الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من فوائد دراسة السيرة النبوية

من فوائد دراسة السيرة النبوية

من فوائد دراسة السيرة النبوية

السيرة النبوية لا تتناول سيرة رجل عادي، بل إنها سيرة وحياة أعظم بشر وأفضل نبي، وهي تشتمل على وقائع حياته صلى الله عليه وسلم، من ميلاده ونسبه، وطفولته وشبابه، وبداية بعثته ونزول الوحي عليه، وأخلاقه وشمائله، ودلائل نبوته ومعجزاته، وجهاده وسلمه، وهديه في المنام والطعام والشراب والنكاح، والتعامل مع الموافقين والمخالفين، و التربية والتعليم، والدعوة والإرشاد، وأحداث حياته كلها حتى التحاقه بالرفيق الأعلى.. وهي كذلك سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم القدوة والأسوة، الذي لا يصح عمل ولا عبادة إلا باتباعه، قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}(الأحزاب:21).

ودراسة السيرة النبوية فيها الكثير من الفوائد العظيمة، والمنافع المتعددة، التي ينبغي التعرف عليها والاستفادة منها، ومن هذه الفوائد:

الاقتداء والتأسي:

لن يتحقق التأسي والاقتداء إلا بمعرفة سيرة وأحوال الـمُتأسَى والمقْتَدَى به، ومن فوائد دراسة السيرة النبوية معرفة أحوال وأخلاق وشمائل النبي صلى الله عليه وسلم، والمسلم أياً كان حاله يجد في السيرة النبوية المباركة الأسوة والقدرة، والنور الذي يُسْتَضاء به في ظلمات الحياة، والمثل الأعلى الذي ينشده للوصول إلى الأمن والسعادة، ففي السيرة النبوية: سيرة الرسول الشاب العفيف المستقيم، الصادق الأمين، الذي عُرِفَ في قومه قبل بعثته وبعدها بخلال عذبة، وأخلاق فاضلة، وشمائل كريمة، وكان أفضل قومه مروءة، وأحسنهم خلقاً، وأصدقهم حديثاً، وأعفهم نفساً، وأوفاهم عهداً..
كما في سيرته صلى الله عليه وسلم سيرة الرسول الصاحب، الذي يحب أصحابه ويحسن إليهم، ويتواضع معهم ويجيب دعوتهم، ويزور مرضاهم ويشهد جنائزهم، ويدعو لهم ولأبنائهم، ويمازحهم ويداعبهم، ويشفق عليهم ويقضي حوائجهم، ويؤلفهم ولا ينفرهم، ويعطى كلَّ مَنْ جالسه نصيبه من العناية والاهتمام، ويشاركهم آلامهم وآمالهم، ويشعر بأحزانهم، ويخففها عنهم، ويحول ألمهم أملا، ومحنتهم منحة، قال الله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ القَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ}(آل عمران: 159)..
وفي سيرته العطرة سيرة الداعية إلى الله المتلمس أحسن السبل والوسائل لقبول دعوته، الباذل منتهى طاقته وجهده في إبلاغ رسالته، وقد قال الله تعالى له صلى الله عليه وسلم: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي}(يوسف:108)، قال ابن القيم: "فلا يكون الرجل من أتباعه حقاً حتى يدعو إلى ما دعا إليه، ويكون على بصيرة".
كما نجد في سيرته صورة الحاكم والقائد والراعي الذي يقيم العدل بين الرعية، فهو صلوات الله وسلامه عليه أعدل الناس، وأبعدهم عن الظلم، فما ظلم أحداً، ولا حابى أحداً، ولا جار في حكم أبداً، ومن أخلاقه وصفاته المعروف بها العدل في الرضا والغضب، فكان مثالاً للعدل مع أهله وأولاده وأصحابه، ووسع عدله القريب والبعيد، والصديقّ والعدو، والمؤمن والكافر.
وفي سيرته صلى الله عليه وسلم: سيرة الرسول الزوج والأب في حنو العاطفة، وحسن المعاملة للزوجة والأولاد، فلم يمنعه زهده في الدنيا، وكثرة عبادته، وعظم مسئولياته عن دوام بشره وطلاقة وجهه وملاطفته لأهله وأولاده، فكان يُولِيهم عناية فائقة ومحبَّة لائقة، فكان مع زوجاته حنوناً ودوداً، تجلّت فيه العواطف والمشاعر اللطيفة في أسمى مظاهرها وأجملها، فكان يُكرم ولا يهين، يُوجِّه وينصح، ولا يعنِّف ويَجْرَح، ومع أولاده كان أباً حنوناً رحيما، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) رواه الترمذي وصححه الألباني، وقد أثنى الله تعالى عليه وعلى خُلُقِه فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}(القلم:4)..
ومن ثم فمن الفوائد الهامة من دراسة السيرة النبوية: الاقتداء والتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي قال الله تعالى عنه: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا}(النور:54)، وقال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَة}(الأحزاب: 21)، قال ابن كثير: "هذه الآية أصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله".

فهم كتاب الله عز وجل:

تُعد مواقف وأحداث السيرة النبوية أرضاً خصبة للمفسرين، فقد نزل القرآنُ مُنجّماً (مفرقاً)، تعقيباً على الأحداث، أو تبييناً لإشكال، أو رداً على استفسار، أو تحليلاً لموقف من مواقف السيرة النبوية، فهناك من الآيات القرآنية نزلت في الغزوات والحروب، كتلك الآيات التي تتكلم عن الغزوات في سورة آل عمران والتوبة والأحزاب والفتح والحشر، وآيات نزلت إثر حوادث وقعت، كما حدث في صلح الحديبية، وحادث الإفك وغيرها من الحوادث والمشاهد، وحتى تُفهم هذه الآيات القرآنية فهماً صحيحاً لا بد من دراسة السيرة النبوية والتي يتبين من خلالها أسباب نزول الكثير من هذه الآيات.. ومما لا ريب فيه أن معرفة أسباب النزول أمر ضروري لمن يتصدى لتفسير كلام الله، لما هو معلوم من الارتباط بين السَبَب والمُسَّبِّب، قال الواحدي: "لا يمكن تفسير الآية دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها"، وقال ابن دقيق العيد: "بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني القرآن"، وقال ابن تيمية: "معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية، فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب". ومن ثم فمن الفوائد الهامة من دراسة السِّيرة النبوية أنها تساعد على الفهم الصحيح للآيات القرآنية، من خلال معرفة تفاصيل الحدث الذي تتحدث عنه الآية الكريمة وسبب نزولها، والموقف التي نزلت فيه، وكيفية تطبيق النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لها، حتى يكاد يستعصي الفهم الصحيح لبعض معاني القرآن الكريم في معزل عن السيرة النبوية المطهرة.

فهم الأحاديث النبوية:

هناك الكثير من الأحاديث النبوية لا يمكن فهمها فهماً صحيحاً بمنأى عن السيرة النبوية، فمثلاً هناك بعض الأحاديث النبوية التي في ظاهرها شيء من التعارض يُجَلِّيها ويزيل اللبس منها سيرة وفعل النبي صلى الله عليه وسلم، فقد يرِد أمر نبوي ولا يُعْلم هل هذا الأمر على الوجوب، أو على الإرشاد، أو هو منسوخ أم لا؟! وقد يرد نهىٌ نبوي عن أمرٍ ولا يُعلم النهى أيضاً هل على التحريم أم لا؟! فتأتى السيرة النبوية العطرة فتبين لنا الحكم الصحيح فى المسألة، حيث أن السِّيرة النَّبوِيَّة يُراعى في كتابتها وتدوينها الزَّمن والتاريخ، بخلاف الكتابة والتدوين للسنة والأحاديث النبوية، ومن هنا كانت أهمية السيرة النبوية فى استنباط الحكم الصحيح من بعض الأحاديث التي في ظاهرها شيء من التعارض.

تحصيل الدروس والعبر:

السيرة النبوية العطرة مليئة بالدروس والعبر، التي تبني الشخصية السوية المتكاملة، ولذا فإِنه يجب على العلماء والمربين الاعتناء بدراسة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، والحرص على ما صح من أخبارها حتى يصح الاستدلال بها، وحتى يحصل التأسي والمتابعة على الوجه الصحيح، مع العلم أن السيرة النبوية ليست مجرد حوادث تاريخية تؤخذ منها العبر والعظات فحسب، وإِنما هي فوق هذا كله، سيرة وحياة نبينا صلى الله عليه وسلم الذي عصمه وحفظه ربه سبحانه، وهي تجسيد عملي للوحي ـ القرآن والسنة ـ الذي يُقتدى به، وهي منهج واضح يهتدى بهداه، وصراط مستقيم يُسلك ويُتبع .

معرفة معجزاته صلى الله عليه وسلم:

نبينا صلى الله عليه وسلم أكثر الرسل معجزة، وأبهرهم آية، فله من المعجزات ما لا يُحَدُّ ولا يُعَدُّ، وقد أُلِّفت في معجزاته المؤلفات الكثيرة، وتناولها العلماء بالشرح والبيان، والدارس للسيرة للنبوية يقف على كثير من معجزاته صلى الله عليه وسلم ودلائل نبوته، التي وقعت وتكررت في أماكن مختلفة، وشاهدها الصحابة الكرام واقعاً حياً أمام أعينهم فكان لها الأثر البالغ في ثباتهم وزيادة إيمانهم، إضافة إلى ما تتركه معرفة هذه المعجزات من أثر في نفوس المسلمين على مَرِّ العصور من معرفة قدْر ومنزلة النبي صلى الله عليه وسلم، قال ابن تيمية: "ومعجزاته تزيد على ألف معجزة"، وقال النووي: "معجزات النبي صلى الله عليه وسلم تزيد على ألف ومائتين".

السيرة النبوية هي سيرة وحياة أعظم مخلوق وأفضل نبي، وهي تعطينا صورة للمثل الأعلى والقدوة الحسنة في كل شأن من شؤون الحياة الفاضلة، وهي ترجمة عملية وصورة واقعية للإسلام وأحكامه، سواء ما كان منها متعلقًا بالعقيدة أو الأحكام أو الأخلاق، قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَة}(الأحزاب: 21)، ومن ثم فإن سيرته وحياته صلى الله عليه وسلم معجزة من معجزاته وآية من آيات نبوته كما قال ابن حزم: "فإن سيرة محمد صلى الله عليه وسلم لمن تدبرها تقتضي تصديقه ضرورة، وتشهد له بأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حقاً، فلو لم تكن له معجزة غير سيرته صلى الله عليه وسلم لكفى".

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة