الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

صور من اهتمام المسلمين بالطب

صور من اهتمام المسلمين بالطب

صور من اهتمام المسلمين بالطب

بينما كانت الكنيسة الغربية تحرم صناعة الطب في أوروبا كون المرض عقابًا من الله لا ينبغي للإنسان أن يصرفه عمن يستحقه، وهو الاعتقاد الذي ظل سائدًا في الغرب حتى القرن الثاني عشر، كان المسلمون على موعد آخر مع تطوير الطب، فمع بداية القرن التاسع الميلادي بدأوا في تطوير نظام طبي يعتمد على التحليل العلمي.
ومع مرور الوقت استقر في يقين الناس أهمية العلوم الصحية، الأمر الذي دفع الأطباء الأوائل للاجتهاد من أجل البحث عن سبل العلاج، فخرج من بين المسلمين علماء كبار أثروا علوم الطب في العالم على رأسهم أبو بكر الرازي وابن سينا، حيث ظلت كتبهم تدرّس في المدارس الطبية الإسلامية ومن بعدها الأوروبية لفترات طويلة.

كانت البيمارستانات أحد إفرازات الوعي المبكر بالطب والخدمات الصحية في البلدان الإسلامية، وتحولت من مجرد مستشفيات لعلاج المرضى إلى جامعات ومراكز لتعلم فنون الطب بشتى مشتقاته، ورغم ما حل بها من إهمال، فإنها بقت قلاعًا شامخةً يشار لها بالبنان في عناية عصور الإسلام الأولى بالطب والعلاج والعلوم بأنواعها.
وانتشار مثل هذه الكيانات الطبية في الدول العربية مثل مصر والشام يفند بشكل كبير الصورة الذهنية التي عكستها الأعمال الدرامية والسينمائية عن دولة المماليك (1250 - 1517)، كونها دولة قائمة على الحروب والمنازعات وفقط، إذ يكشف التراث المعماري الهائل الذي خلفته هذه الدولة عن وجه آخر مغاير، وجه دولة اهتمت بالبحث العلمي والرعاية الصحية.
والبيمارستان بفتح الراء وسكون السين كلمة فارسية مركبة من كلمتين بيمار بمعنى مريض أو عليل أو مصاب وستان بمعنى مكان أو دار، ومن ثم تشير إلى الدار التي يتلقى فيها المرضى علاجهم، وكانت تحتوي على جميع أقسام الطب المختلفة والمعروفة حديثًا، من باطنة وجراحة ورمد بجانب الأمراض العقلية.

البيمارستان في صدر الإسلام
في كتابه " طبقات الأمم" قال القاضي صاعد بن أحمد الأندلسي: "العرب في صدر الإسلام لم تعن بشيء من العلوم إلا بلغتها ومعرفة أحكام شريعتها حاشا علوم الطب فإنها كانت موجودة عند أفراد منهم غير منكورة عند جماهيرهم لحاجة الناس طرًّا إليها"، وفي الموطأ عن زيد بن أسلم: أن رجلا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابه جرح فاحتقن الجرح بالدم وأن الرجل دعا رجلين من بني أنمار فنظر إليهما فزعما أن رسول الله قال: أيكما أطب فقالا: أو في الطب خير يا رسول الله؟ فزعم زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أنزل الدواء الذي أنزل الأدواء.
أول من بنى البيمارستان في الإسلام ودار المرضى، الوليد بن عبد الملك الخليفة الأموي في سنة 88هـ/706م
عرف العرب الطب والخدمات الصحية والعلاجية منذ بعثة النبي عليه السلام وقبلها، وكان بعضهم يخلط بين الرقية الشرعية والتطبيب، فيما تعلم البعض الآخر الطبّ في بلاد فارس أو في إحدى البلاد المجاورة لجزيرة العرب ثم رجع إلى موطنه ليمارس الطب ومن أشهرهم الحارث بن كلدة الثقفي تعلم الطب في جند يسابور بلدة من مقاطعة خوزستان أحد أقاليم فارس.

أما عن معرفة العرب قديمًا بالبيمارستان فتعود إلى غزوة الخندق، حين أصيب سعد بن معاذ برمية من أحد رجالات قريش، فضرب النبي خيمة في المسجد يعوده من قريب، وذلك في الحديث الذي رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها، وقال ابن إسحاق في السيرة: "كان رسول الله قد جعل سعد بن معاذ في خيمة لامرأة من أسلم يقال لها رُفيدة في مسجده، كانت تداوي الجرحى وتحتسب بنفسها على خدمة من كانت به ضبعة (جرح أو مرض) من المسلمين وقد كان رسول الله قد قال لقوم حين أصابه السهم بالخندق: اجعلوه في خيمة رُفيدة حتى أعوده من قريب. فيفهم من ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أول من أمر بالمستشفى الحربي المتنقل".
وفي روية أخرى يقول تقي الدين المقريزي: "أول من بنى البيمارستان في الإسلام ودار المرضى، الوليد بن عبد الملك الخليفة الأموي في سنة 88هـ/706م وجعل في البيمارستان الأطباء وأجرى لهم الأرزاق وأمر بحبس المجدمين لئلا يخرجوا وأجرى عليهم وعلى العميان الأرزاق".

ويتخذ البيمارستان شكلين: منها ما هو ثابت في جهة من الجهات لا ينتقل منها وهذا النوع من البيمارستانات كان كثير الوجود في كثير من البلدان الإسلامية لا سيما في العواصم الكبرى كالقاهرة وبغداد ودمشق، إلخ، ولا يزال أثر بعضها باقيًا على مر الدهور إلى الآن كالبيمارستان المنصوري قلاوون الآن بالقاهرة، والبيمارستان النوري الكبير بدمشق.

أما النوع الثاني فهو البيمارستان المحمول أو المتنقل، وهو الذي ينقل من مكان إلى مكان بحسب ظروف الأمراض والأوبئة وانتشارها وكذا الحروب، وكان معروفًا لدى خلفاء الإسلام وملوكهم وسلاطينهم وأطبائهم بل الراجح أن يكونوا هم أول من أنشأه، وهو عبارة عن مستشفى مجهز بجميع ما يلزم للمرضى والمداواة من أدوات وأدوية وأطعمة وأشربة وملابس وأطباء وصيادلة وكل ما يعين على ترفيه الحال على المرضى والعجزة والمزمنين والمسجونين ينقل من بلد إلى أخرى من البلدان الخالية من بيمارستانات ثابتة أو التي يظهر فيها وباء أو مرض معد.
___________________
باختصار في المقال

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة