الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

العفو والتغافل عن الناس

العفو والتغافل عن الناس

العفو والتغافل عن الناس

أعظم ما يتميز به المسلم في دنياه بعد أداء ما افترض الله عليه من العبادات، تخلقه بأخلاق الإسلام، ومن اتصف بها كان من أقرب الناس وأحبهم إلى الله ورسوله، ويبلغ المرء بحسن خلقه درجة الصائم القائم، كما أنَّ أثقل شيء في الميزان حسن الخلق، وكلُّ ذلك جاءت به الأخبار عن المصطفى صلى الله عليه وسلم، ومن هذه الأخلاق ، خلق العفو والتغافل.

عن أنس رضي الله عنه قال :( كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي، فجبذه بردائه جبذة شديدة، فنظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه، فضحك ثم أمر له بعطاء). متفق عليه.
البرد نوع من الثياب معروف ـ نجراني نسبة إلى نجران بلدة من اليمن.
تضمن هذا الحديث موقفا عظيما للنبي صلى الله عليه وسلم في إبراز كمال خلُقه صلى الله عليه وسلم في حلمه وصبره على جفاء صدر من هذا الأعرابي، بل عفوه عنه والتغافل عن فعله بضحكه صلى الله عليه وسلم مع ما أصابه عند هذه الجبذة الشديدة التي انشق البرد لها، وتأثر عنقه بسببها، ثم بعد ذلك يأمر له بعطاء، نظير هذا صبره وحلمه يوم أحد حيث كُسِرت رباعيته ،وشُجَّ في وجهه ، وصُرع على جنبه، وهو في هذا الحال يقول: ( اللهم اغفز لقومي فإنهم لا يعلمون ) رواه البخاري في الادب المفرد
ومن مواقف النبي صلى الله عليه وسلم في العفو والتغافل عند المقدرة ما برز يوم فتح مكة، حينما دخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم منتصرًا، وجلس في المسجد والناس حوله والعيون شاخصة إليه ينتظرون ما هو فاعل اليوم بمشركي قريش الذين آذَوْه وأخرجوه من بلده وقاتلوه، فأظهر مكارم أخلاقه، وعاملهم بعفوه؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: ( اذهبوا فأنتم الطُّلَقاء) رواه البيهقي في السنن الكبرى.
فوائد وثمرات العفو والتغافل :
ـ الحصول على الأجر فمن عفا وأصلح فأجره على الله. قال تعالى: ( وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على اللَّه ) (الشورى:40)
ـ تحقيق محبة الله ، فالتسامح والعفو والتغافل من الإحسان والله يحب المحسنين.

ـ تحقيق الهدوء النفسي، والاستقرار الداخلي؛ لسلامة القلب. وهذا صفوة الخلق يُذم ولا يبالي ويتغافل فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن المشركين كانوا يسبون النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ( ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم يشتمون مذمما ويلعنون مذمما وأنا محمد) رواه البخاري

وفي ذلك يقول القائل:

لقد أمر على السفيه يسبني فمضيتُ ثُمَّتَ قلتُ لا يعنيني

ـ تحقيق العافية قال الإمام أحمد : إن العافية تسعة أعشار كلها في التغافل.

ـ يزيد في الألفة والمحبة والترابط، قال الأعمش رحمه الله تعالى: التغافل يطفئ شراً كثيراً، وقال أكثم بن صيفي: من تشدّد فرّق، ومن تراخى تألف، والسرور في التغافل.
وصدق من قال :
إذَا كُنْتَ فِي كُلِّ الأُمُورِ مُعَاتِبًا خَلِيلَكَ لَمْ تَلْقَ الذي لا تُعَاتِبُهْ
ـ تحقيق الهيبة لأن من حاسب على كل شيء هانت نفسه وتجرأ عليه الأراذل . قال ابن الجوزي رحمه الله: ما يزال التغافل عن الزلات من أعظم شيم الكرام فإن الناس مجبولون على الزلات والأخطاء فإن اهتم المرء بكل زلة وخطيئة تعب واتعب.
وأُغمِضُ عَينِي عن أمورٍ كَثيرةٍ وإنِّي عَلَى تَرْكِ الغُمُوضِ قَدِيرُ
ـ التغافل عن الزلات من المروءة، قال عمرو المكي رحمه الله : من المروءة التغافل عن زلل الإخوان
كيفية تحقيق خلق العفو والتغافل ؟:

للوصول إلى تحقيق التسامح بين المسلمين خصوصا والناس عموما ينبغي مراعاة الأمور التالية :
ـ السعي لإيجاد قلب سليم وطاهر من كل الأمراض التي تنغص على الانسان حياته و حياة غيره، كالحسد والحقد وغيره .وفي الحديث عن عبد الله بن عمرو قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أي الناس أفضل؟ قال: كل مخموم القلب، صدوق اللسان قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: هو التقي النقي، لا إثم فيه ولا بغي، ولا غل، ولا حسد) رواه ابن ماجه
ـ أن يدرك المرء أن الخطأ والزلل لا يسلم منه أحد، وهذا مما قدره الله على بني آدم . وفي الحديث : (كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) رواه الترمذي .
ـ طمع الإنسان في عفو الله ومسامحته ونيل رضوانه، إذ الجزاء من جنس العمل، فمن ستر مسلما ستره الله، ومن عفى عن مؤمن عفا الله عنه.
ـ استحضار فضل العفو والتسامح، وأنه مما أمر الله تعالى به نبيه. قال تعالى: (خذ الْعفو وَأْمر بِالْعُرف وَأَعرض عن الْجاهلين ) ( الأعراف: 199).
ـ الحرص على التأسي والاقتداء بالمصطفى صلى الله عليه وسلم صاحب الخلق العظيم، الذي اتصف بجميع الخصال الحميدة والصفات الحسنة وهو القدوة . كما في قوله تعالى: (لقد كان لكم في رسول اللَّهِ أسْوة حسنة لمَن كان يرجو اللَّهَ والْيوم الْآخر وَذكر اللَّهَ كَثيرا ) (الأحزاب: 21)
ـ تعويد النفس على حسن التعامل مع الناس، ومنها العفو، والصفح عنهم، و التغافل عما يصدر عنهم من أخطاء .
وهكذا يكون العفو والتغافل من أعظم مكارم الأخلاق التي اتصف بها النبي صلى الله عليه وسلم في حياته ودعوته إلى الله، والتأسي به صلى الله عليه وسلم في جميع أخلاقه أمر في غاية الأهمية حتى يسود الإخاء والمحبة بين المسلمين .

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة