الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نحو مواجهة تصهين "فيسبوك"

نحو مواجهة تصهين "فيسبوك"

نحو مواجهة تصهين "فيسبوك"

كان لوزيرة القضاء الصهيوني المتطرّفة، إياليت شكيد، سبب وجيه للتعبير عن الرضا التام، بعدما قبل موقع التواصل العالمي الأهم "فيسبوك"، وموقع "يوتيوب"، عملياً، منح إسرائيل مكانة الرقيبة على مضامين المواد التي ينشرها الفلسطينيون عليهما. فحسب شاكيد، وافق "فيسبوك" على حذف 95% من الصفحات والمواد الفلسطينية التي طالبت إسرائيل بحذفها، بدعوى أنها "تحرّض" على العنف ضد إسرائيل، في حين استجاب "يوتيوب" لـ 80% من الطلبات الإسرائيلية (هآرتس، 22-9).

وبالفعل، حذف "فيسبوك"، خلال شهر أغسطس/ آب الماضي، عشرات الصفحات الفلسطينية الرائجة، والمتضامنة مع المقاومة الفلسطينية، بدعوى احتوائها على مضامين "تحريضية". وكان من اللافت أن كبار موظفي "فيسبوك" اتفقوا مع شاكيد، وزميلها وزير الأمن الداخلي، جلعاد أردان، على القيام بخطواتٍ تهدف إلى مأسسة الدور الرقابي الإسرائيلي على مضامين ما ينشر بالعربية في هذا الموقع؛ من خلال تشكيل طواقم عمل مشتركة.
وفي الحقيقة، مهد "فيسبوك" الذي يعد أهم موقع تواصل عالمي لهذا التحول في سياساته، بتعيينه الصهيونية اليمينية، جوردونا كوتلر، وهي مستشارة سابقة لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وسفير إسرائيل في واشنطن، رون درمر، ممثلة له في تل أبيب.

المفارقة أن "فيسبوك" أقدم على هذه الخطوات، على الرغم من أن كبار الساسة الصهاينة يوظفونه بشكل فج في التحريض على قتل الفلسطينيين، بالإشادة بجرائم الإبادة والتطهير العرقي التي مارسها الكيان الصهيوني ضدهم. ففي أبريل/ نيسان الماضي، نشر نتنياهو شخصيا على صفحته على "فيسبوك" منشوراً بمناسبة مرور 85 عاما على تأسيس المنظمة الإرهابية "إتسل"، التي قادها سَلَفاهُ، مناحيم بيغن وإسحاق شامير، حيث أشاد بـ "الأعمال البطولية" التي نفذتها المنظمة في ثلاثينيات القرن الماضي وأربعينياته. ولا حاجة للتذكير بأن في مقدمة هذه "البطولات" مجزرة دير ياسين، التي نفذها إرهابيو التنظيم في 9-4-1948، وراح ضحيتها 245 من النساء والأطفال والشيوخ في القرية. وقد استفزت إشادة نتنياهو بـ "إتسل" الكاتب اليهودي، بي ميخائيل، الذي عدّد، في مقال نشرته "هآرتس"، عشراتٍ من المجازر الأخرى التي نفذتها "إتسل"، وراح ضحيتها مئات الفلسطينيين.

وحسب تقرير صدر في 17 أغسطس/ آب الماضي، عن صندوق "بيرل كتسنلسون"، وهو إحدى مؤسسات البحث الإسرائيلية التي تعنى برصد مضامين المناشير في مواقع التواصل بالعبرية، تبين أنه يتم نشر أربع مواد بالعبرية على مواقع التواصل، لا سيما "فيسبوك"، كل دقيقة، تحرّض على العنف ضد الفلسطينيين.

ومن أهم المعطيات التي رصدها التقرير أن صفحات الساسة الإسرائيليين على "فيسبوك" هي الأكثر تحريضاً على العنف من بين الصفحات العبرية الأخرى.

ودل التقرير على أن أكثر الصفحات تحريضاً على العنف ضد الفلسطينيين هي صفحة الناشط اليميني، يوآف إلياسي، الملقب بـ "الظل"، والذي انضم، أخيراً، إلى حزب الليكود الذي يترأسه نتنياهو. وحسب التقرير، إجمالي المواد التي تدعو إلى العنف والكراهية في مواقع التواصل بالعبرية من يونيو/ حزيران 2015 إلى مايو/ أيار 2016 وصلت إلى 4.241.653 منشوراً، وهو عدد هائل، مع الأخذ بالاعتبار أن إجمالي عدد السكان في إسرائيل يبلغ 8 ملايين نسمة.

ويسمح "فيسبوك" لتنظيمات يهوديةٍ إرهابيةٍ، تورّطت في عمليات إجرامية ضد الفلسطينيين، بمواصلة التحريض على العنف والإرهاب وترويجه، من دون أن يقدم على أية خطوةٍ عقابية ضدها. فحسب تقرير صدر بتاريخ 21-5 عن "المركز الإصلاحي للدين والدولة"، وهو أحد المراكز الإسرائيلية التي تعنى بمراقبة الجدل على مواقع التواصل العبرية، فإن منظمة "لاهفا" اليهودية، التي تجاهر بتنفيذ اعتداءات ضد الفلسطينيين في القدس والمدن المختلطة داخل إسرائيل، تعد "الأكثر نشاطاً في مجال التحريض على العنف ضد العرب، لكونهم عرباً، في مواقع التواصل، لا سيما فيسبوك".

وللأهمية القصوى التي بات "فيسبوك" يكتسبها، كأوسع مركبات الإعلام الجديد وأخطرها، ولدوره الكبير في حرب الروايات، إلى جانب تأثيره الطاغي على الوعي وسوق الأفكار؛ لا يجوز التسليم بتعاطي "فيسبوك" الانتقائي والعنصري ضد مضامين النشر الداعمة لفلسطين وقضيتها. وليس من الحكمة السماح بمنح إسرائيل مكانة "الرقيب" على ما ينشر في هذا الموقع، على اعتبار أن الصهاينة يمكن أن يوسعوا دائرة تدخلاتهم، بحيث تمسّ كثيراً من قضايا الأمة.

من هنا، فإن هناك حاجة ملحة، على الأقل، لاتباع الخطوات نفسها التي أقدمت عليها إسرائيل، ونجحت في ليِّ ذراع "فيسبوك" وإملاء مواقفها. وإن كان واقعنا السياسي يقلص الرهان على أن تتحرّك الحكومات العربية للضغط على إدارة الموقع، لتغيير سياساته، فإن في وسع مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية والنخب المناصرة لفلسطين وقضايا الأمة بشكل عام أن تتواصل مع إدارة "فيسبوك" للفت نظرها إلى خطورة تعاطيها التمييزي والعنصري، وذلك بعرض المعطيات التي ترصدها مراكز البحث الإسرائيلية نفسها حول واقع التحريض في الصفحات والحسابات باللغة العبرية، والذي يتجاهله الموقع. ويتوجب استغلال الطابع التجاري لأنشطة "فيسبوك"، وتوظيفه رافعة ضغط على الموقع، وتحذيره من إمكانية مناصري القضية الفلسطينية لمقاطعة الموقع وقتاً محدّداً، في حال لم يوقف تعاطيه العنصري تجاه الفلسطينيين وتسامحه إزاء التحريض على الإرهاب في مواقع التواصل العبرية.

ويمكن أيضاً استنساخ ما أقدمت عليه إسرائيل في سعيها إلى ترويض "فيسبوك"، عندما أوعزت لعائلات يهودية أميركية، قتل عدد من أفرادها في عملياتٍ للمقاومة خلال انتفاضة القدس، برفع دعوى بمليار دولار على الموقع، بزعم أن هذه العمليات نفذت تحت تأثير "التحريض" في مواقع التواصل الفلسطينية، فهناك عائلات فلسطينية تحمل جنسيات أميركية وأجنبية قتل أبناؤها في جرائم إرهابية، نفذها مستوطنون يهود، بإمكانها اعتماد المنطق نفسه في رفع دعاوى ضد "فيسبوك".

قصارى القول، يجب عدم السماح بصهينة "فيسبوك".
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
صالح النعامي "العربي الجديد"

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة