الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بين الثقافة والإعلام

بين الثقافة والإعلام

بين الثقافة والإعلام

العلاقة بين الثقافة والإعلام علاقة كانت محل بحث ودراسة للمهتمين بالشأنين الثقافي والإعلامي كليهما.. أيهما كان أسبقِ، وأيهما كان أكثر تأثيرا في صاحبه أو تأثرا به، وما مدى تأثير كل منهما على المستهدفين أو المتلقين.

وقد اتجه بعض الباحثين إلى سبق الثقافة للإعلام؛ وذلك أنها ملازمة لأي شعب وكل أمة، فلكل شعب من شعوب الدنيا ـ مهما كانت درجة تقدمه ورقيه، أو تأخره وتخلفه ـ ثقافته الفطرية أو المكتسبة، والتي تتفق أو تختلف، تبتعد أو تقترب من الثقافات الأخرى؛ كما يقول الدكتور مصطفى محمود في مقاله "الثقافة والإعلام": "الأمم والشعوب لها ثقافات تتفق أحيانا في بعض الجوانب وتتباين في أخرى،...، صحيح أن الثقافات تداخلت اليوم في الكثير من جوانبها، وتشابكت محاورها ومفرداتها نتيجة سرعة الاتصال بحكم التقنيات الحديثة، غير أن هناك قدرا مشتركا بين ثقافات الأمم والشعوب متفق عليه، تقبله العقول الصحيحة والفطر السليمة، إلا أنه تبقى الخصوصية لكل ثقافة قائمة شاخصة تنم عن أهلها وذويها، مبنية على مبادئها وقيمها".

ولا شك أن كل ثقافة يحرص أصحابها على نشرها وحصر غيرها، حتى أصحاب الثقافات الهابطة والقيم السافلة والمبادئ الرخيصة يحرصون على ذلك، ويعملون له، وهذا النشر يحتاج إلى وسيلة تقوم بهذا الدور الترويجي للثقافة المحلية، ونشرها وكسب مؤيديها، وتحجيم الثقافات الدخيلة، وهذه الوسيلة هي الإعلام بلا شك على اختلاف صوره وأشكاله، خصوصا مع التطور الهائل في القرون الأخيرة.

وهذه الفكرة بحد ذاتها استدل بها من رأى سبق الثقافة للإعلام.. بينما يرى آخرون أن الإعلام كان هو السابق كما ذكر الدكتور طارق العجاوي حيث يقول:
"أثبتت كافة الدراسات والأبحاث التي تناولت موضوع العلاقة بين الثقافة والإعلام أن الإعلام كان الأقدم والأسبق من الثقافة، والدليل على ذلك حاجة الإنسان الماسة للإعلام؛ فهو ضرورة من ضرورات البقاء، وما الإشارات والأصوات التي كان يصدرها الإنسان القديم لأبناء جلدته إلا خير دليل على ذلك، وهي في واقع الحال صورة من صور الإعلام ولكن بصورته البدائية.

على كل الأحوال ليس الهدف من كتابة هذه السطور معرفة أيهما أقدم أو أسبق إلى الظهور، ولكن الهدف هو معرفة مدى العلاقة بين الثقافة والإعلام.
يقول الدكتور العجاوي: "لا شك أن هذه العلاقة علاقة موغلة في القدم، ويكاد يكون هدفهما مشترك؛ ألا وهو التواصل والتحاور مع الآخر ـ سواء بهدف التأثير عليه أم التأثر به ـ فنجد أن الثقافة بحكم طبيعتها ذات جانب وهدف إعلامي والمتمثل في تعبير الإنسان عن موقفه من ذاته أو من الآخر أو من كل ما هو محيط به؛ لذلك نلمس الثقافة في المادة الإعلامية وأيضاً الإعلام في المادة الثقافية.

ولكي نوضح الصورة ونقربها نجد أن المثقف بكل إبداعاته من أدب وفن وفكر.. ألخ.. لا يكون هدفه الرتابة والإبداع لنفسه بل لطرح هذه الإبداعات بمجملها للأخر، ليدل على مكنونات نفسه، ويوضح آراءه من شتى المسائل والقضايا. وعليه فمن الواضح أن العلاقة بينهما متداخلة متلاصقة، فكلاهما يبث بالآخر ويمتزج بنسيجه".

وهذا القدر ـ وهو تأثر كل من الثقافة والإعلام بالآخر وارتباطه به، وكونهما متداخلين ـ يتفق فيه الباحثان تقريبا؛ حيث يقول الدكتور مصطفى: "وكل أمة حريصة على نشر ثقافتها ـ وخاصة لدى أفرادها ومنسوبيها ـ والإعلام بآلياته المتعددة هو أحد وسائل نقل تلك الثقافة إن لم يكن أعظمها!!".

وهذا الارتباط قديم كما أسلفنا بقدم الثقافة، فعلى سبيل المثال الذي يقرأ الشعر القديم يلمس به وببساطة المادة الإعلامية، فكان الحاكم يحتضن الشاعر ويقربه منه ليكون لسانه ووسيلته الإعلامية، وذلك ليظهر محاسن القبيلة ومساوئ القبائل المعادية، أو ليمدح موقف ويذم آخر، لذلك نراه شاعراً إعلامياً بالدرجة الأولى، فهو الناطق باسم الحاكم والقبيلة المدافع عن أهدافها ومواقفها المشيد بموقف أو المفند لآخر.

وكتاب الله:
ولا يخفى على أحد ما جاء في كتاب الله العزيز من آيات أفحمت خصوم الإسلام، وأرغمتهم بإعجازها وبلاغتها وأمثالها وقصصها على التسليم بصحة وعظمة هذا الدين الحنيف، فكانت أهم بل أبلغ إعلام لرسالة الإسلام جعلتهم رغم المعتقد الذي كان سائداً عندهم يدركون صحة وعظمة هذه الرسالة.

تكامل لا تناقض
ولا شك أن التطور قد طال كلا الأمرين تبعاً لتطور الحياة وأدى بالضرورة إلى التباين والخصوصية في وسائل كل منهما، إلا أن هذا التطور في مفهوم الإعلام ـ وتحديداً في وسائله ـ جعله يثأر من الثقافة وهيمنتها ويرد لها بعض الدين من ذلك الزمن الذي جعل كليهما يختلط ويمتزج بالآخر.

وبعد.. فمهما وقع من تباين أو اختلاف أو تداخل أو ترابط بين مفهوم الثقافة ومفهوم الإعلام يبقى في ذات النوع والدرجة، وليس في الهدف والغاية، على اعتبار أن كليهما بالمفهوم السليم والصحيح يرمى إلى ذات الغاية والهدف وهو توعية الإنسان وتنويره، وفي كل الأحوال لا يستغني أحدهما عن الآخر؛ فالثقافة الصحيحة تحتاج إلى الإعلام الذي ينقل الحقائق بصدق وشفافية، ويقاوم الاعوجاج ويسد الخلل، وهي في ذات الوقت تقوّم الإعلام نفسه، وتوجد منه أداة خير ونفع ورقي، وتوجد فيه المصداقية والحرية والأمانة، وتعالج فيه الكذب والتزوير وقلب الحقائق.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة