الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قواعد المنهج في التفسير الموضوعي

قواعد المنهج في التفسير الموضوعي

قواعد المنهج في التفسير الموضوعي

يستند التفسير الموضوعي إلى عدد من القواعد المنهجية التي تستدعي من المفسر الاهتداء بها والعمل على وفقها، وتتجلى تلك القواعد في الآتي:

أولاً: اختيار الموضوع

يُعدُّ اختيار الموضوع القرآني الذي سيكون موضوع نظر المفسر الموضوعي الخطوة الأولى في طريق التفسير الموضوعي. والناظر في مدونات التفسير الموضوعي يجد أن ثمة طريقتين مختلفتين في اختيار الموضوعات المفسَّرة، طريقة تعتمد النص القرآني أصلاً، تستمد منه الموضوعات وتفسرها من خلاله، وأصحاب هذه الطريقة متفقون على أن الأصل في اختيار (الموضوع) هو الرجوع إلى القرآن الكريم، والانطلاق منه. وطريقة أخرى ترى في الواقع مصدرَ الموضوعات التي ينبغي تفسيرها قرآنياً، فالمفسر الموضوعي وفق هذه الطريقة يبدأ عمله من الواقع المعيش لا من النص القرآني، فهو ينطلق من موضوع فكري أو اجتماعي معاصر، ويبحث عنه في القرآن.

وتدقيق النظر في هاتين الطريقتين يُظهر أن الشُّقَّة بينهما ليست كبيرة؛ إذ إنَّ اختيار موضوع ما من القرآن لا ينفك غالباً عن الظروف المحيطة بالمفسر أو باهتماماته الشخصية، ومع هذا لا بد من التنبيه إلى أن التفسير الموضوعي ينبغي أن لا يُقْصَر مجاله على القضايا الواقعية، ويهمل ما دون ذلك من قضايا تتعلق بأمور غيبية؛ ذلك أن المقصود الأول من التفسير الموضوعي هو فهم مراد الله عز وجل، فالقول إذن بالتمييز بين الموضوع الواقعي والموضوع القرآني لا محصلة له، فكل قضية واقعية هي شأن تعرض له القرآن بشكل أو بآخر، وكل موضوع قرآني هو بالضرورة ذو أثر واقعي.

ثانياً: الحصر والاستقراء

يُعرَّف الاستقراء بأنه: استخلاص القواعد الكلية من الأحكام الجزئية، فهو استدلال يسير من الخاص إلى العام، ومن الجزئي إلى الكلي، وهو على نوعين: تام يفيد اليقين والقطع؛ لأنه يقوم على استقراء وإحصاء كل جزئيات موضوع البحث. وناقص لا يفيد اليقين؛ لأنه يقوم على تفحص بعض الجزئيات فحسب. والمفسرون الموضوعيون متفقون على ضرورة جمع الآيات الخاصة بالموضوع المفسَّر جمعاً إحصائياً مستقصياً. فالمطلوب من المفسر الموضوعي القيام باستقراء تام لا يكتفي فيه ببعض الآيات المتصلة بالموضوع، بل يستقصي جميع الآيات المتصلة بالموضوع قيد البحث.

ثالثاً: ترتيب الآيات وتصنيفها

تقوم هذه الخطوة المنهجية على تنظيم الآيات وتصنيفها على نحو يعين على الاستنباط منها، والربط بينها، والخروج منها برؤية جامعة لمختلف قضاياها الجزئية. ويُعدُّ الترتيب التاريخي لآيات القرآن عنصراً أساساً في التفسير الموضوعي.

رابعاً: النظر في مناسبات الآيات وملابستها

جعل كثير من دارسي التفسير الموضوعي النظر في أسباب النزول وملابسات الآيات شرطاً منهجياً في التفسير الموضوعي؛ إذ إن الوقوف على الملابسات والأسباب التي أحاطت بالنص القرآني أضواء لا بد منها لكشف المعنى، وتحديد المراد من النص القرآني، يبين ابن دقيق العيد هذا المعنى بقوله: "بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني القرآن"، ويقول ابن تيمية: "معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية؛ فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبَّب".

وتتضح فائدة معرفة أسباب النزول للتفسير الموضوعي في جانبين: الأول: فهم تطور الأحكام الشرعية في عصر الرسالة، كمسألة الخمر وتحريمها. الثاني: الاستفادة منها في فهم حركة القرآن في الواقع وفعله فيه؛ ففي قضايا الحرب والجهاد والعهود سيكون من المفيد معرفة الظروف والملابسات التي أحاطت بنزولها، فقد تساعد على تكوين نظرة كلية للموضوع مناط البحث، وذلك بفهم علاقة الآيات ببعضها، وفي الإجابة عن التساؤلات المرتبطة بالموضوع.

خامساً: الدراسة الدلالية

المراد بـ (الدراسة الدلالية) دراسة المفردات القرآنية أو ما يسمى بالمصطلح القرآني، وجمهور العلماء على أنَّ التمكن في التفقه من الألفاظ والعبارات وسيلة إلى التفقه في المعاني. وبالنظر إلى أن التفسير الموضوعي قائم على النظر في المعنى الكلي للنص، فإن الدراسة الدلالية فيه محكومة بخدمة هذا المعنى.

وقد ظهرت العديد من الأفكار والنظريات حول دراسة مفردات القرآن وألفاظه، واتصلت هذه النظريات بطريقة ما بالتفسير الموضوعي، وبقضية الاستعمال القرآني الخاص للمفردات، أو ما يسمى بـ (المصطلح القرآني). والمعرفة الدلالية التي يكتسبها المفسر الموضوعي تساعده في ضبط المفاهيم الأساسية التي يدور حولها موضوعه.

سادساً: الدراسة النصية

الدراسة النصية نظرٌ مقارن كلي في الآيات التي تتناول القضية المفسَّرة، كونها المصدر الأساس الذي سيقيم عليها المفسر الرؤية الكلية أو النظرية العامة. ويأتي هنا دور السياق؛ إذ هو من أعظم القرائن الدالة على مراد المتكلم، فالمفسر مطالب بالنظر في أول الكلام وآخره بحسب القضية، فإن القضية وإن اشتملت على جمل متعددة، فبعضها متعلق ببعض؛ لأنها قضية واحدة نازلة في شيء واحد، فلا مناص عن ردِّ آخر الكلام إلى أوله، وأوله إلى آخره، ليحصل مقصود الشارع في فهم المكلف، فإن فرَّق النظر في أجزائه فلا يُتوصل إلى مراده. والسياق القرآني لا يقتصر على حدود الآية الواحدة أو السورة فحسب، بل يمتد ليشمل النص القرآني، وهذا ما يسمى بالسياق الكلي للقرآن. فالنظر في القرآن باعتباره وحدة سياقية ذات نظام لغوي محكم يتطلب تجاوز مستويات الجملة والآية والسورة، ليشمل السور جميعاً من البدء إلى الختام.

وأحد متطلبات التفسير الموضوعي المهمة هي تنظيم عناصر الموضوع وأطراف القضية وضمها إلى بعضها وفق نظام منطقي معقول، يمنح هذه القضية تماسكاً واتساقاً، قد تفقدهما إذا لم تراع هذه البنية المنطقية للموضوع، وطبيعة الموضوع المفسَّر هي التي تحدد الشكل المنطقي والبناء المنظم الذي يمكن أن يخرج فيه هذا الموضوع. والمقصود بطبيعة الموضوع الأسئلة التي يطرحها المفسر على القرآن حول قضية ما، هذه الأسئلة هي التي تحدد الرؤية والفهم التفسيري لهذه الآيات. وبقدر ما يكون مطلوب المفسر وموضوع تفسيره واضحاً في ذهنه بقدر ما يستطيع أن يقدم الموضوع القرآني في إطار منطقي متماسك ومقنع.

سابعاً: الواقع ومحله في التفسير الموضوعي

يلحظ الناظر في مصنفات التفسير الموضوعي منذ نشأتها وعلاقتها بالواقع اتجاهين اثنين: الأول: لا يلقي بالاً لما هو خارج إطار النص القرآني. الثاني: لا يرى معنى للتفسير الموضوعي إن لم يلتحم فيه القرآن مع الواقع والحياة؛ فلا ينبغي أن يبقى المفسر في إطار الألفاظ والنصوص فحسب، بل عليه أن يرتبط بتيار التجربة البشرية باعتبارها السبيل إلى بلوغ النظرية القرآنية بشأن أي موضوع من موضوعات الحياة، والاتجاه الأخير يرى في النظر إلى الواقع شرطاً أساساً سابقاً على التفسير الموضوعي، ومن ثَمَّ فإن فَهْم واقع المسلمين اليوم واحتياجاتهم ومشكلاتهم يُعدُّ أمراً لا بد منه في التفسير الموضوعي، وذلك من جهتين: إحداهما: أنه يمكِّن المفسر الموضوعي من تحديد الموضوعات الأساس التي يمكن أن يتوجه إليها. الثانية: أنه يمكِّن المفسر الموضوعي من الوعي بالمبادئ المنهجية التي ينبغي أن ينبني عليها عرض الموضوع.

وإذا كان الالتفات إلى الواقع والاهتداء بالقرآن في إصلاحه وتغييره لازماً في التفسير الترتيبي، فإن ذلك ألزم وأكثر ضرورة في التفسير الموضوعي بسبب هذه الكلية والنظرة الشمولية.

ومما يتصل بفقه الواقع أيضاً الإحاطة بالتجربة الفكرية الإنسانية في الموضوع الذي يتصدَّى المفسر الموضوعي لاستجلاء الموقف القرآني منه. ولكن ينبغي عليه أن يكون واعياً لهذا النوع من الاستثمار الفكري في الحقل القرآني، وحذراً من الأفكار المسبقة، أو التصورات الفكرية أن تشوش فهمه للقرآن، فتجعله أشبه بالتنزيل (الأيديولوجي) للأفكار على القرآن، وليس فهماً لما يقوله القرآن نفسه ويهدي إليه.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة