الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لفظ (سحر) في القرآن الكريم

لفظ (سحر) في القرآن الكريم

لفظ (سحر) في القرآن الكريم

جاء في معجم "مقاييس اللغة" أن (السين) و(الحاء) و(الراء) تدل على ثلاثة أصول متباينة: أحدها: عضو من الأعضاء، والآخر: خَدْعٌ وَشِبْهُهُ، والثالث: وقت من الأوقات. فالعضو السَّحْر، وهو ما لصق بالحلقوم والمريء من أعلى البطن؛ ويقال منه للجبان: انتفخ سَحْرُه. ويقال له: السُّحْرُ، وَالسَّحْرُ، وَالسَّحَرُ. الثاني: السِّحْر: هو إخراج الباطل في صورة الحق. وأما الوقت فالسَّحَرُ، وَالسُّحْرَةُ، وهو قبل الصبح. وجمع السَّحَرِ أسحار. ويقولون: أتيتك سَحَرَ، إذا كان ليوم بعينه، فإن أراد بكرة وسَحَراً من الأسحار قال: أتيتك سَحَراً.

ومادة (سحر) بمشتقاتها وردت في القرآن الكريم في ثلاثة وستين موضعاً، وردت في ثلاثة مواضع بصيغة الفعل، منها قوله سبحانه: {فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم} (الأعراف:259) وجاءت هذه المادة بصيغة الاسم في ستين موضعاً، من ذلك قوله تعالى: {قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله} (يونس:81). وأول ورود لهذه المادة في القرآن الكريم جاء في قوله تعالى: {ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر} (البقرة:102).

ومادة (سحر) بمشتقاتها جاءت في القرآن الكريم على عدة معان، هي وفق التالي:

* سحر بمعنى (السحر المعروف الذي يأخذ بالعين والقلب) جاء بحسب هذا المعنى قوله تعالى: {ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر} (البقرة:102) أي: يعلمون الناس عمل السحر؛ ليفتنوا به العامة، ويضلونهم عن طلب الأشياء من أسبابها الظاهرة ومناهجها المشروعة. ونحوه قوله عز وجل: {فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم} (الأعراف:116) أي: استرهبوا الناس بما سحروا في أعينهم، حتى خافوا من العصي والحبال، ظناً منهم أنها حيات. ومنه أيضاً قوله سبحانه: {وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر} (القمر:2) أي: سحر ذاهب، من قولهم: قد مرَّ هذا السحر إذا ذهب.

* سحر بمعنى (آخر الليل ومقدمة الصبح) جاء وفق هذا المعنى قوله عز وجل في حق قوم لوط: {إنا أرسلنا عليهم حاصبا إلا آل لوط نجيناهم بسحر} (القمر:34) أي: أنجينا آل لوط الذين صدقوه واتبعوه على دينه من العذاب الذي عذبنا به قومه الذين كذبوه بسحر، و(السَّحَر) هو ما بين آخر الليل وطلوع الفجر، وهو في كلام العرب اختلاط سواد الليل ببياض أول النهار؛ لأن في هذا الوقت يكون مخاييل الليل ومخاييل النهار. ونحوه قوله تعالى: {والمستغفرين بالأسحار} (آل عمران:17). ومثله قوله تعالى: {وبالأسحار هم يستغفرون} (الذاريات:18) و(الأسحار) جمع (سَحَر) قال ابن زيد: السَّحَر: هو السدس الأخير من الليل.

* سحر بمعنى (المسحور، المجنون) جاء بحسب هذا المعنى قوله سبحانه: {إن تتبعون إلا رجلا مسحورا} (الإسراء:47) أي: مطبوباً قد خبله السحر، فاختلط عليه أمره، يقولون ذلك لينفروا عنه الناس. ومثله قوله عز وجل: {وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا} (الفرقان:8).

* سحر بمعنى (تعاطي السحر) جاء بحسب هذا المعنى قوله عز وجل: {فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحورا} (الإسراء:101) قال فرعون لموسى: إني لأظنك يا موسى تتعاطى علم السحر، فهذه العجائب التي تفعلها من سحرك، وقد يجوز أن يكون مراداً به: إني لأظنك يا موسى ساحراً، فوضع مفعول موضع فاعل، قال الطبري: "والعرب قد تُخْرِج فاعلاً بلفظ مفعول كثيراً".

* سحر بمعنى (الصرف عن الحق) جاء بحسب هذا المعنى قوله عز من قائل: {سيقولون لله قل فأنى تسحرون} (المؤمنون:89) المعنى: فمن أي وجه يخيل إليكم الكذب حقاً، والفاسد صحيحاً، فتُصرفون عن الإقرار بالحق الذي يدعوكم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قوله: {فأنى تسحرون} يقول: تكذبون. وقال القرطبي في معنى الآية: فكيف تخدعون وتُصرفون عن طاعته وتوحيده.

* سحر بمعنى (الحاجة إلى الطعام والشراب) جاء بحسب هذا المعنى قوله تعالى: {قالوا إنما أنت من المسحرين} (الشعراء:153) معناه: إنما أنت من المخلوقين الذين يعللون بالطعام والشراب مثلنا، ولست رباً ولا ملكاً فنطيعك، ونعلم أنك صادق فيما تقول. روي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {إنما أنت من المسحرين} قال: من المخلوقين، أي تحتاج ما يحتاجه المخلوقون.

* سحر بمعنى (العالِم) جاء بحسب هذا المعنى قوله عز وجل: {وقالوا يا أيه الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون} (الزخرف:49) قال الطبري: فإن قيل: كيف سموه ساحراً، وهم يسألونه أن يدعو لهم ربه ليكشف عنهم العذاب؟ قيل: إن الساحر كان عندهم معناه: العالِم، ولم يكن السحر عندهم ذمًّا، وإنما دعوه بهذا الاسم؛ لأن معناه عندهم كان: يا أيها العالمِ. وليس في القرآن غير هذا الموضع جاء وفق هذا المعنى.

* سحر بمعنى (الزور والكذب) جاء بحسب هذا المعنى قوله عز وجل: {سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم} (الأعراف:116) أي: جاؤوا بكذب عظيم وزور وخداع كبير.

وحاصل القول: إن مادة (سحر) بمشتقاتها أكثر ما وردت في القرآن الكريم بمعنى السحر المعروف، الذي يأخذ بالعين والقلب، وبدرجة تالية بمعنى وقت السَّحَر، وهو آخر الليل، ووردت بنحو أقل بمعنى الجنون، والصرف عن الحق، والكذب والزور، وفعل السحر وتعاطيه، والحاجة إلى الطعام والشراب، وبمعنى العالِم.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة