الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من أسباب دخول النار

من أسباب دخول النار

 من أسباب دخول النار

الحمد لله رب العالمين، أحمده سبحانه وأشكره، وأستعينه وأستغفره، وأتوب إليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق الإنسان ليعبده، وأكرمه ليشكره، وأنذره ليحذره، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، فإنها وصية الله للأولين والآخرين، قال سبحانه: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:131]. (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ‌ٱللَّهَ ‌حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ) [آل عمران: 102]. (يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَبَثَّ مِنۡهُمَا رِجَالٗا كَثِيرٗا وَنِسَآءٗۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِۦ وَٱلۡأَرۡحَامَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيۡكُمۡ رَقِيبٗا) [النساء: 1]. (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوۡلٗا سَدِيدٗا (70) ‌يُصۡلِحۡ ‌لَكُمۡ أَعۡمَٰلَكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۗ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ فَازَ فَوۡزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71].
أما بعد،
أيها المسلمون: اعلموا أن الله تعالى خلق الجنة والنار، وجعل لكلٍ منهما أهلاً وأسبابًا. فكما أن للجنة أبوابًا تُفتح لأهل الطاعة والغفران، فللنار أسباب تُوصل إليها أهل الضلال والخسران. قال الله تعالى: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران:185]. وإن أعظم سببٍ لدخول النار – والعياذ بالله – هو الشرك بالله عز وجل، قال الله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} [المائدة:72]. فمن صرف العبادة لغير الله، أو استعان بمخلوقٍ فيما لا يقدر عليه إلا الخالق، أو دعا غير الله، فقد أشرك شركًا أكبر يوجب الخلود في النار إن لم يتب إلى الله تعالى.
ومن أسباب دخول النار أيضًا الكفر بالله تعالى، أو برسله، أو بكتبه، أو بيوم القيامة، أو بقدره سبحانه، قال تعالى: {إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡفُرُونَ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيۡنَ ٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦ وَيَقُولُونَ نُؤۡمِنُ بِبَعۡضٖ وَنَكۡفُرُ بِبَعۡضٖ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيۡنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا 150 أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ حَقّٗاۚ وَأَعۡتَدۡنَا لِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٗا مُّهِينٗا 151} [النساء:151].
ومن أعظم أسباب دخول النار: كذلك الاستهزاء بالله أو بدينه أو برسوله صلى الله عليه وسلم، وهو كفرٌ مخرجٌ من الملة، قال تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ، لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65-66].
ومن أسباب دخول النار أيضًا النفاق الاعتقادي، وهو أن يظهر الإنسان الإيمان ويخفي الكفر، قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النساء:145].
وقد ذكر الله من علامات المنافقين مراءاة الناس والتكاسل عن الصلاة، قال تعالى: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ} [النساء:142]. وقال صلى الله عليه وسلم: «أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر». أيها الإخوة: هذه الأسباب وغيرها أبوابٌ مفتوحة إلى جهنم، فليغلقها العبد بالتوبة والإنابة قبل فوات الأوان.
أقول قولي هذا وأستغفر الله، فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على نعمة الإسلام، ونعمة الإيمان، ونعمة الأمن والأمان، نحمده سبحانه ونشكره على فضله وإحسانه.
أيها المؤمنون: إن مما يوجب دخول النار كذلك عقوق الوالدين، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة حرم الله عليهم الجنة: مدمن الخمر، والعاق لوالديه، والديوث الذي يقرّ الخبث في أهله». فاحذر –أيها المسلم– أن ترفع صوتك على والديك، أو أن تُغضبهما، فإن رضاهما من رضا الله، وسخطهما من سخط الله تعالى.
ومن الأسباب التي تورد النار: قطيعة الرحم، قال صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة قاطع رحم». وقال تعالى: {فَهَلۡ عَسَيۡتُمۡ إِن تَوَلَّيۡتُمۡ أَن تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَتُقَطِّعُوٓاْ أَرۡحَامَكُمۡ (22) أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُمۡ وَأَعۡمَىٰٓ أَبۡصَٰرَهُمۡ (23)} [محمد:23]. ومن الأسباب أيضًا: أكل الربا، وأكل مال اليتيم، وشهادة الزور، وأخذ الرشوة، واليمين الكاذبة، والغش للرعية، والكبر والنميمة، وهتك الستر والحشمة .
قال صلى الله عليه وسلم: «صنفان من أهل النار لم أرهما: رجال بأيديهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها».
فاتقوا الله عباد الله، واحذروا أسباب دخول النار وسارعوا إلى مغفرة من ربكم، وجنة عرضها السماوات والأرض، ولا تغرنكم الدنيا، فمتاعها قليل، والآخرة خيرٌ وأبقى.
اللهم يا واسع الرحمة، ويا غافر الذنب وقابل التوب، نسألك أن تُجنبنا أسباب النار، وأن ترزقنا الجنة وما قرّب إليها من قولٍ أو عمل. اللهم تب علينا توبة نصوحًا، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعلهم هداة مهتدين، وأصلح أبناءنا وبناتنا، واجعلهم من الصالحين المصلحين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين. اللهم إنا نعوذ بك من عذاب جهنم، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال. اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك، وآخر كلامنا من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة

لا يوجد مواد ذات صلة