الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

زهور ورياحين من كتاب أدب الدنيا والدين 3

زهور ورياحين من كتاب أدب الدنيا والدين 3

 زهور ورياحين من كتاب أدب الدنيا والدين 3

طلب العلم
قال عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -: ذللت طالبا فعززت مطلوبا. وقال بعض الحكماء: من لم يحتمل ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبدا. وقال بعض حكماء الفرس: إذا قعدت وأنت صغير حيث تحب، قعدت وأنت كبير حيث لا تحب.
وقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: لا يعرف فضل أهل العلم إلا أهل الفضل.
وقال بعض الشعراء:
إن المعلم والطبيب كلاهما ... لا ينصحان إذا هما لم يكرما
فاصبر لدائك إن أهنت طبيبه ... واصبر لجهلك إن جفوت معلما
وأنشدني بعض أهل الأدب لأبي بكر بن دريد:
لا تَحْقِرَنَّ عَالِمًا وَإِنْ خَلِقَتْ ... أَثْوَابُهُ فِي عُيُونِ رَامِقِهِ
وَانْظُرْ إلَيْهِ بِعَيْنِ ذِي أَدَبٍ ... مُهَذَّبِ الرَّأْيِ فِي طَرَائِقِهِ
فَالْمِسْكُ بَيِّنًا تَرَاهُ مُمْتَهَنًا ... بِفِهْرِ عَطَّارِهِ وَسَاحِقِهِ
حَتَّى تَرَاهُ فِي عَارِضَيْ مَلِكٍ ... وَمَوْضِعِ التَّاجِ مِنْ مَفَارِقِهِ

وقال صالح بن عبد القدوس:
وإن عناء أن تعلم جاهلا ... فيحسب أهلا أنه منك أعلم
متى يبلغ البنيان يوما تمامه ... إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم
متى ينتهي عن سيئ من أتى به ... إذا لم يكن منه عليه تندم

وقد قيل لابن عباس - رضي الله عنهما -: بم نلت هذا العلم؟ قال: بلسان سئول وقلب عقول.
وقد قالت العرب في أمثالها: العالم كالكعبة يأتيها البعداء، ويزهد فيها القرباء.
وأنشدني بعض شيوخنا لمسيح بن حاتم:
لا ترى عالما يحل بقوم ... فيحلوه غير دار الهوان
قل ما توجد السلامة ... والصحة مجموعتين في إنسان
فإذا حلتا مكانا سحيقا ... فهما في النفوس معشوقتان
هذه مكة المنيعة بيت الله ... يسعى لحجها الثقلان
ويرى أزهد البرية في الحج لها ... أهلها لقرب المكان

آداب العلماء
قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: تعلموا العلم وتعلموا للعلم السكينة والحلم وتواضعوا لمن تعلمون وليتواضع لكم من تعلمونه، ولا تكونوا من جبابرة العلماء فلا يقوم علمكم بجهلكم.
وقال بعض السلف: من تكبر بعلمه وترفع وضعه الله به، ومن تواضع بعلمه رفعه به.

وقال الشعبي: ما رأيت مثلي وما أشاء أن ألقى رجلا أعلم مني إلا لقيته.
لم يذكر الشعبي هذا القول تفضيلا لنفسه فيستقبح منه، وإنما ذكره تعظيما للعلم عن أن يحاط به. فينبغي لمن علم أن ينظر إلى نفسه بتقصير ما قصر فيه ليسلم من عجب ما أدرك منه.
وقد قيل في منثور الحكم: إذا علمت فلا تفكر في كثرة من دونك من الجهال، ولكن انظر إلى من فوقك من العلماء.

قال الشعبي: العلم ثلاثة أشبار فمن نال منه شبرا شمخ بأنفه وظن أنه ناله. ومن نال الشبر الثاني صغرت إليه نفسه وعلم أنه لم ينله، وأما الشبر الثالث فهيهات لا يناله أحد أبدا.
وقال بعض الحكماء: من العلم أن لا تتكلم فيما لا تعلم بكلام من يعلم فحسبك جهلا من عقلك أن تنطق بما لا تفهم.
قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: وما أبردها على القلب إذا سئل أحدكم فيما لا يعلم أن يقول الله أعلم، وإن العالم من عرف أن ما يعلم فيما لا يعلم قليل.

وقال عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -: إذا ترك العالم قول لا أدري أصيبت مقاتله.
وقال بعض العلماء: هلك من ترك لا أدري. وقال بعض الحكماء: ليس لي من فضيلة العلم إلا علمي بأني لست أعلم.

وروى عون بن عبد الله عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: منهومان لا يشبعان: طالب علم وطالب دنيا. أما طالب العلم فإنه يزداد للرحمن رضى، ثم قرأ {إنما يخشى الله من عباده العلماء} (فاطر: 28). وأما طالب الدنيا فإنه يزداد طغيانا ثم قرأ: {كلا إن الإنسان ليطغى . أن رآه استغنى} (العلق: 6-7).
قال أبو الدرداء: أخوف ما أخاف إذا وقفت بين يدي الله أن يقول: قد علمتَ فماذا عملت إذ علمت؟ وكان يقال: خير من القول فاعله، وخير من الصواب قائله، وخير من العلم حامله.
وقال بعض العلماء: ثمرة العلم أن يعمل به، وثمرة العمل أن يؤجر عليه. وقال بعض الصلحاء: العلم يهتف بالعمل، فإن أجابه أقام وإلا ارتحل.
وقال بعض العلماء: خير العلم ما نفع، وخير القول ما ردع.
وقال حاتم الطائي:
ولم يحمدوا من عالم غير عامل ... خلافا ولا من عامل غير عالم
رأوا طرقات المجد عوجا قطيعة ... وأفظع عجز عندهم عجز حازم
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي اللَّهُ عنهُ أَنَّهُ قَالَ: مَا أَخَذَ اللَّهُ الْعَهْدَ عَلَى أَهْلِ الْجَهْلِ أَنْ يَتَعَلَّمُوا، حَتَّى أَخَذَ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ الْعَهْدَ أَنْ يُعَلِّمُوا.
وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: إذَا كَانَ مِنْ قَوَاعِدِ الْحِكْمَةِ بَذْلُ مَا يَنْقُصُهُ الْبَذْلُ فَأَحْرَى أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوَاعِدِهَا بَذْلُ مَا يَزِيدُهُ الْبَذْلُ. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: كَمَا أَنَّ الِاسْتِفَادَةَ نَافِلَةٌ لِلْمُتَعَلِّمِ، كَذَلِكَ الْإِفَادَةُ فَرِيضَةٌ عَلَى الْمُعَلِّمِ.
وَقَدْ قِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ: مَنْ كَتَمَ عِلْمًا فَكَأَنَّهُ جَاهِلٌ. وَقَالَ خَالِدُ بْنُ صَفْوَانَ: إنِّي لَأَفْرَحُ بِإِفَادَتِي الْمُتَعَلِّمَ أَكْثَرَ مِنْ فَرَحِي بِاسْتِفَادَتِي مِنْ الْمُعَلِّمِ.
قَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ: اجْعَلْ تَعْلِيمَك دِرَاسَةً لِعِلْمِك، وَاجْعَلْ مُنَاظَرَةَ الْمُتَعَلِّمِ تَنْبِيهًا عَلَى مَا لَيْسَ عِنْدَك.
وَقَالَ ابْنُ الْمُعْتَزِّ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ: النَّارُ لَا يَنْقُصُهَا مَا أُخِذَ مِنْهَا، وَلَكِنْ يُخْمِدُهَا أَنْ لَا تَجِدَ حَطَبًا.

وحُكِيَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: تَعَلَّمْنَا الْعِلْمَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَأَبَى أَنْ يَكُونَ إلَّا لِلَّهِ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: طَلَبْنَا الْعِلْمَ لِلدُّنْيَا فَدَلَّنَا عَلَى تَرْكِ الدُّنْيَا.

وَأَنْشَدَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْأَدَبِ لِعَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -:
يَقُولُونَ لِي فِيك انْقِبَاضٌ وَإِنَّمَا ... رَأَوْا رَجُلًا عَنْ مَوْقِفِ الذُّلِّ أَحْجَمَا
أَرَى النَّاسَ مَنْ دَانَاهُمْ هَانَ عِنْدَهُمْ ... وَمَنْ أَكْرَمَتْهُ عِزَّةُ النَّفْسِ أُكْرِمَا
وَلَمْ أَقْضِ حَقَّ الْعِلْمِ إنْ كَانَ كُلَّمَا ... بَدَا طَمَعٌ صَيَّرْتُهُ لِي سُلَّمَا
وَمَا كُلُّ بَرْقٍ لَاحَ لِي يَسْتَفِزُّنِي ... وَلَا كُلُّ مَنْ لَاقَيْت أَرْضَاهُ مُنْعِمَا
إذَا قِيلَ هَذَا مَنْهَلٌ قُلْت قَدْ أَرَى ... وَلَكِنَّ نَفْسَ الْحُرِّ تَحْتَمِلُ الظَّمَا
أنزهُهَا عَنْ بَعْضِ مَا لَا يَشِينُهَا ... مَخَافَةَ أَقْوَالِ الْعِدَا فِيمَ أَوْ لِمَا
وَلَمْ أَبْتَذِلْ فِي خِدْمَةِ الْعِلْمِ مُهْجَتِي ... لِأَخْدُمَ مَنْ لَاقَيْت لَكِنْ لِأُخْدَمَا
أَأَشْقَى بِهِ غَرْسًا وَأَجْنِيهِ ذِلَّةً ... إذًا فَاتِّبَاعُ الْجَهْلِ قَدْ كَانَ أَحْزَمَا
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ صَانُوهُ صَانَهُمْ ... وَلَوْ عَظَّمُوهُ فِي النُّفُوسِ لَعُظِّمَا
وَلَكِنْ أَهَانُوهُ فَهَانَ وَدَنَّسُوا ... مُحَيَّاهُ بِالْأَطْمَاعِ حَتَّى تَجَهَّمَا

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة