الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

واجب المؤمنين تجاه الملائكة

واجب المؤمنين تجاه الملائكة

واجب المؤمنين تجاه الملائكة

مما هو معلوم من أدلة الشرع المطهر أن الملائكة يستغفرون للذين آمنوا ويحضرون مجالس الذكر، ويحفون بمجالس العلم وتلاوة القرآن الكريم ومدارسته، ويتعاقبون فينا بالليل والنهار، وهم يبلغون النبي صلى الله عليه وسلم عن أمته السلام، وهم يبشرون المؤمنين، بشروا إبراهيم عليه السلام أنه سيرزق بذرية صالحة من ولد وحفيد، وبشروا زكريا عليه السلام وهو قائم يصلي، إذ نادته الملائكة: {أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى}(آل عمران:39). وبشروا المسلم الذي زار أخاً له في الله بأن الله يحبه، وبشروا خديجة رضي الله عنها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب، كما لم تؤذ زوجها، وحافظت عليه فكوفئت بذلك البيت العظيم، وأروا النبي صلى الله عليه وسلم في المنام عائشة رضي الله عنها في سرقة من حرير، فوقع كما رأى في الرؤيا الصادقة.

ويقاتلون مع المؤمنين، ويثبتونهم في حروبهم: {فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ..}(الأنفال:12). وتشهد جنائز الأموات الصالحين، كما شهد سبعون ألفاً من الملائكة جنازة سعد بن معاذ رضي الله تعالى عنه، وأظلوا والد جابر وهو الشهيد بأجنحتهم... إلى غير ذلك مما ورد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإذا كان الأمر كذلك فإن الواجب على المؤمن أن يؤمن بهم تمام الإيمان، وأن يرعى حق صحبتهم، وحفظهم له، وتعاقبهم عليه، ومراقبتهم له.

وإذا أردنا مزيدا من التفصيل فيما يجب علينا تجاه الملائكة فإن من أهم هذه الواجبات:
أولا: الإيمان بهم
فالإيمان بالملائكة ركن من أركان الإيمان التي لا يصح إيمان العبد إلا بها، كما في حديث جبريل حين سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان، فعد منها الإيمان بالملائكة.
وهذا الإيمان يتضمن الإيمان بوجودهم وصفاتهم وأعمالهم التي وردت في شرعنا المطهر، كما نؤمن على التفصيل بمن صح به الدليل ممن سماه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ كجبريل الموكل بالوحي، وميكائيل الموكل بالمطر، وإسرافيل الموكل بالنفخ في الصور، وملك الموت الموكل بقبض الأرواح، ومالك خازن النار.

ثانيا: محبتهم وموالاتهم جميعا
إن المسلم يحب جميع الملائكة، فلا يفرق في ذلك بين ملك وملك؛ لأنهم جميعًا عباد الله عاملون بأمره، تاركون لنهيه، وهم في هذا وحدة واحدة، لا يختلفون ولا يفترقون. وقد زعم اليهود أن لهم أولياء وأعداء من الملائكة، فزعموا أن جبريل عدو لهم، وميكائيل ولي لهم، فأكذبهم الله تعالى في دعواهم، وأخبر أن الملائكة لا يختلفون فيما بينهم: {قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ . مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ} (البقرة: 97-98). فمن عادى واحدًا منهم، فقد عادى الله وجميع الملائكة.

إن الملائكة تحب عباد الله الصالحين، كما ورد في الحديث: [إذا أحب الله العبد نادى جبريلَ: إن الله يحب فلانا فأحببه، فيحبه جبريل، فينادي في أهل السماء: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض].(البخاري).
فحري بالمؤمن أن يمتلئ قلبه محبة للملائكة الذين هم: {عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ . لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ}(الأنبياء:26-27).

ثالثا: عدم سبهم أو انتقاصهم أو الاستهزاء بأحد منهم
فقد شدَّد العلماء النكير على من يسبُّ الملائكة أو يتكلم عنهم بكلام يعيبهم أو ينتقصهم، ونقل السيوطي عن القرافي المالكي قوله: "اعلم أنه يجب على كل مكلف تعظيم الأنبياء بأسرهم، وكذلك الملائكة، ومن نال من أعراضهم شيئاً فقد كفر، سواء كان بالتعريض أو بالتصريح، فمن قال في رجل يراه شديد البطش: هذا أقسى قلباً من مالك خازن النار، وقال في رجل رآه مشوه الخلق: هذا أوحش من منكر ونكير، فهو كافر، إذا قال ذلك في معرض النقص بالوحاشة، والقساوة".

وقد ذهب بعضهم إلى قتل من سب الملائكة؛ كما نقل ذلك السيوطي رحمه الله حيث قال: "قال القاضي عياض في الشفا: قال سحنون: من شتم ملكاً من الملائكة فعليه القتل، وقال أبوالحسن القابسي في الذي قال لآخر: كأنه وجه مالك الغضبان: لو عرف أنه قصد ذم الملك قتل.
قال القاضي عياض: وهذا فيمن تكلم فيهم بما قلناه على جملة الملائكة، أو على معين ممن حققنا كونه من الملائكة، ممن نص الله عليه في كتابه، أو حققنا علمه بالخبر المتواتر، والمشتهر المتفق عليه بالإجماع القاطع، كجبريل، وميكائيل، ومالك، وخزنة الجنة وجهنم، والزبانية، وحملة العرش،...وإسرافيل، ورضوان، والحفظة، ومنكر ونكير.
فأما من لم تثبت الأخبار بتعيينه، ولا وقع الإجماع على كونه من الملائكة كهاروت وماروت، فليس الحكم فيهم كالحكم فيمن قدمناه؛ إذ لم تثبت لهم تلك الحرمة".

رابعا: عدم أذيتهم
ومن أعظم ما يؤذي الملائكة عليهم السلام الشرك والكفر والذنوب والمعاصي، فحري بالعبد أن يبتعد عن هذه الأشياء. وقد ورد أن الملائكة لا تدخل الأماكن والبيوت التي يعصى فيها الله تعالى، أو التي يوجد فها ما يكرهه الله ويبغضه، كالأنصاب والتماثيل والصور، ولا تقرب من تلبس بمعصية كالسكران.

كما ثبت في الأحاديث الصحيحة أن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم، فهم يتأذون من الرائحة الكريهة، والأقذار والأوساخ .
روى مسلم عن جابر بن عبد الله عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: [من أكل الثوم والبصل والكراث، فلا يقربنّ مسجدنا؛ فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم].
وقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالذي جاء إلى المسجد – ورائحة الثوم أو البصل تنبعث منه – أن يخرج إلى البقيع.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة