
أشارت السنة النبوية إلى مجموعة من الأغذية النافعة، وورد فيها بيان بعض منافعها للبدن، وقد جاء العلم والتجربة ليتطابق مع تلك الأخبار النبوية، ويؤخذ من مجموع ذلك أن البدن يحتاج إلى التوازن في غذائه، بحيث لا يداوم الإنسان على نوع واحد منها، بل إن البدن يحتاج إلى هذا التنوع والتكامل الغذائي حسب ما يتيسر للإنسان.
قال ابن القيم في الزاد: فأما المطعم والمشرب، فلم يكن من عادته صلى الله عليه وسلم حبس النفس على نوع واحد من الأغذية لا يتعداه إلى ما سواه، فإن ذلك يضر بالطبيعة جدا، وقد يتعذر عليها أحيانا، فإن لم يتناول غيره، ضعف أو هلك، وإن تناول غيره، لم تقبله الطبيعة، واستضر به، فقصرها على نوع واحد دائما - ولو أنه أفضل الأغذية - خطر مضر، بل كان يأكل ما جرت عادة أهل بلده بأكله من اللحم، والفاكهة، والخبز، والتمر، وغيره...اهـ.
نماذج من الأغذية التي أشارت السنة النبوية إلى تفضيلها:
لحم الظهر من الشاة: كان اللحم عموما من أحب الأطعمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أحب الشاه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدَّمُها، وكل ما علا منها على وجه الخصوص، ففي مسند الإمام أحمد عن عبد الله بن جعفر، يحدث ابنَ الزبير، وقد نحر لهم جزورا، أو بعيرا فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: والقوم يلقون لرسول الله صلى الله عليه وسلم اللحم: «أطيب اللحم، لحم الظهر».
لحم الظهر من الشاة: كان اللحم عموما من أحب الأطعمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أحب الشاه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدَّمُها، وكل ما علا منها على وجه الخصوص، ففي مسند الإمام أحمد عن عبد الله بن جعفر، يحدث ابنَ الزبير، وقد نحر لهم جزورا، أو بعيرا فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: والقوم يلقون لرسول الله صلى الله عليه وسلم اللحم: «أطيب اللحم، لحم الظهر».
وإنما فضل هذا الموضع من اللحم كما قال شراح الحديث، لكونه أطهر مكان من الشاة؛ فهو أبعد عن مواضع الأذى، ولأنه أخف على المعدة وأسرع هضما وأعجل نضجا.
اللبن: ورد الحث على شرب ألبان الإبل للمريض، وثبت أنها شفاء لبعض الأمراض، ففي صحيح البخاري عن أنس: أن ناسا كان بهم سقم، فقالوا: يا رسول الله آونا وأطعمنا، فلما صحوا، قالوا: إن المدينة وَخِمَةٌ، فأنزلهم الحرة في ذَوْدٍ له، فقال: «اشربوا ألبانها»، وورد أيضا مثل ذلك في شأن لبن البقر، ففي مسند الإمام أحمد عن طارق بن شهاب، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له شفاء، فعليكم بألبان البقر، فإنها تَرُمُّ من كل الشجر»
ومعنى: «تَرُمُّ من كل الشجر»: أي لا تبقى شجراً ولا نباتاً إلا اعتلفت منه، فيكون لبنها مركبا من قوى أشجار مختلفة ونبات متنوع. انتهى من التيسير على الجامع الصغير.
الثريد: وهو مركب من الخبز ومرق اللحم، وقد يكون معه اللحم أيضا، ولذلك كان من أمثالهم: الثريد أحد اللحمين.
وقد ورد في الصحيحين عن أنس بن مالك، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «فضْلُ عائشة على النساء كفضل الثَّريد على سائر الطعام».
وأما وجه تفضيله كما قال النووي في شرحه على صحيح مسلم: والمراد بالفضيلة نفعه، والشبع منه، وسهولة مساغه، والالتذاذ به، وتيسر تناوله، وتمكن الإنسان من أخذ كفايته منه بسرعة، وغير ذلك، فهو أفضل من المرق كله، ومن سائر الأطعمة. انتهى
ولا شك أن هذا التفضيل للثريد لا يعني تفضيله على سائر الأطعمة من كل وجه، بل إن المقصود فضيلته على أطعمة ذلك الزمان، قال العيني في عمدة القاري: والظاهر أن فضل الثريد على سائر الطعام إنما كان في زمنهم لأنهم قلما كانوا يجدون الطبيخ، ولا سيما إذا كان باللحم، وأما في هذا الزمان فأطعمة معمولة من أشياء كثيرة متنوعة فيها من أنواع اللحوم ومعها أنواع من الخبز الحواري، فلا يقال: إن مجرد اللحم مع الخبز المكسور أفضل من هذه الأطعمة المختلفة الأجناس والأنواع، وهذا ظاهر لا يخفى. انتهى
قال ابن حجر في الفتح: وكان أجل أطعمتهم يومئذ، وكل هذه الخصال لا تستلزم ثبوت الأفضلية له من كل جهة، فقد يكون مفضولا بالنسبة لغيره من جهات أخرى. انتهى.
قال ابن حجر في الفتح: وكان أجل أطعمتهم يومئذ، وكل هذه الخصال لا تستلزم ثبوت الأفضلية له من كل جهة، فقد يكون مفضولا بالنسبة لغيره من جهات أخرى. انتهى.
الخل: وهو ما حُمِّض من عصير العنب والتمر، وغيره، كما عرفه في القاموس المحيط، وقد ورد مدحه في صحيح مسلم عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «نِعْمَ الْأُدُمُ - أَوِ الْإِدَامُ - الخل».
قال ابن الجوزي في كشف المشكل: يشتمل على معنيين: فالمعنى الأول: مدح الخل في نفسه، وله فوائد منها: أنه ينفع المعدة، ويقمع الصفراء، ويقطع البلغم، ويشهي الطعام، إلى غير ذلك من الفوائد. والثاني: أنه نبه بذلك، على مدح الاقتصاد في المأكل، ومنع النفس من ملاذ الطعام، فكأنه قال: ائتدموا بما خفت مؤنته وسهل وجوده، فإن من تعود التأنف في المطعم لم يصبر عنه، وطيب الطعام يحمل على الشبع. انتهى.
الشعير: وقد ورد الترغيب به للمريض وللحزين، لما فيه من خاصية تتعلق بتخليص المعدة مما يجتمع فيه من أخلاط ضارة، ففي سنن الترمذي عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذ أهله الوَعَكُ أَمَرَ بِالحِسَاءِ، قالت: وكان يقول: «إِنَّهُ لَيَرْتُقُ فُؤَادَ الحَزِينِ، وَيَسْرُو عَنْ فُؤَادِ السَّقِيمِ كَمَا تَسْرُو إِحْدَاكُنَّ الوَسَخَ بِالمَاءِ عَنْ وَجْهِهَا».
ومعنى يرتق: أي يشد ويقوي، ومعنى يسرو أي: يكشف، والحِساء: ماء الشعير المغلي، قال ابن حجر في الفتح: والمراد بالفؤاد في الحديث رأس المعدة، فإن فؤاد الحزين يضعف باستيلاء اليبس على أعضائه وعلى معدته خاصة لتقليل الغذاء، والحساء يرطبها ويغذيها ويقويها، ويفعل مثل ذلك بفؤاد المريض، لكن المريض كثيرا ما يجتمع في معدته خلط مراري أو بلغمي أو صديدي وهذا الحساء يجلو ذلك عن المعدة، وينبغي أن يختلف الانتفاع بذلك بحسب اختلاف العادة في البلاد ولعل اللائق بالمريض ماء الشعير إذا طبخ صحيحا وبالحزين إذا طبخ مطحونا لما تقدمت الإشارة من الفرق بينهما في الخاصية والله أعلم. انتهى
ومما يذكره الأطباء عن مناسبة ماء الشعير للمريض أن المعدة تضعف بسبب المرض، وتسترخي عضلاتها، وتقل إفرازاتها، فلا تقوى على هضم الطعام الثقيل، فكان التوجيه النبوي إلى تناول حساء الشعير لكونه لطيفا لينا على المعدة.
التمر: ثبت في صحيح مسلم عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عائشة، بيتٌ لا تمرَ فيه جِياعٌ أهلُه، يا عائشة، بيتٌ لا تمر فيه جياع أهله» أو «جاع أهلُه» قالها مرتين أو ثلاثا. وفي رواية عنده أيضا: «لا يجوع أهل بيت عندهم التمر». وجاء في فضل تمر أهل المدينة عند مسلم أيضا من حديث سعد بن أبي وقاص، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أكل سبع تمرات مما بين لابتيها حين يصبح، لم يضره سم حتى يمسي»، وفي رواية عنده أيضا: «من تصبح بسبع تمرات عجوة، لم يضره ذلك اليوم سم، ولا سحر»، وروى مسلم أيضا عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن في عجوة العالية شفاء - أو إنها تِرْيَاقٌ - أَوَّلَ الْبُكْرَةِ». و"أولَ البُكرة" منصوب على الظرفية بمعنى حين يصبح.
قال النووي في شرحه على مسلم: وفي هذه الأحاديث فضيلة تمر المدينة وعجوتها وفضيلة التصبُّحِ بسبع تمرات منه، وتخصيص عجوة المدينة دون غيرها.
زيت الزيتون: جاء الترغيب بالائتدام به، والادِّهان منه، ووصف شجرته بالبركة، كما في سنن الترمذي عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة».
ومعنى "كلوا الزيت": أي مع الخبز واجعلوه إداما، كما يقول الشراح، وأما سبب وصف شجرته بالبركة، فقد جاء في المرقاة: أن الأظهر لكونها تنبت في الأرض التي بارك الله فيها للعالمين، قيل بارك فيها سبعون نبيا منهم: إبراهيم - عليه السلام - وغيرهم، ويلزم من بركة هذه الشجرة بركة ثمرتها، وهي الزيتون، وبركة ما يخرج منها وهو الزيت، وكيف لا وفيه التأدم والتدهن، وهما نعمتان عظيمتان، وفيه تسريج القناديل في المساجد الثلاثة، فما أبركها زمانا ومكانا. انتهى
والإرشاد إلى الدهن به يكون بحسب الزمان والمكان، فالبلاد الحارة يكون نافعا، بخلاف البلاد الباردة، كما قال ابن القيم في زاد المعاد: الدهن في البلاد الحارة كالحجاز من أسباب حفظ الصحة وإصلاح البدن وهو كالضروري لهم، وأما في البلاد الباردة فضار. انتهى
الحبة السوداء: في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن هذه الحبة السوداء شفاء من كل داء، إلا من السام» قلت: وما السام؟ قال: «الموت».
وقد نقل العراقي في طرح التثريب عن القاضي عياض والنووي أن ظاهر العموم في الحديث محمول على العلل الباردة، وهو - صلى الله عليه وسلم - قد يصف بحسب ما شاهده من غالب حال الصحابة في الزمن الذي يخالطهم فيه، فيكون العموم محمولا على الأكثر والأغلب.
القسط: في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عليكم بهذا العود الهندي - يعني به الكُسْت- فإن فيه سبعة أشفية، منها ذاتُ الجَنْب». وقوله: "وهو الكست" أي: القسط بالقاف هو الكست بالكاف. وذَات الْجنب: قرحة تصيب الْإِنْسَان فِي دَاخل جنبه.
ونبات القسط هذا، نبات يعيش في الهند وخاصة في كشمير وفي الصين وتستعمل قشور جذوره التي قد تكون بيضاء أو سوداء، وكان التجار العرب يجلبونها إلى الجزيرة العربية عن طريق البحر لذا سميت القسط البحري، كما كان يسمى بالقسط الهندي.
قال النووي في شرحه على مسلم: فقد اتفق العلماء على منافع القسط، فصار ممدوحا شرعا وطبا.
ومما ينبه إليه أنه لا بد من الرجوع إلى أهل الاختصاص في المجال الغذائي لبيان خصائص هذه الأغذية المذكورة وغيرها، وفي مقاديرها وطرق الانتفاع بها، ومتى تكون نافعة ومتى تكون ضارة، فورود تفضيلها في الروايات ثابت بالشرع وبالطب، ولكن ذلك لا يعني فضلها على الإطلاق، ومن كل وجه، والجمع بين مقررات الشرع والطب في مثل هذه الروايات من تمام فقهها، وحسن توجيهها، حتى لا يطعن طاعن بتعارضها مع المسلمات الطبية المستقرة، فالتفضيل النبوي لطعام أو شراب ليس من مقصوده التفضيل المطلق، بل بحسب الزمان والمكان وحالة الأبدان صحة ومرضا، وقوة وضعفا، وقد أشار إلى ذلك غير واحد من الشراح، كالنووي، وابن حجر، والقاضي عياض، وابن القيم، وغيرهم.