الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

دور المنافقين في غزوة تبوك

دور المنافقين في غزوة تبوك

دور المنافقين في غزوة تبوك

بعد أحداث صلح الحديبية ، أصبح وجود المنافقين محدوداً ، فلم تعد تقوم لهم قائمة، ولم يكن لديهم من القوة ما يكفي لمحاربة المسلمين، وفي المقابل عاد المجتمع الإسلامي ليصبح أكثر قوة وأشد بأساً لا سيما بعد فتح مكة، حيث كثر الوافدون إلى الدين الحنيف بفضل الله تعالى .

ومن المؤسف أن رأس المنافقين عبد الله بن أبيّ كان لا يزال على قيد الحياة، والذي سعى بدوره لتنظيم صفوف حزبه، وبَذَل جهده لبناء قوة تمكنه من مواجهة المسلمين .

فلما حان وقت الخروج لغزو الروم، وجاء الأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج، بدأ المنافقون عملهم المتمثل في تخذيل الفئة المؤمنة وثنيها عما هي ماضية إليه ، فقد كان عدد المتخلفين من المنافقين في غزوة تبوك نحو ثمانين رجلاً، وكانت مصالحهم الدنيوية قد قعدت بهم عن الجهاد في سبيل الله.

وقد برز دور المنافقين في هذه الغزوة على ثلاث مراحل، مرحلة ما قبل النفير، ومرحلة النفير، والمرحلة الأخيرة : مرحلة ما بعد النفير وهي مرحلة وجودهم في المدينة.

المرحلة الأولى

أما دورهم قبل النفير فقد انصب على تخذيل الناس عن الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعوتهم إلى الركون للدنيا ، حيث كان الوقت وقت اشتداد الحر ، وقطف الثمار، وكان الناس يفيئون إلى ظلال الأشجار، وهو وقت ميلان النفوس إلى الدعة والكسل والراحة ، وقد وصف القرآن الكريم تلك الحال فقال تعالى: { وقالُوا لا تنفروا فِي الحر قل نَار جهنم أَشد حرا لو كانوا يفقهون } (التوبة:81) ، وقال تعالى: { ولو أَرادوا الخروج لأَعدوا لَه عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثَبطهم وَقيل اقعدوا مع القاعدين } (التوبة:46) ومن ثم نتج عن ذلك تخلف رهط من المنافقين، وعدد قليل من الصحابة، فلم يخرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأتوه يحلفون له ويعتذرون إليه، قال تعالى: { ومنهم من يَقول ائذن لِي وَلا تفتني أَلا فِي الفتنَة سَقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين } (التوبة:49)، وأما البقية من المنافقين فقد كانوا معه في المسير يقتنصون الفرص للكيد والإرجاف والتثبيط .

المرحلة الثانية

تمثل دور المنافقين في هذه المرحلة وهي مرحلة النفير في مخالفة الأوامر، وبث الفتنة والفرقة في صفوف جيش المسلمين ، والتكاسل عن المسير، وكان من أهم الأحداث التي حصلت محاولة اغتيال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

قال الله تعالى: { يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا وَما نقموا إِلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله فإن يتوبوا يك خيرا لهم وإِن يتولوا يعذبهم الله عذابا أَلِيما فِي الدنيَا والآخرة وما لهم في الأَرض من ولي وَلا نصير } (التوبة:74)، وقد أحبط الله تعالى مخططاتهم، بإطلاع نبيه عليها حين همُّوا بما لم ينالوا، فقد روى البيهقي في دلائل النبوة عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه ، قال : كنت آخذاً بخطام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أقود به و عمار يسوق الناقة ، أو أنا أسوق و عمار يقود به ، حتى إذا كنا بالعقبة إذا باثني عشر راكباً قد اعترضوه فيها ، فأنبهت رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فصرخ بهم فولوا مدبرين، فقال لنا رسول الله: ( هل عرفتم القوم ؟ قلنا : لا يارسول الله قد كانوا متلثمين ، ولكنا قد عرفنا الركاب . قال: ( هؤلاء المنافقون إلى يوم القيامة ، وهل تدرون ما أرادوا ؟ قلنا: لا، قال: أرادوا أن يزحموا رسول الله في العقبة فيلقوه منها. قلنا: يا رسول الله أولا تبعث إلى عشائرهم حتى يبعث إليك كل قوم برأس صاحبهم ؟ قال : ( لا، أكره أن تتحدث العرب بينها أن محمداً قاتل بقومه، حتى إذا أظهره الله بهم أقبل عليهم يقتلهم ) . ثم قال: ( اللهم ارمهم بالدبيلة ) قلنا: يا رسول الله و ما الدبيلة ؟ قال: ( هي شهاب من نار تقع على نياط قلب أحدهم فيهلك ) .

وبالرغم من وضوح هذه الجريمة الغادرة، تجلى موقف النبي - صلى الله عليه وسلم - العظيم تجاه هؤلاء النفر، بالتسامح والعفو عنهم، وذلك حفاظًا على سمعة الفئة المؤمنة ، ومخافة أن يقول الناس: إن محمدًا يقتل أصحابه.


المرحلة الثالثة

في المدينة وبعد الرجوع من تلك الغزوة أراد المنافقون استغلال غياب النبي صلى الله عليه وسلم، إذ كانوا يخططون لإقامة مركز خاص بهم، يأوي إليه أهل النفاق والشقاق، وهو مسجد الضرار، الذي وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بافتتاحه والصلاة فيه بعد العودة من تبوك، وأطلع الله تعالى نبيه على ما قصد إليه المنافقون من وراء إقامة هذا المسجد ، فبعث مَن يحرق مسجد الضرار، قال تعالى { والذِين اتخذوا مسجدا ضرارا وَكفرا وتفريقا بين المُؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أَردنا إِلا الحسنى وَالله يشهد إنَهم لكاذبون } (التوبة:107).

هؤلاء هم المنافقون، وهذا دورهم في هذه الغزوة ، وتلك هي شيمهم وأخلاقهم في كل زمان ومكان.

وقبل الختام، ادعوك أخي القارئ للرجوع إلى سورة براءة، تلك السورة التي سميت المُخزية والفاضحة والمُبعثِّرة للمنافقين، حيث كشفت جميع مخططات المنافقين وفضحت سلوكهم في قرآن يُتلى إلى يوم القيامة.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة