الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

دور المسجد في بناء الشباب

دور المسجد في بناء الشباب

دور المسجد في بناء الشباب

مرحلة الشباب هي المرحلة الحرجة التي يمر فيها الشباب بتغيرات جسمية ونفسية وعاطفية، ويتعرض فيها للصراع بين المثل العليا والسقوط في حمأة الرذيلة، وللتناقض والازدواجية بين ما يلقنه وما يعيشه وبين ما يسمعه وما يراه.

المسجد طوق النجاة
والمسجد بالنسبة للشباب في هذه المرحلة هو طوق النجاة، والداعية الناجح هو السباح الماهر الذي يستطيع أن ينتشل هذا الغريق من بين أمواج الفتن والظلمات التي تكتنفه من كل جانب..
ونحن نوجه الحديث هنا إلى الدعاة فقط، ولا نخاطب الموظفين من أجل "لقمة العيش" فهؤلاء نسقطهم تمامًا من الحساب.. نتحدث مع الدعاة الذين حملوها أمانة ملكت عليهم أنفسهم، وسرت في شرايين أجسامهم، فأصبحت هي شغلهم الشاغل وهمهم المُقعِد المقيم.. لا عن الذين قال فيهم الشاعر:
فأما القتال فلا قتال لديكم.. ... ..ولكن سيرًا في عراض المواكب

إن الداعية الذي أخلص لله نفسه هو الذي يجعل من رسول الله r قدوته ومثله الأعلى، فقد كان رسول الله r هو المحور الذي تدور عليه الحياة من حوله، فقد كان أباً لكل صغير، وأخًا لكل كبير، وملاذًا يلجأ إليه الناس لحل ما استعصى عليهم من مشاكلهم، وقد كان المعلم والمشرف الاجتماعي والطبيب النفسي، ولن يستطيع الداعية إلى الله تمثُّل هذه القدوة إلا بثقافته العالية التي تنمو يومًا بعد يوم، فرسالته وعلمه هما اللذان يفرضانه على الناس، والعمل الجيد يفرض نفسه.

وبالطبع لن نستطيع استيعاب دور المسجد في هذا المجال الضيق، ولكننا سنركز على ما يمكن أن يقدمه المسجد للشباب، فالمسجد وحده هو الذي يستطيع أن يقدم للشباب ما عجزت أن تقدمه لهم المدرسة والبيت والشارع ووسائل الإعلام.

يقول علماء النفس في هذا المجال: إن مرحلة المراهقة هي الفترة التي يكون الدين فيها بالنسبة للشاب، هو المخرج والمتنفس الوحيد، الذي يحقق له الأمان من الضغوط النفسية والمشاكل الانفعالية، التي تقع عليه من داخل نفسه وخارجها.

فنذكر إخواننا الدعاة أن المعركة ميدانها عقول الشباب، والشباب الذي يعاني من الفراغ الديني يقع فريسة لا تكلف شيئًا للشيوعية والمذاهب التي تدعو إلى ا لتحلل من ضوابط الدين.
وإن الشيوعيين (وكل أصحاب الأفكار الهدامة) على ما عندهم من البضاعة المزجاة، فإنهم عرضوها على الشباب عرضًا أنيقًا منمقًا، جعل بعضهم يفتتن بهذا المسخ المنحرف للفطرة البشرية.. فكيف بنا ونحن أصحاب الدين الحق نفشل في عرض ديننا عرضًا قويًّا مغريًا ينبئ عن حقيقته الرائعة..؟
وإن نصيبًا كبيرًا من هذا التحلل الذي ينتاب الشباب يقع العبء فيه والمسؤولية عنه أمام الله في ساحات القيامة على عاتق الذين يخذلون دينهم ودعوتهم ، أو الذين يسيؤون طريقة عرض الدين على الناس ، أو يعرضونه بطريقة منفرة

ما الذي يمكن أن يقدمه الداعية إلى الشباب؟
إن شبابنا في طول الوطن الإسلامي وعرضه ما زال بخير رغم حملات التضليل الضارية التي تشن عليه من كل الجبهات المعادية للإسلام.. وشجرة الإيمان مازال أصلها ثابتًا في قلوبهم، ولكنهم يفتقدون القيادة.. يفتقدون القدوة، بعد ما أصيبوا بالإحباط وبالغصص في حلوقهم وهم يرون الأكابر كل يوم يقولون ما لا يفعلون.. يسمعون كلامًا رنانًا ووعودًا جوفاء يصرح بها اليوم لتبتلع غدًا.

والشخصية الوحيدة التي يمكن أن تقدم هذه القدوة حية متجسدة هي شخصية الداعية المخلص، فيصبح بذلك أجمل عنوان لأعظم رسالة. ومهمة الداعية هي أن يقوم بعملية حصار للأباطيل والمبادرة إلى الرد على محاولات النيل من العقيدة، وتصحيح مفاهيم الشباب من الخلط والخبط الذي تمارسه وسائل الإفساد.

نريد أن تتحول خطبة الجمعة إلى "مدرسة الجمعة" مدرسة تعالج فيها موضوعات الساعة وقضايا الشباب، مدرسة تعرض عظمة الإسلام في معالجة مشاكل العصر الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ونحن لا نلقي بالاً للذين يهرفون بما لا يعرفون ويقولون بفصل الدين عن الدولة. (قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ)[الأنعام:91].

ولا نريد من الداعية أن يكون دوره هو الدور الإيجابي الوحيد.. فما المانع أن يكون الداعية مكتبة في مسجده بالجهود الذاتية يستطيع كل رواد المسجد الاستعارة منها بموجب إيصال مطبوع يكتب عليه المستعير بياناته فتكون استعارة الكتب منها خالية من تعقيدات المكتبات العامة.. إننا بمثل هذا العمل نستطيع جذب المزيد من السباب المسلم إلى المسجد وربطه به.

ما المانع أن يتنازل الداعية عن الدرس بعد صلاة الجمعة، ليقدم أحد الشباب من رواد المسجد ليلقي موعظة يكون هو قد أشرف على أعدادها أو يقدم طالبًا من كلية الزراعة، أو الطب، أو الصيدلة، ليقدم إلى جماهير المصلين وجبة علمية إسلامية من خلال تخصصه يفيد منها المسلمون في حياتهم العامة.. إن هؤلاء الشباب سيكونون صفًا ثانيًا للدعوة إلى الله..

ومن أجل الأعمال التي يمكن أن يقدمها المسجد للفتاة المسلمة أن يخصص الداعية ساعة معينة في يوم معين من أيام الأسبوع لتكون درسًا للمرأة المسلمة، والمرأة ليست أقل تأثرًا من الرجل في شؤون العقيدة، وليس هذا بدعًا من الأعمال، فعن عن أبي سعيد الخدري رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال جاءت امرأة إلى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رَسُول اللَّهِ ذهب الرجال بحديثك فاجعل لنا من نفسك يوماً نأتيك فيه تعلمنا مما علمك اللَّه. قال: "اجتمعن يوم كذا وكذا". فاجتمعن فأتاهن النبي صلى الله عليه وسلم، فعلمهن مما علمه اللَّه، ثم قال: "ما منكن من امرأة تقدم ثلاثة من الولد إلا كانوا لها حجاباً من النار". فقالت امرأة: واثنين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "واثنين".

ومما يزيد من حيوية المسجد وإشعار المسلمين بعظمة الإسلام أن تقدم من خلال المسجد نماذج تطبيقية للسلوك الإسلامي في مجال التكافل الاجتماعي، بأن يقوم الداعية بمساعدة شباب المسجد بقيادة حملة لجمع التبرعات من الملابس والأغطية وغيرها، وذلك في بداية فصل الشتاء، ثم يقوم بعد ذلك بتوزيعها على الفقراء.

كل هذا النشاط يمكن أن يقوم به الداعية لمزيد من ربط الشباب بالعقيدة من خلال المسجد، ونحن نقدمها كأمثلة ولكنها ليست نظرية، لأنها طبقت وآتت ثمارًا طيبة والحمد لله رب العالمين. ولعل بعض الأخوة الدعاة قد تجاوزوا هذه المرحلة فهنيئًا لهم توفيق الله لهم.

المسجد ومشكلات الشباب العاطفية:
الإسلام لا يدفن رأسه في الرمال، ولا يعامل البشر كملائكة، ولم يجعل الجنس عيبًا ولا دنسًا ولا قذرًا إذا كان في إطار من الحدود التي حدها الله عز وجل، وتأسيسًا على ذلك فليس هناك مانع على الإطلاق من التعرض لمشكلات الشباب الجنسية والعاطفية، سواء أكان ذلك على المنبر أو في الدرس بعد الجمعة.
وليس من المعقول أن تعرض الفضائح على الشاشات، وعندها نأتي لنعالج نتحرج من العلاج، فنكون قد أخلينا الميدان تمامًا لهذه الوسائل لتمارس الهدم كما يحلو لها..

ولأن الكلام في الجنس سلاح ذو حدين، فإننا سنضع بعض الضوابط التي تساعد الداعية في هذا المضمار:
أولاً: توعية المستمعين بأن الكلام في الجنس للإصلاح أو للتعليم ليس حرامًا، فإن العلم يضيع بين الكبر والحياء، وهذا رسول الله r يقول: "أيها الناس.. إن الله لا يستحيي من الحق، لا تأتوا النساء في أعجازهنَّ".

ثانيًا: معالجة الموضوعات الجنسية بصورة مهذبة، وألفاظ غير جارحة للحياء والمشاعر، ولنا في كتاب الله وسنة رسوله - عندما يتحدث عن الجنس - أسوة حسنة ومنهج راشد.

ثالثًا: عدم تسليط الأضواء القوية على الأفعال الجنسية والدخول في التفصيلات التي تثير الشهوات، فإن الله عز وجل عرض في القرآن قضية الشذوذ الجنسي، وتحدث عن اللحظات الحرجة التي يعلو فيها نداء الغريزة فوق كل نداء، تحدث عن يوسف وامرأة العزيز، مشهد جرت تفاصيله داخل حجرة نوم امرأة العزيز، ومع ذلك لم يكن تركيز القرآن على أنواع العطور التي وضعتها، ولا الملابس التي لبستها، ولا على صنوف المغريات والمهيجات، ولكن التركيز كان مسلطًا على موقف الترفع والتسامي والاعتصام بالله، وتفضيل النوم وراء القضبان على النوم على الأثاث والرياش ونيل المتعة، فينبغي على الداعية أن يكون غاية همه ليس الفعل في ذاته، وإنما في الأضرار المترتبة عليه.

رابعًا: على الداعية أن يكون محيطًا بالموضوع الذي يتحدث فيه إحاطة كاملة من شتى جوانبه، وأن تكون عنده خلفيات عنه يحتفظ بها لنفسه، فليس كل ما يقرؤه أو يعلمه يتحدث به إلى الناس، وذلك لأن نسبة عالية من الشباب الذي يستمع إليه قرأ الكثير عن الموضوع الذي يعرضه، فإذا لم يشعر الشباب الذين يستمعون إليه أنهم أضافوا إلى معلوماتهم جديدًا، وصححوا مفاهيمهم الخاطئة من منطق الإقناع والحجة، فإن النتيجة ستكون فقدان الثقة بالداعية ومعلوماته معًا. ولعل في الكتاب الذي بين يديك وفي المراجع التي رجع إليها ما يعينك على كثير مما تريد، وفقني الله وإياك إلى سبيل الرشاد.. (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)[العنكبوت:69]
ـــــــــــــــ
بقلم/ عبد الرحمن واصل

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة