الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

آداب لمستخدمي وسائل التواصل

آداب لمستخدمي وسائل التواصل

آداب لمستخدمي وسائل التواصل

لا شك أننا ـ أبناء هذا الزمان ـ محظوظون بما من الله على الدنيا من اختراعات حديثة لم يكن من حظ الأولين رؤيتها ولا التعامل معها، كما هو الحال مع الإنترنت وما نتج عنه من وسائل التواصل الاجتماعي والانفجار المعلوماتي الرهيب الذي وفره للعالم كل العالم.

وفي البداية لابد وأن يتفق الجميع على أن هذا التطور الهائل نعمة من نعم الله التي تستوجب الشكر؛ فقد انفتح بها أبواب للخير لا يحصيها إلا الله، والتي ينبغي أن ننظر إليها على أنها فتح من الله للعلماء والدعاة والعاملين لنشر الخير والعلم ولنشر دين الله في العالمي؛ وذلك بما يسرت من أسباب ووفرت من إمكانات.

ولابد أن نتفق أيضا على أن هذه الوسائل كما حوت كثيراً من الخير فإنها أيضا قد حوت بين طياتها كثيرا من الشر، وجمعت بين خير مشوب بشر، وشر مشوب بخير، خصوصا مع كثرة المواقع والمنتديات على هذه الشبكة العنكبوتية واختلاف توجهاتها، وتنوع مذاهبها وأفكارها وآرائها؛ إذ جمعت تلك المنتديات الصالح والطالح، ومنها ما هو نافع ومنها ما هو مُفسد أو فاسد... فلابد من التحذير والتنبيه والاحتراز الشديد حال الاستخدام، حتى لا تنزلق الأقدام، ويأتي الشر من وراء الخير.
آداب هامة
إننا هنا نريد أن ننبه على آداب هامة ينبغي لمستخدم هذه الوسائل من استعمالها والتنبه إليها.. لا ندعي أنها هي كل الآداب، وإنما شيء منها تذكرناه، وربما فاتنا ما لم يفت غيرنا من الناصحين:

النية النية:
إن استخدام الشبكة العنكبوتية ووسائلها التواصلية يأكل وقت الإنسان وعمره حتى إنه يقضي فيها الساعات الطوال، وهذا يستلزم نية طيبة حتى لا يضيع كل هذا الوقت هباء بلا أجر، والنية أصل قبول الأعمال فلا يقبل الله منها إلا ما كان صالحا وابتغي به وجهه كما في حديث عمر في الصحيحين: [إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لكل امْرِئٍ مَا نَوَى].
ولهذه النية فائدة أخرى: وهي أن العبد سيتقى الله فيما يكتب وينشر، وفيما يقرأ ويسمع ويرى، وأهم من هذا أنه لن ينتظر من أحد جزاءً ولا شُكورا على ما يفعل، ويستوي عنده أن يعلق على منشوره أحد أو يمر ولا يشكره فإنما أجره على الله.

المحافظة على الأوقات والواجبات
فكما قلنا إن استخدام الشبكة ووسائلها يأكل الوقت أكلا، ويقطع العمر قطعا، وأغلى ما في الوجود الوقت إذ هو العمر، فهو لا يقدر بثمن، وهو أغلى من الذهب والفضة، وما فات منه فلا يمكن استرجاعه، وهو رأس مال العبد الذي يتاجر فيه مع الله ويشتري به سعادة الدنيا والآخرة، وبقدر ما يفوت في غير طاعة بقدر ما يفوت من نعيم الدارين، وأكثر الناس مغبون فيه كما في الحديث: [نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ]. فداخل الشبكة إن دخل بغير هدف ضاع عمره، وراح وقته، وسرقت ساعاته، دون نفع أو مصلحة دينية أو أخروية؛ ولهذا كان لابد من أمرين:
الأول: المحافظة على الوقت وذلك بتحديد وقت للتصفح والاستخدام في المتابعة أو تبادل المنفعة، أو الدعوة أو غيرها.. حتى لا يضيع العمر فيها.
والثاني: الانتباه للواجبات وخاصة الصلوات فلا ينشغل الإنسان عنها ولا يسول له الشيطان فيسوف عن الجماعات وعن صلة الأرحام وبر الوالدين وحقوق المسلمين، ولا ينشغل بالنت عن واجب الوقت.

اختيار الأسماء الافتراضية
من الآداب المهجورة في فتح الحسابات على وسائل التواصل مسألة اختيار الاسم الافتراضي، فالكثير ينظر إليها على أنها أسماء وهمية غير حقيقية، فلا مساءلة فيها ولا حساب عليها.. ولكن الحق أنها يكره فيها ما يكره في الاسم الحقيقي لأن مستخدمي النت يتعاملون مع صاحبها على أساسها.. فننبه إلى أنه:
يكره تعمد التسمي بأسماء الفساق الماجنين والمشهورين بالخلاعة والفجور. ويكره التسمية بأسماء فيها معان تدل على الإثم والمعصية، كظالم أو عربيد، والفاجر، والعاشق، وسارق القلوب، وصريع الغواني، والولهان وأشباهها.
وتكره التسمية بأسماء الفراعنة والجن: كفرعون، قارون، هامان. كما يكره التسمي بأسماء الحيوانات المشهورة بالصفات المستهجنة. كما يكره ما فيه تزكية لصحابه أو صاحبتها.
وللحق فإن كثيرا من الأسماء المنتشرة يحوي مُخالفة أو مخالفات لا ينتبه لها أكثر المستخدمين.

والصور أيضا:
ومثل ما قيل في اختيار الأسماء كذلك يقال في اختيار الصور، ففيها محاذير: كاستخدام بعض الفتيات لصورهن الخاصة ووضعها في المعرف، أو وضع بعض الرجال صور لهم مع زوجاتهم أو العكس، وبعض الشباب هداهم الله يضعون صورا عارية ومثيرة، وهذا ينبغي ألا يحدث، وكل ما يفتح باب فتنة فقد سد الشرع بابه سدا للذريعة، والبدائل في هذا الباب متوافرة والحمد لله.

الحذر من الكذب على الله وعلى رسوله:
وذلك أحيانا يكون عن غير قصد عند نقل الرسائل المرسلة من أطراف أخرى، وقد يكون جهلا من صاحب الرسالة، عندما يفتي بغير أهلية، أو يحلل ويحرم بدون علم، أو يصف ربه أو ينسب إليه قولا أو فعلا أو وصفا لم يثبت ولم يصح، وقد حذرنا الله من هذا المسلك فقال: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}(الأعراف:33}، وقال: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ}(لنحل:116).

ومثل هذا الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ينسب إليه ما لم يقله أو يفعله، وقد قال صلوات الله وسلامه عليه: [من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار](متفق عليه)، أو ينشر أحاديث لا يعلم مدى صحتها من ضعفها أو وضعها فيكون أحد الكاذبين كما في سنن الترمذي وابن ماجة: [من حدث عنى بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين].
ومن فضل الله علينا جميعا ـ وعلى مستخدمي النت خصوصا ـ وجود مواقع متخصصة لتخريج أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيان صحتها من ضعفها وحكم العلماء عليها، فيجب على من أراد نشر حديث أن يراجع هذه المواقع فلا ينسب إلى النبي عليه الصلاة والسلام إلا ما تأكد من نسبته إليه.

المصداقية المصداقية:
عِلمُ بعض الناس بأنهم مجهولو الهوية غير معروفين عند الأطراف الأخرىن قلل عندهم حس المسؤولية فيما يكتبون أو ينقلون أو يعلقون، فلا يدققون فيما يقولون أو ينقلون، ولا يتخيرون ما يكتبون. والإنترنت كما هو معروف ـ فيه معلومات وأرقام وأخبار كثير منها مزور أو غير دقيق، وفيه شائعات وأخبار كثيرة جدا لا أصل لها، فينبغي الحذر من النقل قبل التأكد؛ لأن ذلك فيه مفاسد كثيرة وتشويه لعقول الناس وقلوبهم ومعلوماتهم.

احذر السرقة العلمية
وهو نقل كلام الغير على أنه كلامك، وعمل الغير على أنه عملك، وهذا من سرقة لجهد الآخرين، والأصل أن ينسب العلم إلى أهله، ويضاف القول إلى قائله، فيمتدح من يستحق المدح ويدعى لصاحب الفضل، وقد قال الأولون: "إن من بركة العلم نسبته إلى قائله أو إلى أهله"، ولن يضير الإنسان أن يفعل ذلك فيشكر على حسن الاختيار ويفوز بصفة الأمانة والصدق، ويكتب الله له القبول والأجر.

الارتقاء بلغة الخطاب وقبول المخالف:
كثير مما يطرح في المنتديات هو عبارة عن وجهات نظر وآراء شخصية ـ كما يقول الدكتور عبدالكريم بكار ـ ومن هنا فإن من الطبيعي أن نختلف حوله ونحن مطالبون تجاه المختلف فيه بأمرين:
الأول: عدم اللجوء إلى الاتهام وتجريم النيات، فالله وحده هو الذي يعلم السرائر ودوافع الناس، ولكن لنناقش الفكرة ولنوضح عيوبها والمآخذ عليها، دون تعرض للأمور الشخصية أو اتهام للنوايا.

الأمر الثاني: هو الارتقاء بلغة الخطاب، ومن المؤسف أن كثيراً من الناس يستخدمون أساليب مقززة وألفاظا مقذعة وخادشة ويتمادون في السب والشتم فيؤذون بذلك أنفسهم وإخوانهم ويجرحون الذوق العام.. ونذكرهم جميعا بأن الله مطلع على سرائرهم، عالم بما يسرون وما يعلنون، وهو مجازيهم عليه، فليتقوا الله وليربعوا على أنفسهم.

احذر خطوات الشيطان:
أمر ملاحظ عند الكثيرين من أهل الخير وأصحاب الفضل وهو التساهل ـ مع مرور الوقت ـ في النظر إلى صور المتبرجات والمحرمات وسماع الموسيقى والمعازف المصاحبة لبعض المقاطع، والتساهل في إرسال رسائل تحوي ذلك بدعوى أن فيها منافع، ومثله التساهل في التواصل مع النساء والفتيات ومحادثتهن تحت أي مسمى، وهذا التساهل إنما يأتي مع مرور الوقت، وهو من تزيين الشيطان وخطواته في استدراج أهل الصلاح وأهل الخير وغيرهم، فيتعود الإنسان على رؤية أشياء كان يتورع عنها من قبل، ويتساهل في أمور كان يعدها من المحرمات، ومع الأيام يرتفع من القلب إنكارها وبغضها وتصبح عادية جدا.. وقد قال تعالى محذرا عباده: {يأيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر}، وقال: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}(فاطر:6).

وصية شعرية
ومن لطيف ما نظم في هذا الباب قول بعضهم:
ﻳَﺎ ﺩَﺍﺧِﻞّ (ﺍﻟﻨﺖ) ﺧُﺬ ﺧﻤساً ﻣﻦ ﺍلدُﺭرِ ... ﺗﺤﻤﻴﻚ ﺗﻨﺠﻴﻚ ﻣﻦ ﺩﻭﺍﻣﺔ ﺍلخطرِ
ﺭﺍﻗﺐ ﺇﻟﻬﻚ ﻻ ﺗﻬﺘﻚ ﻣﺤــﺎﺭمَــﻪ ... ﻭﺍﺣـﻔﻆ ﻗُـﻠﻴﻤﻚ ﻭﺍﺣﻔـﻆ ﻧﻌﻤﺔ ﺍلبصــرِ
ﺧَﻞِّ ﺍﻟﻔﻀﻮﻝ ولا تركب مراكبه ... ﺇنَّ ﺍﻟـﻔﻀﻮﻝ ﺑﺮﻳـﺪُ ﺍﻟـﻀﺮ ﻭ ﺍﻟﻀــﺮرِ
ﻭاﺣﺬﺭ ﺗُﺼَﺎﺩِﻕ ﻣﻦ ﺗﺸﻘﻰ بصفحَته ... ﻻ ﺗﻔﻌـلنَّ.. ﻭﻫــﺬﻱ ﺭﺍﺑــﻊ ﺍﻟـــﺪﺭرِ
ﺃﻣـﺎ ﺍﻟـحـوﺍﺩﺙ ﻭﺍﻷﺧﺒﺎﺭ فاحذَﺭﻫﺎ ... ﻻ ﺗﻨﺸﺮنَّ ﺳـﻮﻯ ﻣﺎ صح من ﺧــﺒﺮ
ﺧﻤﺲ ﻣﻦ ﺍلدﺭ ﻗﺪ جَاﺀﺕ ﻋﻠﻰ عجَل ... ﻓﺎﻋﻤــﻞ ﺑﺬﻟﻚ ﺗﺠﻨﻲ طـيّب ﺍلثـمـرِ

وفي النهاية نقول لكل متصفح للنت ومستعمل لوسائل تواصله ما قاله ابن المعتز رحمه الله:
خــل الذنــوب صغيـــرها وكبيرهــا ذاك الــتـقى
واصنع كماش فوق أرض الشوك يحـذر ما يرى
لا تحقـــرن صغــيرةً إن الجبـالَ من الحــصـــى

نسأل الله أن يحفظنا جميعا بحفظه، وأن ينفع بنا عباده، وأن يستخدمنا في طاعته.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة