الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لفظ (الإثم) في القرآن

لفظ (الإثم) في القرآن

لفظ (الإثم) في القرآن

في معاجم اللغة أن مادة (أثم) تدل على أصل واحد، وهو البطء والتأخر. يقال: ناقة آثمة، أي: متأخرة. و(الإثم) مشتق من ذلك؛ لأن ذا الإثم بطيء عن الخير متأخر عنه. و(الإثم) عند العرب الذنب، ويقال: أثم فهو آثم وأثيم مبالغة، كما تقول: عَلِمَ فهو عالم وعليم مبالغة. وتأثم: خرج من إثمه، قال الخليل: أثم فلان وقع في الإثم، فإذا تحرج وكف، قيل: تأثم، كما يقال: حَرِجَ وقع في الحرج، وتحرج تباعد عن الحرج.

وقوبل (الإثم) بـ (البر) في القرآن في قوله سبحانه: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} (المائدة:2) وقوبل بينهما أيضاً في قوله صلى الله عليه وسلم: (البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك، وكرهت أن يطلع عليه الناس) وهذا القول منه صلى الله عليه وسلم حكم البر والإثم لا تفسيرهما.

ولفظ (الإثم) جاء في القرآن الكريم في ثمانية وأربعين موضعاً (48) جاء في مواضعه كافة بصيغة الاسم، من ذلك قوله تعالى: {فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه} (البقرة:182). ولم يرد لفظ (الإثم) في القرآن بصيغة الفعل.

وذكر بعض المفسرين أن لفظ (الإثم) في القرآن الكريم ورد على عدة معان:

- (الإثم) بمعنى الكذب والزور، من ذلك قوله سبحانه: {لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم} (المائدة:63) يعني: عن قول الكذب والزور؛ وذلك أنهم كانوا يحكمون فيهم بغير حكم الله، ويكتبون كتباً بأيديهم ثم يقولون: "هذا من حكم الله، وهذا من كتبه". وذكر بعض المفسرين أن (الإثم) هنا بمعنى الشرك.

- (الإثم) بمعنى المعصية، من ذلك قوله عز وجل: {ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} (المائدة:2) يعني: لا تتعاونوا على ترك ما أمركم الله بفعله، بل تعاونوا على ما أمركم الله بفعله والقيام به. ووفق هذا المعنى قوله عز وجل: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق} (الأعراف:33) روي عن مجاهد والسدي أن {الإثم} في الآية المعاصي كلها. وقال ابن السكيت: "إن {الإثم} في قوله: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي} يعني به: الخمر. قال القرطبي: "وهذا ليس بجيد؛ لأن الله تعالى لم يسم الخمر إثماً في قوله: {يسألونك عن الخمر والميسر} (البقرة:219)، وإنما قال: {قل فيهما إثم كبير} ولم يقل: قل هما إثم كبير". وقال ابن الأنباري: "لا يصح عند أهل اللغة أن (الإثم) من أسماء الخمر".

ومما جاء على هذا المعنى قوله عز من قائل: {وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت} (المائدة:62) روي عن السدي أن {الإثم} هنا: الكفر، وقد عقب الطبري على هذا القول بقوله: "هذا وإن كان قولاً غير مدفوع جواز صحته، فإن الذي هو أولى بتأويل الكلام: أن يكون القوم موصوفين بأنهم يسارعون في جميع معاصي الله، لا يتحاشون من شيء منها، لا من كفر ولا من غيره؛ لأن الله تعالى ذكره عمَّ في وصفهم بما وصفهم به من أنهم يسارعون في الإثم والعدوان، من غير أن يخص بذلك إثماً دون إثم".

- (الإثم) بمعنى الحرام، من ذلك قوله {فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم} (المائدة:3) أي: غير مائل لحرام، و(الجنف) الميل، و(الإثم) الحرام. وعلى هذا المعنى أيضاً قوله عز وجل: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم} (البقرة:188) يعني بقوله: {بالإثم} بالحرام، الذي قد حرمه الله عليكم. ومنه أيضاً قوله سبحانه: {وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم} (البقرة:206) أي: إذا قيل للمنافق: اتق لله وخف عذابه، استكبر ودخلته عزة وحمية بما حرم الله عليه. ووفق هذا المعنى كذلك قوله تعالى في أخذ مهر المطلَّقة: {أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا} (النساء:20). وقوله سبحانه: {ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا} (النساء:112). وقوله عز وجل: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا} (الأحزاب:58) فـ (الإثم) في هذه الآيات بمعنى الحرام.

- (الإثم) بمعنى مغفرة الذنوب، من ذلك قوله عز وجل في النفر من منى في أيام التشريق: {فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه} (البقرة:203) أي: أنه خارج من ذنوبه، محطوطة عنه آثامه، مغفورة له أجرامه. وإلى هذا ذهب ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما في تفسير المراد بـ (الإثم) في هذه الآية. وذهب ابن عباس إلى أن المراد بنفي (الإثم) في الآية نفي الحرج والجُناح، أي: لا حرج عليه ولا جُناح في تعجيل النفر أو تأخيره. قال الطبري: "ولا معنى لقول من تأول قوله: {فلا إثم عليه}، فلا حرج عليه في نفره في اليوم الثاني، ولا حرج عليه في مقامه إلى اليوم الثالث؛ لأن الحرج إنما يوضع عن العامل فيما كان عليه ترك عمله، فيرخص له في عمله بوضع الحرج عنه في عمله؛ أو فيما كان عليه عمله، فيرخص له في تركه بوضع الحرج عنه في تركه. فأما ما على العامل عمله، فلا وجه لوضع الحرج عنه فيه إن هو عمله، وفرضه عمله؛ لأنه محال أن يكون المؤدي فرضاً عليه حرجاً بأدائه، فيجوز أن يقال: قد وضعنا عنك فيه الحرج".

- (الإثم) بمعنى العقاب والعذاب، من ذلك قوله عز وجل: {ومن يفعل ذلك يلق أثاما} (الفرقان:68) قال القرطبي: "الأثام في كلام العرب العقاب، وبه قرأ ابن زيد وقتادة هذه الآية". وروي عن مجاهد قوله: إن {أثاما} واد في جهنم، جعله الله عقاباً للكفرة. وقيل: معنى: {يلق أثاما} أي: يحمله ذلك على ارتكاب آثام؛ وذلك لاستدعاء الأمور الصغيرة إلى الكبيرة، و(الآثم) المتحمل الإثم، قال تعالى: {فإنه آثم قلبه} (البقرة:283).

وحاصل ما تقدم، أن لفظ {الإثم} جاء في القرآن الكريم على أكثر من معنى، وأكثر ما جاء عليه بمعنى الحرام، وبدرجة تالية بمعنى المعصية، وجاء أيضاً بمعنى الكذب والزور، وجاء بدرجة أقل بمعنى مغفرة الذنوب، وبمعنى العقاب.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة