الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

علم العقيدة والعلم بالعقيدة

علم العقيدة والعلم بالعقيدة

 علم العقيدة والعلم بالعقيدة

التفريق بين مصطلحي علم العقيدة والعلم بالعقيدة ذو أهمية كبرى، حمل جهل البعض بهما على الخلط بينهما مع ما بينهما من تباين، فعلم العقيدة علم واسع، يتناول موضوعات كثيرة، بخلاف العقيدة نفسها التي تدور محاورها أو موضوعاتها حول الجزم القلبي، وسنحاول في هذا المقال أن نجلي الفرق بين هذين المصطلحين ليكون كل منهما واضحًا في حده، وما يتناوله من موضوعات.

وقد عُرّف علم العقيدة بتعريفات كثيرة، اشترك في وضعها أصحاب المدارس العقدية المختلفة، وقبل أن ندلف لبيان بعض تلك التعريفات، وما دار حولها من كلام؛ لا بد من التنبيه على أمرين اثنين هما:
الأول: أن الفارق الأساس بين علم العقيدة والعلم بالعقيدة؛ أن العلم بالعقيدة هو إدراك ومعرفة مسائل العقيدة نفسها وموضوعاتها، كأركان الإيمان أو أحدها، أو الغيبيات وغيرها، وأما علم العقيدة هو الفن الذي يختص بدراسة مسائل العقيدة، من حيث مراحل العقيدة ومذاهبها، وتطورات هذا العلم، والمصنفات التي ألفت فيه، وأبرز أعلامه، وغير ذلك، فهو يهتم بدراسة قضايا أوسع من دراسة العقيدة نفسها. ومثل هذا التفريق يقال في دراسة علم النحو والعلم بالنحو مثلًا، فالأول يتناول دراسة تاريخ النحو، والمدارس النحوية، والمصنفات فيه، وأبرز أعلامه، وغير ذلك، وأما العلم بالنحو فهو يتناول دراسة موضوعات النحو، كالفعل والفاعل، والمنصوبات والتوابع، وغيرها.
الثاني: أن أكثر التعريفات التي وردت لعلم العقيدة وضعها أصحاب المدارس الكلامية، ولم يفرقوا خلال ذلك بين علم العقيدة وعلم الكلام، فكان ما يذكرونه فيهما سواء، إضافة إلى كونها تعريفات غير جامعة، ولذا وضعت على تلك التعريفات ملحوظات كثيرة، وبقي حال المصطلح بحاجة لتعريف أدق مما ورد، ويمكن عرض بعض تلك التعريفات وما أثير حولها من ملحوظات فيما يأتي.
ذكر التفتازاني بأن علم العقيدة: علم يقتدر به على إثبات العقائد الدينية من أدلتها الثابتة اليقينية. وهذا التعريف يذكره أيضًا أتباع المدرسة الكلامية، ومما أخذ عليه أنه يجعل اختصاص علم العقيدة إثباتَ العقائد فقط وهو غير صحيح، فعلم العقيدة يشتغل بإثبات العقيدة وبيان الأحكام المتعلقة بها وغير ذلك، إضافة إلى أن هذا التعريف يحصر إثبات العقيدة في الأدلة اليقينية، وهو غير دقيق، لأن علم العقيدة على مراتب منه ما هو من أصول الدين يثبت بالأدلة اليقينية، ومنه ما هو من فروعه يثبت بأقل من ذلك.
وذكر السفاريني بأن علم العقيدة هو: العلم بالعقائد الدينية عن الأدلة اليقينية. ومما أخذ على هذا التعريف أنه خلط بين علم العقيدة والعلم بالعقيدة، لأن العلم بالعقائد الدينية هو معرفة موضوعات العقيدة، وهو يختلف عن علم العقيدة وموضوعاته.
وذكر الجرجاني بأن علم العقيدة هو: علم يبحث فيه عن ذات الله تعالى وصفاته، وأحوال الممكنات، من المبدأ والمعاد على قانون الإسلام. وهذا تعريف قاصر لعلم العقيدة لأنه لم يذكر إلا بعض ما يدخل فيه.
وعرفه الطوفي بأنه: القواعد التي يتوصل بها إلى معرفة أحكام العقائد. ومما أخذ عليه أنه جعل علم العقيدة مجرد قواعد، وهو ليس كذلك بل فيه بيان لأحكام تفصيلية متعددة.
وعلى ذلك تم وضع صياغة تعريف جامع مانع لكل من مصطلحي علم العقيدة والعلم بالعقيدة، فقيل في تعريف مصطلح علم العقيدة بأنه: "الفن المختص بالبحث في الأحوال المتعلقة بمسائل بأصول الإيمان، وما يقترن بها، اعتمادًا على الأدلة الشرعية المعتبرة"، وهو تعريف روعي فيه ما كان عليه أئمة السلف، وما تقتضيه الأدلة الشرعية، وما كان من تطور تاريخي في علم العقيدة، فقوله بأنه "فن" أي: له أصوله ومنطلقاته ومحدداته في البحث والدراسة، وقوله "في الأحوال": يدخل فيه الرد على المخالفة من المبتدعة وبيان الأحكام المتعددة، وقوله "المتعلقة بمسائل أصول الإيمان": فيخرج بها علم الفقه وفروعه التفصيلية، وقوله "وما يقترن بها": يشمل ما توارد العلماء على ذكره في كتب العقائد من ذكر الموقف من الصحابة والإمامة وغيرها، وقوله "اعتمادًا على الأدلة الشرعية المعتبرة": معنى واسمع يشمل كل ما يصلح دليلًا شرعيًا، سواء كان عقليًا أم نقليًا، ظنيًا أم قطعيًا.
وأما العلم بالعقيدة فهو: "العلم بالأحوال المتعلقة بأصول الإيمان، وما يقترن بها، اعتمادًا على الأدلة الشرعية المعتبرة"، فهو يعني العلم بمعاني الإيمان بالله تعالى، ومعاني الإيمان باليوم الآخر، وغير ذلك من موضوعات العقيدة بعيدًا عن معرفة تاريخ العقيدة، ومراحل التأليف فيها، وأبرز مدارسها، ونحو ذلك، ولا يشترط في حق العالم العلمُ بكل مسائل العقيدة وموضوعاتها حتى يسمى عالمًا بها، بل يكفي في ذلك الأغلب، كما قال ابن عبد البر: "وقد يسمى العالم عالمًا وإن جهل أشياء، كما يسمى الجاهل جاهلًا وإن علم أشياء، وإنما يستحق هذه الأسماء بالأغلب".

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة

لا يوجد مواد ذات صلة