف .. أكثرنا – إلا ما رحم ربي - حين يغشانا الخطأ في أمر نبحث عن التبرير .. مع وجود ما يدلنا على الحقيقة، ولكن قد لا نريد ذلك! ..
وتعاملنا مع الآخرين يجب أن لا يكون على أساس أننا وهم أجزاء من آلة لا يقع فيها الخطأ - فالآلة تخطئ في بعض الأحيان - بل يجب أن نضع في اعتبارنا أن الطبيعة البشرية تصيب وتخطئ، وهي ليست معصومة. كذلك من الأمور الهامة في التعامل مع الأخطاء أن لا نضخمها، وأن نعطيها حجمها الطبيعي، وأن لا نتغافل عنها، وأن لا نتعود عليها، وأن نتعامل معها باعتبارها أمور محتملة الوقوع، وقابلة للعلاج في نفس الوقت.

معظم الناس أيضا لا ينظرون إلى الخطأ بطريقة مجردة أو بمعنى آخر بطريقة تحليلية، فلو أخطأ شخص في جزئية معينة، فإنه يعمم الخطأ على بقية الأجزاء. والأشد من ذلك أن يتجه بالخطأ إلى الشخصية، فيأخذ الإخفاق على أنه نقص في الشخصية، ولهذا فمن المهم جداً أن تنظر إلى الخطأ بصورة موضوعية «كسبب ونتيجة» فإذا أخطاءنا في مسألة لا يعني نقصا في شخصيتنا أو أن حظنا عاثر؛ بل إننا لم نسلك الطريق الصحيح، ولم نتبع السبب المناسب كما قال الله تعالى: {فَأَتْبَعَ سَبَباً} فالأمور لا تؤخذ غلابا وإنما تؤخذ باتباع الطرق الصحيحة.
فإذا كنت أنت المخطئ بحق الآخرين، سواء كان في الآراء والأفكار، أو في مجالات التعامل الأخرى، ففي هذه الحالة لا بد أن تكون صريحاً مع نفسك، وأن تبصر عيوبك قبل أن تبصر عيوب غيرك، وأن تعترف بأخطائك أمام نفسك دائماً.

أما إذا أخطأ الآخرون بحقك، فالمطلوب أن تبدأ بأخطائك أولاً قبل أن تنتقدهم. وفي نقدك لهم يجب أن تكون أخلاقياً، بحيث يشجعهم النقد على الاعتراف بأخطائهم والإقلاع عنها، وليس المطلوب أن تهينهم وتجرح مشاعرهم، وتجعلهم يتعنتون لأخطائهم.
إن المخطئ أحياناً لا يشعر أنه مخطئ، وإذا كان بهذه الحالة فمن الصعب أن توجه له لوماً مباشراً وعتاباً هادفا، وهو يرى أنه مصيب. إذن لابد أن يشعر أنه مخطئ أولاً حتى يبحث هو عن الصواب؛ ولذلك من المهم أن نزيل الغشاوة عن عينه ابتداء ليبصر الخطأ.

جاء شاب يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في الزنا بكل جرأة وصراحة فهمَّ الصحابة أن يوقعوا به؛ فنهاهم وأدناه وقال له: «أترضاه لأمك؟!» قال: لا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «فإن الناس لا يرضونه لأمهاتهم» قال: «أترضاه لأختك؟!» قال: لا، قال: «فإن الناس لا يرضونه لأخواتهم» [رواه أحمد ]. فكان الزنا أبغض شيء إلى ذلك الشاب فيما بعد.
وكذلك في قصة معاوية بن الحكم حيث قال: بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم فقلت: «يرحمك الله»، فرماني القوم بأبصارهم فقلت: «ما شأنكم تنظرون إلي» فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني سكت، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي ـ ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه ـ فوالله ما نهرني ولا ضربني ولا شتمني قال: «إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن». [رواه مسلم]

وإذا وصلت إلى طريق مسدود مع الآخرين فحاول أن تتجاوز الطرق التقليدية التي اعتدت اللجوء إليها، وحاول أن تنظر للأمور من زاوية مختلفة، أي حاول القفز من على الحواجز واعكس الأدوار لرؤية الأمور من وجهة نظر الطرف الآخر، تبادل الأدوار معه أو مثل الدورين بنفسك ولكن بصوت مسموع، لأنك بذلك تفتح لنفسك آفاقا أوسع وتكتسب المنطقية والواقعية في تحليلك للمشكلة والوصول معه لحل نموذجي وواقعي لها بإذن الله تعالى.
ويمكن أن تستعين بمن يساعدك في تصحيح الأخطاء، بشرط أن يتوافر فيهم العدل والشفافية والبعد عن المصلحة الشخصية، والسلامة من الخلافية أو العدائية

حوار بين قلم و ممحاة
كان داخل المقلمة، ممحاة صغيرة، وقلمُ رصاصٍ جميل .. ودار هذا الحوار بينهما:
الممحاة: كيف حالكَ يا صديقي؟
القلم: لستُ صديقكِ!
الممحاة: لماذا؟
القلم: لأنني أكرهكِ.
الممحاة: ولمَ تكرهني؟
القلم: لأنكِ تمحين ما أكتب.
الممحاة: أنا لا أمحو إلا الأخطاء.
القلم: وما شأنكِ أنتِ؟!
الممحاة: أنا ممحاة، وهذا عملي.
القلم: هذا ليس عملاً!
الممحاة: عملي نافع، مثل عملكَ.
القلم: أنتِ مخطئة ومغرورة.
الممحاة: لماذا؟
القلم: لأنّ مَنْ يكتبُ أفضلُ ممّنْ يمحو .
قالت الممحاة: إزالةُ الخطأ تعادلُ كتابةَ الصواب.
أطرق القلم لحظة، ثم قال: صدقْتِ يا عزيزتي!
الممحاة: أما زلتَ تكرهني؟
القلم: لن أكره مَنْ يمحو أخطائي.
الممحاة: وأنا لن أمحوَ ما كان صواباً.
القلم: ولكنني أراكِ تصغرين يوماً بعد يوم!
الممحاة: لأنني أضحّي بشيءٍ من جسمي كلّما محوْتُ خطأ.
قال القلم محزوناً: وأنا أحسُّ أنني أقصرُ مما كنت!
قالت الممحاة تواسيه: لا نستطيع إفادةَ الآخرين، إلا إذا قدّمنا تضحية من أجلهم.
قال القلم مسروراً: ما أعظمكِ يا صديقتي، وما أجمل كلامك!
فرحتِ الممحاة، وفرح القلم، وعاشا صديقين حميمين، لا يفترقانِ ولا يختلفان.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة