الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الإعلام الإسلامي ومعركة التشويه والإقصاء

الإعلام الإسلامي ومعركة التشويه والإقصاء

الإعلام الإسلامي ومعركة التشويه والإقصاء

الإعلام الإسلامي المعاصر ضرورة حياتية منبثقة من أمانة التبليغ وإيصال رسالة الإسلام إلى الناس كافة، فالتقنيات الحديثة من فضائيات وإنترنت وغيرها جعلت من وسائل التبليغ أكثر تمددا في المعمورة، وأقدر على اختراق كل الحواجز الجغرافية والزمانية، وأيسر في مخاطبة ملايين البشر، مخاطبة آنية، مقارنة بما كان عليه التبليغ ونشر الدعوة الربانية من قبل.

كما أن ضرورة تفعيل الإعلام الإسلامي صارت حتمية في مواجهة الطوفان الإعلامي الهادر الذي يأتينا من هنا وهناك ويحمل الكثير من المجون والشرور والانفلات مع إعادة صياغة التقاليد والأعراف فضلا عن العقول والأفكار والثقافات بما يتوافق مع صيغ الحرية المطلقة والتفلت من قيم الدين والانحلال الأخلاقي.

يقول الأستاذ حميد بن حيبش: "إن نافذة التغريب التي ظلت مُشرعة بعد أفول العهد الاستعماري مكنت من تغذية الشعور بالاستعلاء لدى فئة عريضة راهنت على التجرد من أي شيء، بل ومن كل شيء، لقاء الحفاظ على وضع اعتباري أو امتيازات سابقة، وكان من تبعات الاستعلاء أن راهنت هذه الفئة على إرساء خطاب إعلامي وسياسي وثقافي ينحاز لمرجعية «الغالب» وحضارته، ويدعم كل أشكال الاستلاب ووأد محاولات النهوض الذاتي".

هجمة شرسة:
بل لا يقف الأمر عند هذا الحد ويتجاوزه إلى الهجمة الشرسة على الإسلام خاصة، والضرب في العمق الديني لشريعة الله تعالى الغراء، والتي تتمثل في:
- افتعال التخوف من المد الإسلامي وأجواء التشدد، وكبت الحريات، والرجعية التي سوف تحل بنا نتيجة هذا التعميم والانتشار.
- محاولة الظهور في هيئة «القديس الليبرالي» المطارد من «أعداء الحرية» ويقصد بهم هنا الإسلاميين.
- اختلاق صورة للإسلامي المتجهم القاسي باعتباره رمزًا للديكتاتورية والتحجر، مقابل صورة الليبرالي عاشق الفنون والجمال والانطلاق.
- تعويض الهزيمة الجماهيرية على أرض الواقع، بمحاولة تحقيق انتصار شعبي متوهم في الفضائيات.
- إظهار الإسلاميين بوجه عام على أنهم متطرفون ينتهجون العنف لتطبيق مبادئهم، والعزف على نبرة محاربة الإرهاب التي يقصد منها واقعيا محاربة المظاهر الإسلامية على تنوعها وتميزها.
- تأجيج التخوُّف القبطي من حكم الإسلاميين، وتضخيم قضية اضطهاد الأقليات، وتصعيد نبرة التوترات الطائفية.

عداء موغل في القدم
في الماضي كانت هناك حملات إعلامية ضروسة ضد هذا الدين الحنيف، وكانت تعمل على نفس الأغراض والأهداف ذاتها التي يمارسها الإعلام المعاصر المعادي، وإلى الغاية ذاتها التي يتغاياها، لكن الاختلاف فقط في الآليات والأدوات والأمور التقنية الفنية، فلا شك أنها كانت بسيطة ببساطة الحياة آنذاك، فها هو مثلا الإعلام الجاهليّ القرشيّ، تتنوع صور ضلاله ومنها – مثلا- تلك الحادثة التي نزل فيها -على أحد وجوه التفسير- قول الله تعالى: {كَمَا أَنزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} [الحجر:90-91].

هؤلاء المقتسمون تقاسموا الأدوار لممارسة الضغط الإعلامي على الدعوة الإسلامية وصاحبها – صلى الله عليه وسلم-، فقد روى المفسرون في سبب نزول هذه الآية أن الوليد بن المغيرة وزَّع ستة عشر رجلاً على أعقاب مكة وأنقابها وفجاجها ليستقبلوا الوافدين عليها في موسم الحج من شتى جهات الجزيرة العربية، وتقاسموا القول في القرآن وجعلوه عِضِين، فهؤلاء يقولون: سحر، وهؤلاء يقولون: كهانة، وهؤلاء يقولون: شعر يؤثَر، وهؤلاء يقولون: أساطير الأولين، كلٌّ حسب مزاج الوافدين من جهته من قبائل العرب وبطونها، فإذا ما انتهى الناس إلى الكعبة وجدوا على بابها شيخاً كبيراً هو الوليد بن المغيرة، فسألوه عما يقول هؤلاء فيجيب بالطبع قائلاً: صدق هؤلاء.

ومن الأمثلة الصارخة أيضا على تأثير الحملات الإعلامية في تثبيت المفتريات وغرسها في المجتمعات، أن فرية «الغرانيق» تسللت إلى كتب التفسير، ووصلت إلينا، وراجت عند بعضهم حتى راحوا يلتمسون التأويلات لها، وما كان هذا ليحدث لولا أن الإعلام الجاهلي نجح في إدخالها وتثبيتها في عقليات لم تستطع أن تتخلص من سلطانها، مع أنها فرية لا أساس لها، فالذي حدث ورواه الثقات أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما نزلت عليه سورة النجم تلاها على مسامع الملأ من قريش بالمسجد الحرام، وسورة النجم لها سلطان على القلوب والمشاعر، فلم يستطع القوم لهذا السلطان دفعاً، ولم يتمالكوا أنفسهم لدى ختمها بآية السجدة أن خروا ساجدين، فلما أفاقوا أُسقط في أيديهم وخافوا أن يكون هذا الصنيع فتنة للسفهاء منهم، فاختلقوا هذه الفرية، وأذاعوا عبر وسائل إعلامهم التي بلغ بثها المهاجرين إلى الحبشة؛ أن محمداً ذكر آلهتهم بخير، لتقع مصالحة بذلك بين الإسلام والجاهلية، فقرأ: {أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى} وزادوا فيها: "تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجى".

إعلام إسلامي حضاري
الأعلام الإسلامي -كما يجمع المختصون- هو إعلام تكويني دعوي، يهدف إلى تبليغ الناس بحقيقة الدين الإسلامي، ويهدف إلى تكوين رأي عام صائب يعبد الله على حق, بقصد تنشئة أفراد وجماعات تكون لديهم القدرة والكفاءة على قيادة الأمم والمجتمعات لاحقا.. إعلاما يقودهم نحو الأسمى والأفضل، يزكيهم بالفضائل، ويحصنهم من كل ألوان الرذائل، ويحميهم من كل مظاهر الانحرافات الفكرية والعقدية.

كما يجب أن نُركِّزَ في طرحنا الإعلامي على أنَّ رؤية الحزب أو الجماعة لا تمثِّل الإسلام بالضرورة، وإنما تجتهد في تطبيق فهمها للإسلام في ضوء الممكنات، وقد تُخطئ وقد تُصيب بقدر قربها من التأصيل الصحيح، وبقدر نقلها هذا التأصيل إلى واقع الممارسة، والمنهج حاكم على الأفراد، والأفراد لا يحكمون على المنهج.

إننا اليوم في أمس الحاجة لمشروع إعلامي إسلامي رصين يُقدم قضايا وهموم المسلمين بخطاب ملائم وعصري، ويعالج القضايا برؤية علمية تستشف حاجات الواقع، وتمتلك مساحات واسعة من الإبداع لتلبية متطلبات المسلم المعاصر وتقدمه إلى العالم من بوابة الحضور والإثراء، وتتبنى تطوير الوعي العام وتقريب المسافات بين الأمم والشعوب والثقافات، وتُكثف عناصر الخير مقابل عناصر الشر.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة