الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أجَعَلْتني لِلَّهِ نِدّا؟!

أجَعَلْتني لِلَّهِ نِدّا؟!

أجَعَلْتني لِلَّهِ نِدّا؟!

عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: (جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فراجعه في بعضِ الكلام، فقال: ما شاء اللهُ وشئتَ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: أجعلتني لله نداً؟ ما شاء الله وحده) رواه أحمد وصححه الألباني. وفي رواية لابن ماجه وحسنها الألباني: (فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: أجعَلْتني مع الله عِدلًا (شبيهاً ومساوياً)، لا، بل ما شاءَ اللهُ وحده). قوله: (أجعلتني لله نداً؟!). الاستفهام للإنكار، وقد ضمن معنى التعجب، ومن جعل للخالق نداً، فقد أتى شيئاً عُجاباً. والنِّد: هو النظير والمساوي، والمعنى: أجعلتني شبيهاً لله، ومثيلاً لله، وشريكاً له في المشيئة، ثم أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يستبدل هذه اللفظة بلفظة التّوحيد فيقول: ما شاء الله وحده.

قال ابن القيم: "ومن الشرك به سبحانه: الشرك به في اللفظ، كالحلف بغيره.. ومن ذلك قول القائل للمخلوق: ما شاء الله وشئت، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال له رجل: (ما شاء الله وشئت، فقال: أجعلتني لله ندا؟ قل ما شاء الله وحده). هذا مع أن الله قد أثبت للعبد مشيئة، كقوله: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ}(التَّكْوِير:28)، فكيف بمن يقول: أنا متوكل على الله وعليك، وأنا في حسب الله وحسبك، وما لي إلا الله وأنت، وهذا من الله ومنك، وهذا من بركات الله وبركاتك، والله لي في السماء وأنت في الأرض. أو يقول: والله، وحياة فلان، أو يقول نذرا لله ولفلان، وأنا تائب لله ولفلان، أو أرجو الله وفلانا، ونحو ذلك. فوازن بين هذه الألفاظ وبين قول القائل: ما شاء الله وشئت. ثم انظر أيهما أفحش، يتبين لك أن قائلها أولى بجواب النبي صلى الله عليه وسلم لقائل تلك الكلمة، وأنه إذا كان قد جعله (أي: جعل النبي) ندا لله بها، فهذا قد جعل من لا يداني رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من الأشياء ـ بل لعله أن يكون من أعدائه ـ نِدَّاً لرب العالمين".
وقال الشيخ ابن عثيمين في "شرح رياض الصالحين": "قال المؤلف (النووي) رحمه الله في كتابه رياض الصالحين: باب: "كراهة قول الإنسان ما شاء الله وشاء فلان" والكراهة هنا يراد بها التحريم، يعني أنك إذا تقول: "ما شاء الله وشاء فلان" أو "ما شاء الله وشئت" أو ما أشبه ذلك، وذلك أن الواو تقتضي التسوية، إذا قلت "ما شاء الله وشاء فلان" كأنك جعلت فلانا مساويا لله عز وجل في المشيئة، والله تعالى وحده له المشيئة التامة يفعل ما يشاء".

ما شاء الله، ثم شاء فلان:

عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا: ما شاء الله، ثم شاء فلان) رواه أبو داود وصححه الألباني. قال الطيبي:" لما كان الواو حرف الجمع والتشريك، منع من عطف إحدى الشيئين على الأخرى، وأمر بتقديم مشيئة الله وتأخير مشيئة من سواه بحرف (ثم) الذي هو للتراخي". وقال الهروي: "لِمَا فيه من التسوية بين الله وبين عباده، لأن الواو للجمع والاشتراك (ولكن قولوا: ما شاء الله) أي: كان، (ثم شاء فلان) أي: ثم بعد مشيئة الله شاء فلان، لأن ثم للتراخي".
وقال الشيخ ابن عثيمين: "ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لما نهى عن ذلك أرشد إلى قول مباح فقال: ولكن قولوا (ما شاء الله ثم شاء فلان)، لأن ثم تقتضي الترتيب بمهلة، يعني أن مشيئة الله فوق مشيئة فلان.. وفي هذا الحديث دليل على أن الإنسان إذا ذكر للناس شيئاً لا يجوز، فلْيُبَيِّن لهم ما هو جائز، لأنه قال: (لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان)، وهكذا ينبغي لمعلم الناس إذا ذكر لهم الأبواب الممنوعة، فليفتح لهم الأبواب الجائزة حتى يخرج الناس من هذا إلى هذا".

الشّرك بالله عز وجل أخطرَ الأمور، وقد نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن أيِّ قول أو فعل أو مَظْهرٍ يُؤَدِّي إليه، ونهى أصحابه عن المبالغة في تعْظيمه حتى لا يَسْتدرِجَهم الشَّيْطان فيَقَعوا في الشرك بالله، وذلك حماية منه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ للتوحيد، ونصحًا للأُمَّة، وشفقة عليها.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة