الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نُدرة الدّراسات اللُّغويّة في مجال الحديث الشّريف

نُدرة الدّراسات اللُّغويّة في مجال الحديث الشّريف

نُدرة الدّراسات اللُّغويّة في مجال الحديث الشّريف

الباحث في المكتبة العربيّة يجد أنّ الدّراسات والبحوث الّتي كُتبت في مجال الحديث النّبويّ الشّريف ربما لا تقلّ في عددها عن الدّراسات الّتي كُتبت حول القرآن الكريم، مع فارق مهمّ وهو أنّها لا تُشبهها في تنوّع أغراضها، وشمول موضوعاتها.

فالدّراسات القرآنيّة - الّتي تزخر بها المكتبة - شملت جانبين كبيرين، هما: جانب التّشريع، وجانب اللّغة، ولا شكّ أنّ الجانب الثّاني هو الّذي يقود إلى الجانب الأوّل، أي: إلى فهم لغة القرآن، وتفسير مفرداته، وبيان أسلوبه، وإعراب آياته للكشف عن نواحي إعجازه، ومِن ثَمَّ فهم القرآن، ومعرفة أحكامه.

ولذلك فقد تنوّعت الدّراسات القرآنيّة، وتوزّعت حول جَمْع القرآن وترتيبه، وأسباب النّزول، والمكّيّ والمدنيّ، والإعراب، والأشباه والنّظائر، والبلاغة، والتّأويل، وشرح الغريب... وما إلى ذلك من عشرات المئات - إنْ لم يكن الآلاف - من الكتب، والدّراسات الّتي تناولت المحور الرَّئيس في حياة المسلمين؛ وهو القرآن الكريم.

أمَّا الدَّراسات الّتي تناولت الحديث النّبويّ الشّريف فإنّها لم تشمل - تقريبًا - إلا جانب التَّشريع، أمَّا جانب اللّغة في مجال الحديث؛ فإنَّ الدّراسات فيه قليلة جدًّا بل تكاد تكون نادرة.

فالباحثُ المُدقّق لن تخطئ عينه ليرى أنَّ معظم الدّراسات والبحوث الّتي تناولت السُّنّة النّبويّة قد انصبّت على مجال التّشريع المستمدّ من كلام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، كما صُنّفت كتبٌ ودراسات في علوم الحديث المختلفة: في مصطلحاته، وأنواعه، وإسناده، وطبقات رواته... إلخ، لكنَّ لغة الحديث الشّريف ونحوه وصرفه لم تَحْظَ بالاهتمام من الباحثين، والدّراسين - عبر قرون - إلا بجهود ضئيلة لا تكاد تُذكر مقارنة بما صُنّف في علوم الحديث الأخرى.

بل العجيب أنَّ الجهود اللُّغويّة في الحديث النبويّ الشّريف - على قلّتها - قد اقتصرت على ما أُلِّف في غريب الحديث، وعلى بعض الجهود في إعراب الحديث النّبويّ، وفي الكشف عن بعض وجوه البلاغة النّبويّة.

فما السّرُ وراء هذا العزوف؟ وما الأسباب الّتي أدَّت إلى ذلك؟

لعلَّ أبرز الأسباب الّتي أدَّت إلى ذلك - كما يشير بعض الباحثين الّذين درسوا هذه القضيّة - ما يأتي:

الأول: انصباب الاهتمام على دراسة القرآن الكريم أوّلًا: فقد انشغل المسلمون بادئ الأمر بتعلّم دينهم، فتوجّهت جهودهم إلى فهم كتاب الله عزّ وجلّ، ومعرفة كلّ ما يتعلّق به من قضايا وأحكام؛ فنشأت علوم التّفسير، والفقه، والسّيرة، والتّاريخ.

الثاني: تنوّع الدّراسات القرآنيّة ساهم في إثراء الجانب اللغوي القرآني: لأنَّ القرآن الكريم هو المصدر الأوَّل من مصادر التَّشريع، وأنّ ما عداه نابع منه، وتابع له، فقد صار العلماء لا يبحثون في أيّ علم من العلوم، إلا عن الجانب الّذي يُفيدهم في فهم الدّين، وتفسير آيات القرآن الكريم، ومن هنا تنوّعت الدّراسات القرآنيّة، وتعدّدت.

الثالث: ميول الدّراسات الحديثية إلى الاهتمام بالجانب التّشريعيّ: كان الاهتمام بادئ الأمر بالجانب التّشريعي؛ إذ إنَّ الحديث النبوي هو المصدر الثّاني من مصادر التّشريع - كما هو مقرَّر عند العلماء كافّة -، ونقصد به جانب الفقه خاصّة، ومن هنا حَظِي الحديث النّبويّ الشّريف بدراسات كثيرة في مجال العلوم الفقهيّة، والشّرعيّة، وليس اللغويّ والنحويّ.

الرابع: توجيه الاهتمام بحفظ السُّنّة وتدوينها ونقلها: حَرَصَ المسلمون على رواية حديث نبيّهم عليه الصَّلاة والسّلام حِرْصهم على أنفسهم، يكتبونه، ويحفظونه، وينقلونه عبر الأجيال بأمانة، ودقّة، وإتقان، وقام الأئمة الأعلام يتتبّعون رواية الحديث، ويسيرون مع السّند المتّصل.

الخامس: الانشغال بتمييز الصّحيح من غيره من الأحاديث والرّوايات: حيث صُنفت الكتب الّتي جمعت الحديث الشّريف - كالصّحاح السّتّة وغيرها -، والكتب الّتي تبحث في تمييز الصّحابة رضوان الله عليهم، وكتب الطّبقات، وكتب الرّجال، وكتب الجرح والتّعديل، وسير الرّجال، وعلوم الرّواية والدّراية، والإسناد، والمتن، والكتب الّتي شرحت الحديث النّبويّ الشّريف.

تلك هي الموضوعات الّتي شغلت العلماء والباحثين في مجال الحديث النّبويّ الشّريف، أمّا ما يتعلَّق بلغة الحديث في إعرابه، ونحوه، ونظام جُملته، وتراكيبه، ودلالة ألفاظه فإنَّها لم تَشغَلْ العلماء كثيرًا؛ لأنّها لم تكن عقبة دون فهم كلام رسول الله عليه الصّلاة والسّلام، ودون إدراك الصّلة بينه وبين القرآن الكريم.

ثُمَّ لا يمكن إغفال القضيّة الكبرى الّتي شغلت العلماء في بدء الدّعوة، وهي توثيق الحديث النّبويّ، وحَمْلُه إلى عهد التّدوين، وتمييز الصّحيح من غيره، وتصنيف الرّواة وبيان طبقاتهم، ودرجاتهم.

فهذه أبرز الأسباب الّتي أدَّتْ إلى نُدرة الدّراسات اللُّغويّة في مجال الحديث النّبويّ الشّريف، ومن هنا كانت الدّراسات اللُّغويّة في الحديث الشّريف أقلَّ منها في القرآن الكريم، وهذا ما يدعو إلى استثارة هِمَم الباحثين، والدَّارسين إلى توجيه بحوثهم إلى نظام الجُملة في الحديث الشّريف، ونحوه، وبنائه اللّغويّ، لعلّها أن تكشف أنظارًا لُغويّة جديدة غير مسبوقة لم تستوعبها القواعد النَّحْويّة المُدوَّنة.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة