
زيد بن عمرو بن نفيل، من أهل التوحيد في الجاهلية، ووالد سعيد بن زيد أحد العشرة المبشَّرين بالجنة، وأخته عاتكة بنت زيد، وقد تُوفي زيد قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم بخمس سنين. قال ابن حجر في كتاب "الإصابة في معرفة الصحابة": "زيد بن عمرو بن نفيل العدويّ، والد سعيد بن زيد أحد العشرة (الذين بشرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة)، وابن عم عمر بن الخطاب. ذكره البغويّ وابن مندة وغيرهما في الصّحابة، وفيه نظر، لأنه مات قبل البعثة بخمس سنين، ولكنه يجيء على أحد الاحتمالين في تعريف الصّحابي، وهو أنه من رأى النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم مؤمناً به هل يشترط في كونه مؤمنا به أن تقع رؤيته له بعد البعثة فيؤمن به حين يراه أو بعد ذلك، أو يكفي كونه مؤمنا به أنه سيبعث كما في قصّة هذا وغيره؟".
كان زيد بن عمرو لا يفعل ما تفعله قريش في الجاهلية من عبادة الأصنام، ووأْد البنات، فعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: (رأيت زيد بن عمرو بن نُفَيل قائماً مُسنِداً ظهره إلى الكعبة يقول: يا معشرَ قريش، والله ما منكم على دين إبراهيم غيري، وكان يُحيي الموءودة، يقول للرجل إذا أراد أن يقتل ابنته: لا تقتلْها، أنا أكفيك مؤونتها، فيأخذها، فإذا ترعرَعتْ قال لأبيها: إن شئتَ دفعتُها إليك، وإن شئتَ كفيتُكَ مؤونتها) رواه البخاري. وفي رواية أخرى قالت أسماء رضي الله عنها: (رأيت زيد بن عمرو شيخاً كبيراً مسنداً ظهره إلى الكعبة وهو يقول: يا معشر قريش والذي نفس زيد بن عمرو بيده ما أصبح منكم أحد على دين إبراهيم غيري. ثم يقول: اللهم لو أني أعلم أي الوجوه أحب إليك عبدتك به ولكني لا أعلمه، ثم يسجد على راحلته. وكان يحيى الموءودة، يقول للرجل إذا أراد أن يقتل ابنته: مه! لا تقتلها أنا أكفيك مؤنتها، فيأخذها فإذا ترعرعت قال لأبيها: إن شئتَ دفعتها إليك وإن شئت كفيتك مؤنتها) قال الذهبي هذا حديث صحيح.
اجتهد زيد بن عمرو في البحث عن الدين الصحيح قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، فلمَّا تعب في البحث، قال: "اللهم إني أشهدك أني على دين إبراهيم"، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه: (أن زيد بن عمرو بن نفيل خرج إلى الشام يسأل عن الدين ويتبعه، فلقي عالماً من اليهود فسأله عن دينهم، فقال: إني لعلِّي أن أدينَ دينكم، فأخبرْني، فقال: لا تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبِك مِن غضب الله، قال زيد: ما أفرُّ إلا من غضب الله، ولا أحمل من غضب الله شيئاً أبداً، وأنَّى أستطيعه؟! فهل تدلني على غيره؟ قال: ما أعلمه إلا أن يكون حنيفاً، قال زيد: وما الحنيف؟ قال: دين إبراهيم، لم يكن يهودياً ولا نصرانياً، ولا يعبد إلا الله. فخرَج زيد فلقي عالماً من النصارى، فذكر مثله، فقال: لن تكون على دينِنا حتى تأخذ بنصيبك مِنْ لعنة الله، قال: ما أفر إلا من لعنة الله، ولا أحمل من لعنة الله ولا من غضبِه شيئاً أبداً، وأنَّى أستطيع؟ فهل تدلني على غيره؟ قال: ما أعلمه إلا أن يكون حنيفًا؟ قال: وما الحنيف؟ قال: دين إبراهيم، لم يكن يهودياً ولا نصرانياً، ولا يعبد إلا الله. فلما رأى زيد قولهم في إبراهيم عليه السلام خرج، فلما برَز رفع يديه فقال: اللهمَّ إني أشهدك أني على دين إبراهيم) رواه البخاري.
وكان زيد يعيب على قريش ما تصنع من عبادة الأصنام، ولم يكن يفعل ما يفعلونه من الذبح لغير الله، أو أكل ما يأكلونه مما ذُبحوه لأصنامهم، وله موقف مع النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه و سلم لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل بلدح (واد في طريق التنعيم إلى مكة) قبل أن ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم الوحي، فقُدِّمت إلى النبي صلى الله عليه و سلم سُفْرة (طعام) فأبَى أن يأكل منها، ثم قال زيد: إني لست آكل مما تذبحون على أنصابكم، ولا آكل إلا ما ذكر اسم الله عليه، وأن زيد بن عمرو كان يعيب على قريش ذبائحهم ويقول: الشاة خلقها الله وأنزل لها من السماء الماء، وأنبت لها من الأرض، ثم تذبحونها على غير اسم الله ـ إنكاراً لذلك وإعظاماً له ـ) رواه البخاري.
قال ابن بطال: "كانت السفرة لقريش فقدموها للنبي صلى الله عليه وسلم، فأبى أن يأكل منها، فقدمها النبي صلى الله عليه وسلم لزيد بن عمرو فأبى أن يأكل منها. وقال مخاطباً لقريش الذين قدموها أولاً: إنا لا نأكل كل ما ذُبِح على أنصابكم. انتهى.. وقال الكرماني: هل أكل رسول الله، صلى الله عليه وسلم منها؟ قلتُ: جَعْله في سفرة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدل على أنه كان يأكله، وكم شيء يوضع في سفرة المسافر مما لا يأكله هو بل يأكل مَنْ معه، وإنما لم ينه الرسول صلى الله عليه وسلم من معه عن أكله لأنه لم يوح إليه إذ ذاك، ولم يؤمر بتبليغ شيء تحريماً وتحليلاً حينئذ.. وقال الخطابي: امتناع زيد من أكل ما في السفرة إنما هو من أجل خوفه أن يكون اللحم الذي فيهما مما ذبِح على الأنصاب، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا لا يأكل من ذبائحهم التي كانوا يذبحونها لأصنامهم".
مات زيد بن عمرو بن نفيل قبل البعثة النبوية بخمس سنين، وقد قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم ـ على الرغم أنه مات قبل نبوته وقبل أن يوحى إليه ـ: (يُبعث أمَّة وحده)، فعن أسامة بن زيد عن أبيه: أن زيد بن عمرو بن نفيل مات، ثم أُنْزِل على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم: (إنه يبعث يوم القيامة أمة وحده) رواه الطبراني، وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح، وقال الذهبي وغيره: إسناده حسن .وقال صلى الله عليه وسلم عن زيد أيضا: (دخلت الجنة فرأيت لزيد بن عمرو بن نفيل درجتين) رواه ابن عساكر وحسنه الألباني. وأما عن معنى: أمة وحده، فقد قال ابن القيم في "مفتاح دار السعادة": ".. الله سبحانه أثنى على إبراهيم خليله بقوله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ}(النحل: 120: 121)، فهذه أربع أنواع من الثناء افتتحها بأنه أمة، والأمة هو القدوة الذي يؤتم به، قال ابن مسعود: والأمة المعلم للخير، وهي فعلة من الإئتمام، كقدوة وهو الذي يقتدى به.. الثاني: أن الأمة فيه زيادة معنى وهو الذي جمع صفات الكمال من العلم والعمل، بحيث بقي فيها فرداً وحده، فهو الجامع لخصال تفرقت في غيره، فكأنه باين غيره باجتماعها فيه وتفرقها أو عدمها في غيره، ولفظ الأمة يشعر بهذا المعنى.. ومنه الحديث: (إن زيد بن عمرو بن نفيل يبعث يوم القيامة أمة وحده)".
لقد كان زيد بن عمرو بن نفيل يَعلم ويؤمن أنه سيُبْعَث في قريش نبي ورسول من عند الله عز وجل، لكنه مات قبل البعثة النبوية، فأشهد اللهَ والناس أنه يؤمن بهذا النبي الذي سيُبْعَث فيهم ـ وهو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ـ، قال ابن حجر في "فتح الباري" : "وروى الزبير بن بكار من طريق هشام بن عروة قال: بلغنا أن زيداً كان بالشام، فبلغه مخرج النبي صلى الله عليه وسلم فأقبل يريده فقتل بمضيعة من أرض البلقاء. وقال ابن إسحاق: لما توسط بلاد لخم (في بلاد الشام) قتلوه، وقيل: إنه مات قبل المبعث بخمس سنين عند بناء قريش الكعبة".