الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التدابير الوقائية للحد من السرقة في الشريعة الإسلامية

التدابير الوقائية للحد من السرقة في الشريعة الإسلامية

التدابير الوقائية للحد من السرقة في الشريعة الإسلامية

تعتمد الشريعة الإسلامية مداخل عدة للحد من الجريمة عموما، والسرقة خصوصا، واعتمادها على الوسائل التربوية/الوقائية تأتي في صدر التدابير المؤسِّسة لصيانة المجتمع من جرائم السرقة والسطو، إذ هي الضمانة التي تحصن الجماعة المسلمة من ضياع الأمن وفقدان السلم الاجتماعي.

وقد عرَّفت المنظمة العربية للدفاع الاجتماعي التدابير الواقية بأنها: " الإجراءات التي تتخذها الجهات المعنية في الدولة لمنع وقوع الجريمة، وحماية المجتمع من آثارها"(1). غير أن الشريعة تعطي التدابير الواقية مفهوماً واسعاً يتجاوز مجرد الوقاية من الجريمة، إلى الوقاية عن كل ما نهى الله عنه من الأفعال والأقوال.

فالدين كما هو معلوم يتكون من ثلاث دوائر: دائرة العقيدة، ودائرة الشريعة، ودائرة الأخلاق، بترتيب رائع متناسق، لا تتم الثالثة والثانية إلا إذا اكتملت الأولى، وهي لبنات يرتكز بعضها على بعض. فالعقيدة هي الأساس وهي عنوان الدين، وبكلمة التوحيد يدخل الإنسان في دائرة الإسلام، وبالتالي يتوجب عليه الأخذ بالشرائع، وتطبيقها والقيام بمقتضاها، لتثبت شجرة باسقة أصلها ثابت وفرعها في السماء، وتنتج ثمرة يانعة حلوة المذاق، هي الأخلاق، يتعامل بها مع من حوله في دائرة واحدة، هي دائرة المجتمع المتحاب الذي تسوده كل معاني الفضيلة والأخلاق.

ومن ثم؛ فقد سعى الإسلام إلى تحصين المجتمع من الجرائم انطلاقا من منهج وقائي محكم، يقوم على ثنائية الترغيب والترهيب، والخوف والرجاء، وسنذكر في هذه الفقرات القادمة أهم الإجراءات الوقائية التي سطرتها الشريعة لتجنيب المجتمع الإسلامي من السقوط في حمأة الرذيلة والجريمة:

1- تقوية الضمير الديني: إن انطلاق الفرد من بصيرة واعية مدركة، يقوده إلى بناء لبنات حياته وفق المنهج الرباني وأحكامه، التي تتعاضد معا في بناء متناهي الروعة والجمال، وهذا ما يمثل خط الدفاع الأول، ويعد الأهم من بين هذه الدفاعات، وتعتمد عليه الشريعة كثيراً في حربها ضد الجريمة، ويهدف إلى تطهير البيئة الاجتماعية من العوامل المؤدية إلى الجريمة والانحراف، فضلاً عن كونه يرتكز عن إعداد الإنسان السوي الذي يتجنب سلوك الجريمة والانحراف. هذا النظام يرتكز على مجمل تعاليم الدين الإسلامي الممثلة في أركان الإسلام، وما يتضمنه من الإيمان باالله سبحانه وتعالى، وصلاة، وزكاة، وصيام، وحج، وأمر بمعروف ونهي عن منكر، والدعوة إلى االله، والتربية الإسلامية، فإن لكل قيمة من هذه القيم دورها في الوقاية من الجريمة (2).

2- محاربة الفقر: عرفت البشرية الفقر منذ أزمة ضاربة في عمق التاريخ، فهي ليست وليدة العصر الراهن أو ربية قرون قريبة، وقد عمل الإسلام على اجتثاث الفقر من جذوره من خلال مداخل شتى، حيث ذمته الشريعة واعتبرته من البلاء الذي علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستعيذ بالله منه، فقد كان يدعو ويقول: (اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر) رواه أبو داود، وعمل على التقليل من آثاره عبر مصارف الزكاة التي يأتي على رأسها الفقراء والمساكين، وجعل المقصد الأساس من الزكاة هو إغناء هؤلاء عن ذل المسألة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فأعْلِمْهم بأنَّ الله افترض عليهم صدقةً في أموالهم، تُؤخذ من أغنيائهم، وتردُّ في فقرائهم) متفق عليه، هذا بالإضافة إلى الصدقات التطويعة التي فتح الإسلام بابها على مصراعيه، وكذا نظام الوقف الذي يعد من خصائص أمة الإسلام.

3- الحث على العمل: أمر الإسلام كل قادر أن يعمل ويسعى في طلب الرزق ليكفي نفسه، ويغني أسرته، بل ويسهم بالنفقة في سبيل الله على المحاويج، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير له من أن يأتي رجلا فيسأله أعطاه أو منعه ) أخرجه البخاري. فكان لزاما "على كل فرد مسلم أن يسعى ويعمل ويجتهد، ملتمسا الرزق في خبايا الأرض، وتحت أديم السماء، كيفما كان العمل الذي يزاوله: زراعة أو صناعة أو تجارة، أو إدارة أو كتابة، أو احترافا بأي حرفة من الحرف النافعة، سواء أكان يعمل لحساب نفسه أم لحساب غيره، فرداً كان ذلك الغير أو جماعة" (3).

4- محاربة الجشع والحث على القناعة: فالمال محبب للنفوس له حلاوة في القلوب، وبريق الذهب والفضة كثيرا ما يستبد بعديد الخلق، فيدفعهم بعضهم إلى امتداد أيدي السرقة إلى مال الغير، ومن هنا وجدنا الإسلام يحث على لجم نوازع النفس وحملها على القناعة، قال جل وعلا: {ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى} (طه:131)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة رضي اللَّه عنه: (لَيس الغِنَى عَن كثْرَةِ العَرَضِ، وَلكِنَّ الغِــنـَى غِــنَـى النَّفس) متفق عليه، وعن عبد اللَّه بن عمرو رضي اللَّه عنهما أَن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال : (قَدْ أَفلَحَ مَنْ أَسَلَمَ ، وَرُزِقَ كَفَافاً ، وَقَنَّعَهُ اللَّه بما آتاه) رواه مسلم.

5- تهذيب غريزة التملك: ذلك أن الإسلام لا يلغي غريزة التملك ولا يتجاوزها، ولكنه هذبها وطورها، ووسع من آفاقها وجعلها في خدمة الإنسان والمجتمع، وحوَّلها من وسيلة لتحقيق اللذة على حساب الآخرين؛ إلى أداة لتحقيق اللذة والمنفعة ونيل رضى الله تعالى.
ويتجلى منهج الإسلام في تهذيب غريزة التملك من خلال أمرين:

أ- ربط دوافع السلوك البشري للامتثال لأوامر الله تعالى والفوز برضاه وتحقيق شخصية متوازنة ومتحررة من الانصياع لفتنة المال.

ب- تنبيه الإنسان إلى ضرورة مواجهة ميول النفس البشرية ومقاومة نزعات التملك والتسلط.

وهذا المنهج يحرر الإنسان من سطوة المال وطغيانه، ويؤسس لمفهوم جديد للامتلاك يقوم على معاني الزهد بمعناه الإيجابي.

هوامش المقال:
( ) السياسة الجنائية في التشريع الإسلامي، المنظمة العربية للدفاع الاجتماعي، الرباط: ص335.
(2) أثر الإيمان والعبادات في مكافحة الجريمة ، مناع القطان: ص43.
(3) مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام، الشيخ يوسف القرضاوي: ص 53.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة