الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إعصار فيه نار

إعصار فيه نار

إعصار فيه نار

من الإعجاز العلمي الذي تحدث عنه القرآن وكشفه العلم الحديث ما جاء في قوله تعالى: {أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون} (البقرة:266).

المراد من الآية

هذه الآية تضمنت مثلاً في حق من يتبع إنفاقه بالمن والأذى، والمعنى أن يكون للإنسان جنّة في غاية الحسن والنهاية، كثيرة النفع، وكان الإنسان في غاية العجز عن الكسب وفي غاية شدة الحاجة، وكما أن الإنسان كذلك فله ذرية أيضاً في غاية الحاجة، وفي غاية العجز، ولا شك أن كونه محتاجاً أو عاجزاً مظنة الشدة والمحنة، وتعلق جمع من المحتاجين العاجزين به زيادة محنة على محنة، فإذا أصبح الإنسان وشاهد تلك الجنة محرقة بالكلية، فانظر كم يكون في قلبه من الغم والحسرة، والمحنة والبلية، أولاً: بسبب أنه ضاع منه ذلك المال العزيز النفيس. وثانياً: بسبب أنه بقي في الحاجة والشدة مع العجز عن الاكتساب واليأس عن أن يدفع إليه أحد شيئاً. وثالثاً: بسبب تعلق غيره به، ومطالبتهم إياه بوجوه النفقة. فكذلك من أنفق لأجل الله، كان ذلك نظيراً للجنَّة المذكورة وهو يوم القيامة، كذلك الشخص العاجز الذي يكون كل اعتماده في وجوه الانتفاع على تلك الجنة، وأما إذا أعقب إنفاقه بالمن أو بالأذى، كان ذلك كالإعصار الذي يحرق تلك الجنّة، ويعقب الحسرة والحيرة والندامة، فكذا هذا المال المؤذي إذا قدم يوم القيامة، وكان في غاية الاحتياج إلى الانتفاع بثواب عمله، لم يجد هناك شيئاً، فيبقى لا محالة في أعظم غم، وفي أكمل حسرة وحيرة، وهذا المثل في غاية الحسن، ونهاية الكمال، فضلاً عما يتضمنه من إعجاز قرآني.

الإعصار لغة:

والإِعْصارُ لغة -كما عرَّفه الزجاج- الرياح التي تهب من الأرض، وتُثِير الغبار، فترتفع كالعمود إِلى نحو السماء، وهي التي تُسَمِّيها الناس (الزَّوْبَعَة) وهي ريح شديدة، لا يقال لها: إِعْصارٌ حتى تَهُبّ كذلك بشدة، ومنه قول العرب في أمثالها: (إِن كنتَ ريحاً فقد لاقيتَ إِعصاراً) يُضرب مثلاً للرجل يَلقى مثله في النجدة والبسالة والشجاعة.

الإعصار اصطلاحاً:

أما الإعصار علميًّا: فهو عبارة عن عاصفة هوائية عنيفة، تتميز بغيمة مخروطية دوارة، تدور حول مساحة من الضغط الجوي المنخفض، سرعتها لا تقل عن (74) ميل في الساعة، تحدث هذه العواصف العنيفة بشكل خاص في مناطق أمريكا الوسطى والجنوبية، إضافة إلى بعض مناطق الولايات المتحدة الأمريكية.

وهناك ما يسمى بـ (الإعصار الناري) (A fire whirl) ويسمى بالعامية (نار الشيطان) (fire devil) وهو ظاهرة نادرة تحدث في ظل ظروف معينة -اعتماداً على درجة حرارة الهواء والتيارات- وهو إعصار يتكون من عامود من الهواء والنار، له حركة دورانية، وتتولد معظم الأعاصير النارية من حرائق الغابات، وقد لا يتجاوز مدة هذه الأعاصير عشرات الثواني، أو الدقائق، ولكن تحدث دماراً هائلاً لكل ما تلاقيه في طريقها. ومعظم أعاصير النار لا يزيد عرض لسانها الناري على ثمانية أمتار، وطوله على سعين متراً.

الإعصار تاريخيًّاً:

هذه الظاهرة لم يُسمع عنها أو يقرأ حولها إلا منذ أمد غير بعيد، وقد تكررت عدة مرات في هذا القرن، فقد شهدت كل من البرازيل، وهاواي، والولايات المتحدة هذه الظاهرة، التي حيرت العلماء، الذين تكاتفوا لدراستها وتفسيرها بشكل يشفي الفضول، وللعثور أيضاً على حل لما اعتبروه أخطر من الزلازل وثورات البراكين و(تسوناميات) البحار والطوفانات.

والجدير بالذكر، فإن الأعاصير الثلاثة التي حدثت ضرب أذاها الناري السهول والبراري فحسب، ولم يصل أذاها إلى المدن، وإلا لكانت أشعلت في مبانيها الحرائق بالمئات؛ لأن الإعصار الناري، أو "نار الشيطان" كما هو معروف اسمه، يمر في المكان كعود كبريت مشتعل، فيحرق ما يجده أمامه بثوان معدودة.

ودفع هذا النوع النادر من الأعاصير إلى ظهور جماعة من المتدينين الأمريكيين سمت نفسها "ضحايا نار الشيطان" وأسسها كاهن كنيسة بتكساس بعد يومين من مرور إعصار ناري بالولاية في العام الماضي، حيث أشعل ناراً ببعض الحقول، مع أنه لم يستمر سوى خمس عشرة ثانية فقط. مع ذلك رفع القيمون على "ضحايا نار الشيطان" شعاراً يؤمنون به، ويقول: "إن من يقضي على يد العدو الأول للبشر، سيدخل إلى ملكوت السماوات بكل تأكيد"، وفق تعبيرهم طبعاً.

وقد أثبت أبحاث أجراها علماء الأرض، وحسابات قام بها مؤرخون، وعلماء بأحوال الطقس عبر التاريخ أن (حريق روما الكبير) لم يكن من فعل (نيرون)كما هو شائع، بل سببه إعصار ناري، مر على المدينة -التي بُنيت معظم بيوتها من الخشب- في العام (64) قبل الميلاد، فأتى عليها بالكامل، أما (نيرون) فثبت للمؤرخين أنه كان في مدينة أخرى حين أبلغوه نبأ الحريق، فأسرع ليشارك هو نفسه بإطفاء الحريق، لكنه حين وصل وشاهد المدينة مشتعلة بالحرائق أمامه عرف بأن الإطفاء أمر مستحيل، فانهار وراح يبكي حزناً عليها.

وفي القرن الميلادي المنصرم، وتحديداً في الأول من سبتمبر (أيلول) سنة (1923م) ضرب (زلزال كانتو العظيم) مدينة طوكيو، فقتل من سكانها أكثر من (105) آلاف نسمة، وسبب حرائق صغيرة، تسببت بدورها في تسخين الهواء، الذي تحول بسرعة إلى جاف، ونتج عنه ارتفاع في درجة الحرارة، تحولت معها كتلة هوائية إلى نوع من الإعصار الصغير، صادف أن مر بأحد ألسنة النار المشتعلة، فحمله معه كالزوبعة، ومر على شبه جزيرة صغيرة اسمها نوتو، فبقي يعبث فيها بالنار مدة عشرين دقيقة، أحرق خلالها ثلثي المدينة تقريباً، وقتل حرقاً (38) ألفاً من سكانها.

وفي السادس والعشرين من شهر أوغست سنة (2010م) ضرب إعصار ناري مدينة أراساتوبا الواقعة إلى الجنوب من مدينة سان باولو في البرازيل، فأشعل في بريتها وبساتينها وحقولها نيراناً هائلة، مع أنه لم يستمر سوى ثلاثين ثانية فقط. وبث اللسان الناري الذعر بسكان المدينة، فخرجوا منها هاربين بعد أن نُقل إلى سمعهم أنه كان يتراقص كالشيطان، وهو يحرق الأخضر واليابس في برية المدينة. وذكر أحد علماء الطقس والمناخ البرازيليين أن ذلك الإعصار الناري "لو مر بالمدينة نفسها لقضى على نصفها احتراقاً" كما قال.

في السياق ذاته، فقد ضرب إعصار جزر هاواي الأمريكية منذ فترة قريبة، تحول إلى لسان ناري، وأشعل النار في حقول وبساتين وغابات بلغت مساحتها أكثر من (1400) هكتار، واستمرت فرق الإطفاء أسابيع حتى تمكنت من إخماد النيران المشتعلة، ومن رحمة الله بخلقه، لم يمر هذا الإعصار بأي مناطق سكنية، وإلا لكان أشعل الحرائق، وقضى على الآلاف من سكان تلك الجزر.

الإعجاز القرآني:

وصف القرآن الكريم هذه الظاهرة الطبيعية النادرة تحدث في مناطق الغابات الكثيقة، ومن المعروف فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعيش في جزيرة العرب في مكان صحراوي، لم يشاهد في حياته أي إعصار ناري، فالأعاصير النارية تظهر وتتولد من حرائق الغابات الكثيفة، حتى سكان الغابات نادراً ما يشاهدونها، فكيف بساكن الصحراء.

والقرآن الكريم يضرب المثل به على الرغم أنه لم يتم دراسة هذه العواصف ومعرفة أسبابها إلا من سنوات قليلة فقط، حيث كانت المعلومات المرتبطة بهذه الأعاصير معلومات خرافية، لا تستند إلى أي أساس علمي، حيث كان يعتقد الناس أن هذه العواصف النارية إنما هي عبارة عن شياطين تحرق كل ما تصادفها، ولذلك سموها لسان الشيطان.

* اعتمدنا في تحرير مادة هذا المقال على موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة