الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إن هو إلا ذكرى للعالمين

إن هو إلا ذكرى للعالمين

إن هو إلا ذكرى للعالمين

نقرأ في سورة الأنعام قول الباري سبحانه: {إن هو إلا ذكرى للعالمين} (الأنعام:90) ونقرأ أيضاً في سورة يوسف قول الحق سبحانه: {وما تسألهم عليه من أجر إن هو إلا ذكر للعالمين} (يوسف:104) وكذلك في سورة التكوير قوله سبحانه: {إن هو إلا ذكر للعالمين} (التكوير:27) والسؤال الذي يرد هنا: ما وجه ورود الخبر بلفظ التأنيث في آية سورة الأنعام، ووروده في آيتي سورتي يوسف والتكوير بلفظ التذكير مع تذكير المبتدأ في الآيات الثلاث؟

وجواب السؤال أن يقال: إن آية سورة يوسف تقدمها حديث عن القرآن الذي يقص على الناس أحسن القصص، ويخبرهم من أنباء الغيب ما لا علم لهم به، وذلك قوله تعالى: {ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك} (يوسف:102) ثم إخبار من الله سبحانه بأن أكثر الناس غير مؤمنين بما جاء به هذا القرآن، وذلك قوله سبحانه: {وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين} (يوسف:103) ومن ثم كان من المناسب أن تُخْتَم الآية بلفظ التذكير؛ لأن سياق الكلام عائد إلى لفظ مذكر وهو القرآن المجيد.

وكذلك الأمر بالنسبة لآية سورة التكوير، لمَّا تقدمها القَسَم على القرآن بقوله تعالى: {فلا أقسم بالخنس} (التكوير:15) إلى ما وقع القَسَم به، ثم ورد ضمير المُقْسَمِ عليه في قوله عز شأنه: {إنه لقول رسول كريم} (التكوير:19) أي أن القرآن {لقول رسول كريم} والمراد به جبريل عليه السلام، ثم أتبع بوصفه إلى قوله: {مطاع ثَمَّ أمين} (التكوير:21) ثم قيل: {وما صاحبكم بمجنون} (التكوير:22) والإشارة إلى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، فنزهه تعالى عن قول أعدائه، ونسبتهم إياه إلى الجنون، ثم وصفه تعالى بأنه على الغيب الموحى به، والمأمون على تبليغه، غير متهم، على قراءة من قرأ بالظاء {بظنين} ولا بخيل، على قراءة من قرأ بالضاد: {وما هو على الغيب بضنين} (التكوير:24) ثم أعقب ذلك بقوله تعالى: {وما هو} أي وما القرآن {بقول شيطان رجيم} فَجَرَتِ هذه الضمائر على التذكير على ما يجب، ثم أتبع بقطع تعلقهم، فقيل: {فأين تذهبون} (التكوير:26) أي إن كل ما قصدتم من رميه عليه الصلاة والسلام به من السحر، والجنون، والتقول، لا يقوم شيء من ذلك على ساق ولا قدم، ولا يتوهم ذلك ذو عقل سليم، ثم قال: {إن هو إلا ذكر للعالمين} والضمير للقرآن، ولا يمكن وروده خلاف هذا؛ لمنافرة التناسب، ومباعدة التلاؤم.

أما آية الأنعام فتقدمها قوله تعالى: {أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين} (الأنعام:89) فناسب بين قوله: {إن هو إلا ذكرى} وبين ما تقدم، فكأن التقدير: {إن هو} أي الأمر، أو المراد المقصود، أو ما ذُكر من الكتاب، والحكم، والنبوة إلا ذِكْرٌ، فناسبه {ذكرى} هنا؛ لما تقدم بيانه، ولم يتقدم هنا ما يستدعي لفظ التذكير ويناسبه، فجاء كلٌّ على ما يجب ويناسب.

هذا، وقد ذكر ابن جماعة وأبو هلال العسكري أن لفظ {الذكرى} جاء مؤنثاً في آية سورة الأنعام، ولم يأتِ مذكراً منوَّناً كما في آيتي سورتي يوسف والتكوير؛ لأنه تقدمه في سورة الأنعام قوله سبحانه: {وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين} (الأنعام:68) وقوله عز وجل: {وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ولكن ذكرى لعلهم يتقون} (الأنعام:69) فكان لفظ المؤنث {الذكرى} أليق بها وأنسب. ومع معقولية هذا التوجيه، إلا أنه يُعَكِّر عليه بُعد الفاصل بين هاتين الآيتين وبين الآية التي هي مدار الحديث.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة