الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

خلق السماحة في السنة النبوية

خلق السماحة في السنة النبوية

خلق السماحة في السنة النبوية
السماحة من أهم سمات هذه الملة، وهي خلق من أخلاق المسلم التي دلت عليها كثير من النصوص والتطبيقات العملية في السنة النبوية، ولا بد من التعرض لمفهوم السماحة قبل الدخول في الموضوع.
مفهوم السماحة:
السماحة في المعاجم العربية تدور حول معنى الجود والسهولة، والليونة، وعرفها الجرجاني في كتاب التعريفات "بذل ما لا يجب تفضلا"، وهي في المفهوم الشرعي لا تختلف كثيرا عن هذا المعنى اللغوي، فالسماحة خلق يحوي أخلاقا كثيرة، من الجود واللين، وطيب التعامل، وحسن العشرة، واستعمال معالي الأخلاق، والتغافل، وبذل الحقوق، وترك المشاحة.
ومما يمكن الاستشهاد به لتوضيح مفهوم السماحة كلام الإمام أحمد بن حنبل في وصف حسن الخلق «بأن يكون المسلم سمحا بحقوقه لا يطالب غيره بها، ويوفي ما يجب لغيره عليها منه فإن مرض فلم يُعَد أو قدم من سفر فلم يُزَر أو سلم فلم يُرَدَّ عليه أوضاف فلم يُكرم أو شفع فلم يُجب أو أحسن فلم يُشكر أو دخل على قوم فلم يُمكن، أو تكلم فلم يُنصت له أو استأذن على صديق فلم يأذن له، أو خطب فلم يُزوَّج، أو استمهل الدين فلم يُمهل أو استنقص فلم يُنقص وما أشبه ذلك لم يغضب ولم يعاقب ولم يتنكر من حاله حال». رواه البيهقي في الشعب.
ومن أبرز النصوص الواردة في السماحة ما جاء في البخاري عن ‌جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رحم الله رجلا، ‌سمحا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى»
قال الوزير ابن هبيرة في الإفصاح عن معاني الصحاح: «ووجه هذا أن المشاحة في البيع والشراء أمارة على البخل، ودليل على الشح ولا سيما مع الإخوان من المسلمين؛ الذين ينبغي إيثارهم بالشيء، وتقتضي المروءة إعطاءهم بلا ثمن، فإذا باعهم بثمن فلا أيسر من أن يقف على أنه سيكون سمحا بائعا، وسمحا مشتريا، وسمحا متقضيا، فإنه إذا استبدل السماحة العسر في كل ذلك دالا من شيمه على أنه ليس تناله دعوة الرسول - صلى الله عليه وسلم».
وفي المعجم الصغير للطبراني عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «رحم الله عبدا ‌سمحا قاضيا، وسمحا مقتضيا».
والمعنى الاتصاف بالسماحة، وعدم المشاحة في طلب الدين من الآخرين، ففي صحيح ابن حبان مرفوعا: "من طلب حقًّا فليطلبه في عفاف وافٍ أو غير وافٍ". وقوله "سمحا قاضيا" أي: إذا قضى أوفى لغريمه حقه، وطيَّبَ نفسه.
وقد اشتهر بعض الصحابة بالسماحة كما في المستدرك على الصحيحين للحاكم عن أبي بن كعب بن مالك قال: «كان معاذ بن جبل رضي الله عنه شابا جميلا ‌سمحا من خير شباب قومه لا يسأل شيئا إلا أعطاه حتى ادان دينا أغلق ماله».

فضل السماحة:
ورد في حسن التقاضي وفضله أنه سبب للمغفرة ودخول الجنة، كما في حديث حذيفة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن رجلاً كان فيمن قبلكم أتاه الملك ليقبض روحه، فقيل له: هل عملت من خير؟ قال: ما أعلم. قيل له: انظر، قال: ما أعلم شيئًا، غير إني كنت أبايع الناس في الدنيا وأجازيهم فأنظر الموسر، وأتجاوز عن المعسر؛ فأدخله الله الجنة" متفق عليه.
وفي البخاري عن أبي هريرة، قال: كان لرجل على النبي، صلى الله عليه وسلم، سِنٌّ من الإبِل، فجاءه يتقاضاه، فقال: "أعطوه"، فطلبوا سِنّه، فلم يجدوا له إلا سِنًّا فوقها، فقال: "أعطوه"، فقال: أوفَيتَني أوفى الله بك، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنّ خِياركم ‌أحسنكم ‌قضاء".
ومن فضائل السماحة أنها تورث محبة الله، ولازم ذلك محبة الناس، فيكون المتصف بالسماحة محبوبا مقبولا عند الله وعند خلقه، كما في المصنف لابن أبي شيبة عن زيد بن أسلم قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "‌أحب الله عبدا ‌سمحا إذا باع، ‌سمحا إذا اشترى، ‌سمحا إذا قضى، ‌سمحا إذا اقتضى"
قال الطيبي: رتب المحبة عليه ليدل على أن السهولة والتسامح في التعامل سبب لاستحقاق المحبة ولكونه أهلا للرحمة وفيه فضل المسامحة في الاقتضاء وعدم احتقار شيء من أعمال الخير فلعلها تكون سببا لمحبة الله تعالى التي هي سبب للسعادة الأبدية. نقله عنه ابن الهمام في فيض القدير.

وهذا التوجيه النبوي السامي يتأكد في زمن المشاحة على الحقوق، والبخل بالأمور التافهة من أمور الدنيا، والخصومة على أمور الدنيا، ليأتي هذا الهدي النبوي الذي يخرج النفوس من ضيق الشح إلى رحابة السماحة والسهولة والبذل، ومن يتطبع على هذا الخلق يكاد أن يصبح له سجية.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة