الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حقيقة الانتصـار

حقيقة الانتصـار

حقيقة الانتصـار

تُرى أي شيء يعنيه الانتصار بالنسبة لك؟ متى نقول إنك حققت نصرًا عظيما؟ إنه يعني تحقيق ما تتمناه أنت لا ما يتمناه لك غيرك ولو أبواك أو أقاربك. إنك تكون المنتصر عندما تحقق ما تتمنى أو تحلم به. لكن ما هو هذا الشيء الذي تحلم به وتتمناه؟ إنه قد يكون العيش في حياة كريمة وبإمكانيات معينة رفقة أسرتك وأفراد عائلتك، وقد يكون هذا الشيء الحصول على وظيفة معينة أو اقتناء سيارة من نوع معين، إنه قد يكون العيش في هذه الحياة الدنيا، حيث الفتن من هنا وهناك كقطع الليل المظلم، وأنت ملتزم بدينك، ولا شك أن الاستقامة على الدين هي أعظم مقصود وأفضل مرغوب.... المهم أن هذا الشيء ليس تافها بالنسبة لك، إنه منك ولك، وعليه مدار كل حركاتك وسكناتك، إنه يلازمك كظلك.
ويبقى السؤال المحوري هو كيف تحقق هذا الانتصار؟ كيف تحصل على هذا الشيء العظيم؟
طبعا لن يتحقق لك ذلك إلا بإنفاق وقتك كله بصورة مثمرة، لكن قد يصعب عليك أن تدرك الطريقة التي بها يتم ذلك. والواقع، كما أكدت ذلك معطيات وتجارب ذاتية خاصة، أن الطريقة التي تقضي بها يومك هي الطريقة نفسها التي تقضي بها بقية أيامك. وهنا يجب عليك لزاما أن تبحث لنفسك عن سبيل جديد لتغيير منهاج حياتك نحو تحقيق ما تصبو إليه، وأول ما ينبغي لك أن تقوم به هو التدوين بأمانة تامة لبرنامج عملك على مدى أسبوع واحد، وستجد أنك واحد من اثنين: إما من الذين يضيعون أوقاتهم من غير أن يعوا ذلك، أو أن تكون ذلك الإنسان الذي يعي حقيقة الوقت ويستفيد منه.

فإن وجدت نفسك ممن يستفيد من الوقت فاحمد الله على توفيقه وبقي ترتيب المهمات، وإن وجدت نفسك ممن يضيع الوقت وهو يحسب أنه يحسن صنعا فلست أنصحك أن تقسو على نفسك بداية، وتجنب أن تتخذ قرارات جذرية تمتنع معها من القيام بأعمال كنت تقوم بها كسهر لوقت متأخر من الليل، أو عمل كنت مواظبا عليه حتى صار جزءا من يومك؛ إذ إن ذلك من شأنه أن يشعرك بالذنب دون أن تتمكن من تطبيق قراراتك التي اتخذتها. والأنسب لك في هذه الحالة أن تنظم القيام بهذه الأعمال التي تعني لك ضياعا للوقت وأنت مترقب لها، حذر منها، والمهم ألا تندفع إليها وأنت تشعر أنك عاجز عن مقاومتها. حدد الوقت المناسب لمثل هذه الأعمال التي تقوم بها للتسلية، فأنت في حاجة إليها، لكن ينبغي أن تكون محددة في الوقت والمكان، اصرف جزءًا من هذا الوقت في العمل المحدد لبلوغ هدفك، ثم لا باس أن تنتقل إلى العمل التالي، وقد تجد صعوبة كبيرة في اعتياد ذلك، إنما لا بد من البدءِ بهذه الطريقة لتجد نفسك بعد مدة قصيرة قد ألفت ترك العوائد والمألوفات غير المرغوب فيها.

المراقبة والمحاسبة
لا بد من إعداد رسم بياني أو برنامج لما عليك القيام به كل يوم أو كل أسبوع أو شهر، مبينا عليه ما قمت به، وليكن هذا الرسم أو البيان قريبا منك ومعلقا على جدار غرفتك بحيث يسهل عليك أن ترى من خلاله مدى تقيدك بما حددته، ومدى تقصيرك في تنفيذ الهدف.
اعلم أنه لا بأس أن تجد نفسك مضطرًا أحيانا لإدخال بعض التعديلات، فذلك منطقي ما دام أن الإنسان لا يعلم الغيب ولا يمكنه أن يتوقع ما قد يحدث له في اليوم أو الغد فيؤثر على برنامجه، لكن احذر أن تقف مشدوها أمام تلك الأحداث والتعديلات.

إن تحديد الموعد لإنجاز عمل ما يعني استهداف التنفيذ في هذا الموعد بالضبط. على أنه ينبغي عليك عند تحديد موعد الإنجاز أن تأخذ طاقاتك وإمكاناتك وظروفك بعين الاعتبار، فلا تجعل هدفك قريبا حتى الاستهانة، ولا بعيدًا جدًّا حتى الاستحالة.. ومن ثم يوحي بضعف الثقة في النفس وانعدام العزم، وتأكد أنك تنبهت إلى جميع الصعوبات والعوائق المرتقبة في إطار الأهداف الأخرى في الفترة ذاتها.
إنك بهذه الطريقة في التخطيط والتنفيذ يكون لك جدول زمني للأعمال التي تنوي القيام بها، وإذا كان عملاً كبيرًا يتطلب وقتا طويلاً كحفظ أحزاب من القرآن الكريم أو حفظه كله، أو كإنجاز عمل روائي أو ديوان شعر أو غيرها مما يحتاج وقتا طويلا... قسم هذا العمل إلى أجزاء يمكنك إتمامها عبر مراحل، ثم بادر بعد ذلك إلى تنفيذ الخطوات الأخرى، واحدة تلو الأخرى، وقد يكون تحقيق هذا الهدف يتطلب خطوات مختلفة ليست كلها ذات أهمية واحدة، وهنا تأكد أنك تنفذ الخطوات بحسب أولوياتها وبحسب أهميتها مبتدءًا طبعا بأكثرها أهمية حتى أدناها، وهو ما يسمى بفقه الأولويات، ومن شأن مثل هذا التنظيم أن يدفعك إلى متابعة التنفيذ بدقة وإلى الحماس والاندفاع. إن كل خطوة تنقلك إلى الخطوة التي تليها.

وبوسعك إزاء ذلك أن تتأكد من حسن سيرك في التنفيذ، وهنا قد تجد أنك ربما سبقت المنهج الموضوع قليلا، أو أن عقبات حالت دون الوصول إلى المرحلة المسجلة على الجدول في الوقت المحدد، وعند ذاك بوسعك أن تدخل التعديلات المناسبة من إسراع في التنفيذ أو إبطاء، أو من تعديل المواعيد. إن منهاجك هذا الذي وضعته يجب أن يكون مرنا قابلا للتعديل بسبب انتقالك من عملك مثلا أو الخروج في رحلة أو عطلة أو عارض كمرض عافانا الله وإياك.
إن الأمر المهم في هذا التنظيم أو الأساس الذي يجب أن يستند إليه هو أنه عليك أن تعمل الآن، فلا تؤجل عمل اليوم إلى غد، والزم قول الشاعر البارودي:
بادر الفرصة واحذر فواتها .. ... .. فإنما نيل العز في الفرص
وقبل هذا وذاك الزم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك" رواه الحاكم وقال صحيح على شرطهما وصححه الألباني.

إنه بمثل هذا الأسلوب يمكنك أن تملأ فراغك، وتستفيد من يومك الذي يقول عند كل فجر: يابن آدم أنا يوم جديد وعلى عملك شهيد، فاغتنمني فإني لا أعود إلى يوم القيامة". إنه بمثل هذا الأسلوب تبعث الحياة في وقتك، وبالتالي ينبغي ألا يكون لك أي وقت مهما قصر تشعر فيه أنه ليس لديك ما تعمله، إنه بهذا الأسلوب في تنظيم الوقت تنشط وتتخلص من الملل الذي يشكو منه كثير من عباد الله، وتأكد أن من لا يحسن وقت الراحة لا يحسن قطعا وقت العمل.
ــــــــــــــــ
د. عبد الرحمن الخالدي

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة