الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بيان السنة للقرآن الكريم

بيان السنة للقرآن الكريم

بيان السنة للقرآن الكريم

تتبوأ السنة منزلة عظيمة في الإسلام ، فهي التطبيق العملي لما في كتاب الله ، وقد جاءت عاضدة لآياته ، كاشفة لغوامضه ، مجلية لمعانيه ، شارحة لألفاظه ، موضحة لمبهمه ، كما أنها جاءت بأحكام لا توجد في كتاب الله ، ولم ينص عليها فيه ، وهي لا تخرج عن قواعده وغاياته ، فلا يمكن الاستغناء عنها بحال من الأحوال ، وذلك لأهميتها العظمى في فهم دين الله والعمل به .

وقد أوضح العلماء أوجه السنة مع القرآن ، وأنها على ثلاثة أنواع:

النوع الأول: أن تأتي مؤكدة لآيات من القرآن الكريم ، ومثاله أحاديث وجوب الصلاة والزكاة والصوم والحج ، كقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر رضي الله عنهما: (بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان) رواه البخاري ، فهذا الحديث مؤكد لقوله تعالى في شأن الصلاة والزكاة: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} (البقرة: 83) ، ولقوله تعالى في شأن الصوم: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} (البقرة: 183) ، ولقوله تعالى في شأن الحج: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين} (آل عمران: 97).

النوع الثاني: أن تأتي مبينة لكتاب الله ، قال سبحانه: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} (النحل: 44)، وبيان السنة للقرآن يتمثل في عدة جوانب ، منها:

1. بيان مجمله: فقد جاءت كثير من أحكام القرآن العملية مجملة ، فبينت السنة إجمالها ، ومن ذلك أن الله أمر بأداء الصلاة من غير بيان لأوقاتها وأركانها وركعاتها وغير ذلك ، فبينت السنة كل ذلك بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتعليمه لأصحابه كيفيتها ، وأمره لهم بأدائها كما أداها ، فقال صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) رواه البخاري ، وفرض الله الزكاة من غير بيان لمقاديرها وأوقاتها وأنصبتها ، وما يزكَّى وما لا يزكَّى ، فجاءت السنة ببيان كل ذلك وتفصيله ، وشرع الله الحج من غير أن يبين مناسكه ، فبين صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله تلك المناسك وقال في حجة الوداع : (لتأخذوا عني مناسككم) رواه مسلم ، وكذلك بين صلى الله عليه وسلم أحكام الصوم مما لم ينص عليه في الكتاب ، وأحكام الطهارة والذبائح والصيد والأنكحة ، وأحكام البيوع والجنايات والحدود ، وغير ذلك مما وقع مجملاً في القرآن وفصله النبي صلى الله عليه وسلم.

2. تخصيص عامه: فقد وردت في القرآن أحكام عامة جاءت السنة بتخصيصها ، ومن ذلك قوله تعالى: {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين} (النساء: 11) ، فهذه الآية عامة في كل أصل موروث ، فخصص صلى الله عليه وسلم ذلك بغير الأنبياء فقال عليه الصلاة والسلام: (لا نوْرَثُ ما تركنا صدقة) رواه البخاري.

3. تقييد مطلقه: فقد ورد في القرآن آيات مطلقه جاءت السنة بتقييدها ، ومن ذلك قوله تعالى: {من بعد وصية يوصي بها أو دين} (النساء: 11) ، فأمرت الآية بإخراج الوصية من مال الميت ولم تحدد مقدارها ، فجاءت السنة مقيدة للوصية بالثلث.

4. توضيح المشكل: فقد أشكل فهم بعض الآيات على الصحابة ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوضح لهم ما أشكل عليهم ، ومن ذلك ما رواه البخاري عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: لما نزلت هذه الآية {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} (الأنعام: 82) ، شق ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وقالوا: أينا لم يلبس إيمانه بظلم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنه ليس بذاك ، ألا تسمعون إلى قول لقمان: {إن الشرك لظلم عظيم }) (لقمان: 13) ، ففهم الصحابة رضوان الله عليهم أن المراد بالظلم في الآية عموم الظلم ، فيدخل في ذلك ظلم الإنسان نفسه بتقصيره في بعض الحقوق ، فأزال صلى الله عليه وسلم هذا الإشكال بأن الظلم ليس على عمومه ، وإنما المقصود منه أعظم أنواع الظلم الذي هو الشرك بالله عز وجل.

وهذان النوعان السنة المؤكدة والسنة المبينة لم يخالف فيهما أحد من أهل العلم.

النوع الثالث: أن تأتي السنة بأحكام زائدة على ما في القرآن ، فتوجب أمراً سكت القرآن عن إيجابه ، أو تحرم أمراً سكت القرآن عن تحريمه ، ومن أمثلة هذا النوع الأحاديث التي تحرم الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها ، وتحريم الحمر الأهلية ، وكل ذي ناب من السباع ، وغير ذلك.

وهذا النوع وإن كان زائداً على ما في القرآن إلا أنه تشريع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو مما يجب طاعته فيه ولا تحل معصيته امتثالاً لما أمر الله به من طاعة رسوله ، قال تعالى: {من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا} (النساء: 80).

وبهذا نتبين منزلة السنة ومكانتها في الشريعة ، وأنه لا يمكن الاستغناء عنها بحال من الأحوال ، بل لا يمكن أن يفهم الكتاب بمعزل عن السنة ، وأي دعوة لفصل أحدهما عن الآخر إنما هي دعوة ضلال وانحراف ، وهي في الحقيقة دعوة إلى هدم الدين وتقويض أركانه والقضاء عليه من أساسه.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة