الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كرامات الأولياء لا تخالف الشرائع

كرامات الأولياء لا تخالف الشرائع

كرامات الأولياء لا تخالف الشرائع

اتفقت كلمة أهل السنة والجماعة على الإيمان بالكرامات التي يُظهرها الله على يد أوليائه المتقين، والتي هي في مجملها: "خرق الله العادة لوليّه، لحكمةٍ أو مصلحةٍ تعود عليه، أو على غيرِه".

ولا يعني ذلك أن كلّ خرقٍ للعادة هو كرامةٌ لصاحبِه بالضرورة؛ فإن الكرامةَ لا تُعدّ مقبولةً حتى تستوفي جملةً من الشروط، ويأتي في مقدّمها: أن تكون تلك الكرامة المنسوبة، فعلاً يتماشى مع الشرع ويلتزم به، فلا يحتوى على ما يدلّ على مصادمته لمنهج الله تعالى.

معنى هذا الشرط

إن موافقة الكرامة للشرع، تعني ألا تتضمّن شيئاً يخالف الشرع في وجهٍ من الوجوه، لا شكلاً ولا مضموناً، فلا يمكن –مثلاً- أن تشتمل الكرامة على ترك شيء من الواجبات، أو فعل شيء من المحرمات، أو إعلاءً لشأن باطل، أو تقليلاً لشعبةٍ من شعب الدين، أو تتضمّن التزام شيء من العبادات لم يأذن في التزامه الشرع الحكيم.

موافقة الشرع: المبعث والدواعي

الكرامة من حيث الأصل هي فعلٌ من أفعال الله تعالى التي يُجريها الله على يد أحدٍ من عبادِه، وتكون في الغالب مخالفةً لنواميس الكون، وهي علامةٌ على الإكرام الواقع على صاحبِها، فإذا اشتملت تلك الكرامة على مخالفةٍ فهي باطلٌ لا يستحق المدح، فكيف بالإكرام وإعلاء المكانة؟

من هنا كانت أي معارضةٍ للشرع مبطلةٌ لحقيقة الكرامة المزعومة، فإما أنها خبرٌ مكذوبٌ عن صاحبِها، أو أنها خارقٌ للعادة ليست بالضرورة كرامةً من الكرامات، إذ يجوز أن تكون سحراً أو من أفعال الشياطين، والله تعالى لا يُكرم بما يمنع من استعمالِه شرعاً.

ولله درّ الإمام الشاطبي إذ يقول مفسّراً: "هذه الأمور لا يصح أن تراعى وتعتبر-أي الكرامات، إلا بشرط أن لا تَخْرِم حكماً شرعياً ولا قاعدة دينية؛ فإن ما يخرم قاعدةً شرعيّة أو حكماً شرعياً ليس بحقٍّ في نفسه، بل هو إما خيال أو وهم، وإما من إلقاء الشيطان، وقد يخالطه ما هو حق وقد لا يخالطه، وجميع ذلك لا يصح اعتباره من جهة معارضته لما هو ثابت مشروع؛ وذلك أن التشريع الذي أتى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام لا خاص ، وأصله لا ينْخَرِم، ولا ينكسر له اطراد.. وإذا كان كذلك فكل ما جاء من هذا القبيل الذي نحن بصدده مضاداً لما تمهّد في الشريعة ; فهو فاسد باطل".

ويُضاف أيضاً لما سبق، أن الكرامة هي بمثابة الجائزة الإلهية الناتجة عن اتباع الشرع، فكيف ينتج من المشروع ما ليس بمشروع؟ وكيف يُكرم الله عبداً بمحرّم؟ لا يمكن أن يحصل ذلك.

الحساسية النقديّة لقصص الكرامات

بناء على ما تقدّم، نرى كثيراً من العلماء ينتقدون ما يُروى من القصص المتعلّقة ببعض الكرامات، إذا رأوا فيها ما يقدح بالشرع، إيماناً منهم بأن الشريعة حاكمةً لا محكومٌ عليها، فإذا تخلّف شرط الموافقة للشرع حدث الإخلال بالميزان الشرعي في الحكم على الأعمال.

وقد ذكر الشاطبي قصّة تدلّ على نباهة السلف وذكائهم في هذه المسألة، فقد حكى عن عبد القادر الجيـلاني أنه عطـش عطشاً شديداً ، فإذا سحابة قد أقبلت وأمطرت عليه مطراً خفيفاً استطاع أن يجمع منه الماء وأن يرتوي به،وبينما هو كذلك إذ سمع صوتاً يصدر من السحاب يخاطبه قائلاً: " ياجيلاني ‍! أنا ربك ، وقد أحللت لك المحرمات " فقال له : "اذهب يالعين! ".فاضمحلّت السحابة واختفت مباشرةً، فتعجّب الناس من حوله، وسألوه: بِمَ عرفت أنه إبليس ؟ فقال لهم: بقوله: " قد أحللت لك المحرمات"، فكأنه رحمه الله أدرك أن الشرع قد اكتمل فلا يمكن تغيير أحكامه لأحد من العالمين، ولا يمكن كذلك إسقاط التكاليف عن أحدٍ مهما كان صلاحه وتقواه، لأن الشريعة قد استقرّت إلى يوم الدين، كما قال الله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} (المائدة: 3).

وما يهم هنا هو التنبيه على أهميّة هذا الشرط وخطورته، ذلك أن الإخلال به لهو من أعظم مداخل الشيطان على بعض الصالحين، حتى يحصل منهم التلاعب بأحكام الشريعة ولو عن دون قصد، وبالله التوفيق.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة