
(السورة) و(الآية) مصطلحان رئيسان في القرآن الكريم، فما حقيقتهما، وما المراد منهما؟ السطور الآتية تجيب عن هذا السؤال:
(السورة) لغة: المنزلة، والشرف، وما طال من البناء وحَسُن، والعلامة، وعرق من عروق الحائط، والسورة من القرآن معروفة؛ لأنها منزلة بعد منزلة مقطوعة عن الأخرى.
قال ابن قتيبة (ت276هـ): "(السورة) تُهمز ولا تهمز؛ فمن همزها جعلها من (أسأرتُ) أي: أفضلتُ من السؤر، وهو ما بقيَ من الشراب في الإناء، كأنها قطعة من القرآن. ومن لم يهمزها، جعلها من المعنى المتقدم، وسهَّل همزتها".
و(السورة) في الاصطلاح: طائفة مستقلة من القرآن، ذات مطلع ومقطع. قال الجعبري (ت732هـ): "قرآن يشتمل على آيٍ ذوات فاتحة وخاتمة، وأقلها ثلاث آيات".
قال القرطبي (ت671هـ): "السورة في كلام العرب، الإبانة لها من سورة أخرى، وانفصالها عنها، وسميت بذلك؛ لأنه يرتفع فيها من منزلة. وقيل: سميت لشرفها وارتفاعها، كما يقال لما ارتفع من الأرض سور. وقيل: سميت بذلك؛ لأن قارئها يشرف على ما لم يكن عنده، كسور البناء. وقيل: سميت بذلك لتمامها وكمالها، من قول العرب للناقة التامة: سورة". وجمع سورة (سُوَرٌ) بفتح الواو.
و(سُوَر) القرآن تختلف طولاً وقصراً؛ فأطول سورة في القرآن (البقرة) وفيها أطول آية، وهي آية المداينة (282)، وفيها آية الكرسي (255)، وهي أفضل آية في القرآن، وأقصر سورة (الكوثر) وبين سورة (البقرة) وسورة (الكوثر) سور كثيرة، تختلف طولاً وتوسطاً وقصراً.
والحكمة من (تسوير) القرآن حُسْنُ الترتيب والتنويع والتبويب، وتيسير حفظه. ومن الحكمة من اختلاف السور طولاً وقصراً وما بينهما التنبيه على أن الطول ليس شرطاً للإعجاز، فقد تحدى الله البشر بأن يأتوا بمثل أقصر سورة، فعجزوا.
وعدد سور القرآن أربع عشرة ومئة سورة (114)، أولها سورة (الفاتحة) وآخرها سورة (الناس). وقد يكون للسورة اسم واحد، مثل (طه) وقد يكون لها اسمان، مثل (البقرة) فإنها يقال لها: (فسطاط القرآن)، وقد يكون لها ثلاثة أسماء، مثل (المائدة) تسمى (العقود) و(المنفذة) وقد يكون للسورة أكثر من ذلك، مثل سورة (براءة) فهي تسمى (التوبة) و(الفاضحة) و(البَحوث) بفتح الباء، ولها أسماء أُخر. وقد أنهى السيوطي (ت911هـ) أسماءها إلى عشرة أسماء.
وأسماء سور القرآن توقيفية، لا مدخل للاجتهاد فيها.
هذا، وقد قسم علماء القرآن سور القرآن من حيث الطول والقصر إلى أربعة أقسام:
الأول: (الطوال) وهي سبعه: البقرة، آل عمران، النساء، المائدة، الأنعام، الأعراف، ثم الأنفال مع براءة لعدم الفصل بينهما بالبسملة.
الثاني: (المئون) جمع مئة، وهي السور التي تزيد آياتها على مئة أو تقاربها، كسور: يونس، وهود، ويوسف...
الثالث: (المثاني) وهي التي تقل آياتها عن المئة؛ وسميت (مثاني) لأنها تثنَّى وتكرر أكثر من غيرها.
الرابع: (المفصل) وهو ما وليَ المثاني من قصار السور؛ سمي بذلك لكثرة الفواصل التي بين السور بالبسملة. وقد اختلف في أوله على أقوال، وأوصلها السيوطي إلى اثني عشر قولاً. وصحَّح النووي (ت676هـ) أن أول سور (المفصل) الحجرات.
و(المفصل) ثلاثة أقسام:
أولها: طواله، من (الحجرات) إلى (البروج).
ثانيها: أوساطه، من (الطارق) إلى (البينة).
ثالثها: قصاره، من (الزلزلة) على (الناس).
والمـتأمل في فواتح سور القرآن الكريم يجد الآتي:
أولاً: سور تبدأ بـ {الحمد لله} وهي خمس سور: الفاتحة، الأنعام، الكهف، سبأ، فاطر.
ثانياً: سور تبدأ بـ {الر} وهي خمس سور أيضاً: يونس، هود، يوسف، إبراهيم، الحِجْر.
ثالثاً: سور تبدأ بـ {الم} وهي ست سور: البقرة، آل عمران، العنكبوت، الروم، لقمان، السجدة.
رابعاً: سورة واحدة تبدأ بـ {المر} وهي سورة الرعد.
وباقي السور تبدأ بفواتح مختلفة بحسب الوقائع والأخبار والنوازل.
و(الآية) في اللغة: العلامة، والإمارة، والعبرة، والمعجزة، والجمع (آيٌ) و(آيات) و(آيَاءٌ) وفي القرآن ما يدل على ذلك:
- المعجزة: جاء على هذا المعنى قوله تعالى: {سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة} (البقرة:211) أي: معجزة واضحة.
- العلامة: جاء على هذا المعنى قوله سبحانه: {إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم} (البقرة:248) أي: علامة ملكه.
- العبرة: جاء على هذا المعنى قوله عز وجل: {إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون} (النحل:11) أي: لعبرة لمن يعتبر.
- الأمر العجيب: جاء على هذا المعنى قوله جل شأنه: {وجعلنا ابن مريم وأمه آية} (المؤمنون:50) أي: كل واحد منهما صار أمراً عجيباً بالآخر.
- الدليل: جاء على هذا المعنى قوله تعالى: {ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم} (الروم:22) أي: ومن دلائل قدرته وعظمته اختلاف لغاتكم وألون بشرتكم.
- الجماعة: من ذلك قولهم: خرج القوم بآياتهم، أي: بجماعتهم.
و(الآية) في الاصطلاح: قرآن مركب من جُمَلٍ، ولو تقديراً، ذو مبدأ ومقطع مندرج في سورة. وقيل: طائفة من القرآن منقطعة عما قبلها وعما بعدها.
و(آيات) القرآن تختلف طولاً وقصراً، وأكثر الآيات الطوال في السور الطوال، وأكثر الآيات القصار في السور القصار، وأطول آية في القرآن آية المداينة (282) في سورة البقرة، وأقصر آية {طه} و{يس} عند من عدَّهما آية برأسها. وقد تكون الآية مكونة من كلمة واحدة، كقوله تعالى: {مدهامتان} (الرحمن:64) قال أبو عمرو الداني (ت444هـ): "ولا أعلم كلمة هي وحدها آية إلا قوله تعالى: {مدهامتان}". وقد تكون من كلمتين، كقوله سبحانه: {عم يتساءلون} (النبأ:1). وقد تكون أكثر من ذلك، وهو غالب آيات القرآن.
قال الزرقاني (ت1367هـ) في "مناهل العرفان": "وأما عدد آي القرآن فقد اتفق العادُّون على أنه ستة آلاف ومائتا آية وكسر، إلَّا أن هذا (الكسر) يختلف مبلغه باختلاف أعدادهم:
ففي عدد المدني الأول سبع عشرة، وبه قال نافع (ت169هـ).
وفي عدد المدني الأخير أربع عشرة عند شيبة بن نصاح (ت130هـ)، وعشر عند يزيد بن القعقاع أبي جعفر (ت130هـ).
وفي عدد عبد الله بن كثير المكي (ت120هـ) عشرون.
وفي عدد علي بن حمزة الكسائي الكوفي (ت189هـ) ست وثلاثون، وهو مروي عن حمزة الزيات.(ت156هـ).
وفي عدد أبو عمرو البصري (ت154هـ) خمس، وهو مروي عن عاصم (ت127هـ)، وفي رواية عنه أربع، وبه قال أيوب بن المتوكل البصري (ت200هـ)، وفي رواية عن البصريين أنهم قالوا: تسع عشرة، ورويَ ذلك عن قتادة (ت118هـ).
وفي عدد ابن عامر الشامي (ت118هـ) ست وعشرون، وهو مروي عن يحيى بن الحارث الذماري (ت145هـ).
وقد أجمعت الأمة على أن ترتيب الآيات في سورها -على ما هي عليه اليوم في المصاحف- واقع بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم، عن الله سبحانه، وأنه لا مجال للرأي فيه، بل كان جبريل ينزل بالآيات على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويرشده إلى موضع كل آية من سورتها، ثم يقرؤها النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه، ويأمر كُتَّاب الوحي بكتابتها، معيِّناً لهم السورة التي تكون فيها الآية، وموضع الآية من هذه السورة.
وهذا الإجماع نقله غير واحد من العلماء، منهم: الزركشي (ت794هـ) في "البرهان"، حيث قال: "فأما الآيات في كل سورة، ووضع البسملة أوائلها، فترتيبها توقيفي بلا شك، ولا خلاف فيه؛ ولهذا لا يجوز تعكيسها". ونقل عن مكي بن حَمُّوش (ت437هـ) قوله: "ترتيب الآيات في السور هو من النبي صلى الله عليه وسلم، ولما لم يأمر بذلك في أول (براءة) تُرِكَتْ بلا بسملة". وقال القاضي أبو بكر الباقلاني (ت430هـ) في "إعجاز القرآن": "ترتيب الآيات أَمْرٌ واجب، وحكم لازم؛ فقد كان جبريل يقول: ضعوا آية كذا موضع كذا". وقال أيضاً: "والذى نذهب إليه...أن ترتيبه ونظمه ثابت على ما نَظَمَه الله تعالى، ورتبه عليه رسوله، من آي السور، لم يُقَدِّم من ذلك مؤخَّراً، ولا أخَّر منه مقدَّماً، وأن الأمة ضبطت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ترتيب آي كل سورة ومواضعها، وعرفت مواقعها، كما ضبطت عنه نفس القراءات وذات التلاوة، وأنه يمكن أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم، قد رتب سوره على ما انطوى عليه مصحف عثمان، ويمكن أن يكون قد وكَّل ذلك إلى الأمة بعده، ولم يتولَ ذلك بنفسه. وأن هذا القول الثاني أقرب وأشبه أن يكون حقاً".
على ضوء ما تقدم يكون قد تبين لنا المراد من (السورة) و(الآية) لغة واصطلاحاً وأنواعاً ودَلالة، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.