الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الإمام والدعوة

الإمام والدعوة

الإمام والدعوة

من المؤسسات القائمة على الدعوة إلى الله إن لم تكن من أهمها المساجد، تلك التي يرتادها المصلون عدة مرات في اليوم، والإمام هو صاحب الدور الفعال في هذه المؤسسة الدعوية الفعالة. فهل يستشعر الإمام ذلك؟ أم أنه كما يظن البعض غير مطالب بشيء سوى إمامة المصلين لا يتعداها؟ وكيف يقوم الإمام بالدعوة، وما هي المجالات التي يمكن أن يمارسها في الدعوة إلى الله؟ وماهي العقبات التي قد تعترضه؟ وكيف يتغلب عليها؟

هذا ما سنعالجه في هذا المقال.

أولا- أهمية دور الإمام في الدعوة إلى الله:

لا يخفى على كل مسلم دور الإمام في الدعوة وأهميته، فهو محل ثقة عند أغلب الناس، وذلك أدعى لقبوله وسماعه، ألا تراهم يصلون وراءه، ويستفتونه، ويستشيرونه، ويسرون إليه بأمورهم وأحوالهم، ويطلبون منه مساعدتهم وقت الملمات والشدائد بالدعاء وغيره، ويضعون معه أبناءهم وفلذات أكبادهم ليعلمهم الكتاب والسنة والفقه في الدين، إلى جانب الآداب والأخلاق.

ثانياً- مجالات الدعوة لدى إمام المسجد:

وتتوزع مجالات الدعوة لدى الإمام على الآتي:

1- الدعوة إلى الله من خلال التلاوة الطيبة، والصوت الحسن، مما يعين على الخشوع والتأمل والتدبر في كلمات الله، ويترك الأثر البالغ في نفوس المصلين، ومن ثم أولى بالإمام أن ينوّع في قراءته للقرآن، ويتخيَّر ما يرتله بناء على موضوعات محدده بالاستناد إلى معاجم موضوعات القرآن الكريم.

2- الدعوة إلى الله من خلال التزامه بالمواعيد، وعدم التفريط بمسؤوليته من الاهتمام بالمسجد، وتشويق الناس إلى ارتياده بكل الوسائل المتاحة، والعمل على جعل المسجد كما ينبغي مكان راحة نفسية، وسعادة روحية، وروائح زكية، ونظافة ملموسة، والتعاون مع غيره من القائمين على المسجد وأهل الحي.

3- الدعوة إلى الله من خلال تقوية علاقته بالمصلين، والبشاشة في وجوههم، والأنس بهم، وإشعارهم بمحبته لهم، والاهتمام بأمورهم، والعمل على حل مشكلاتهم من خلال ربطهم بدينهم وعبادتهم، واللجوء إلى خالقم سبحانه الذي بيده كل الأمور، إضافة إلى السؤال عن غائبهم، وعيادة مريضهم، وتشييع ميتهم، ومشاركتهم أفراحهم، مع ربط ذلك كله بالهدي النبوي الكريم.

4- الدعوة إلى الله من خلال دروسه ومواعظه التي يتخول الناس فيها مخافة السآمة والملل، ويوازن بين الأمور من غير إفراط ولا تفريط، ويعمل على التجديد والتنويع، والإتيان بالنافع المفيد، سواء من خلال الإلقاء تارة، أوالقراءة في بعض الكتب تارة أخرى، أودعوة شيخ فاضل أو داعية بعض الأحيان، مع عدم تجاهل المصلين وأهل الحي في المشاركة إن وُجد أهلٌ لذلك.

5- الدعوة إلى الله من خلال إقامة حلقات القرآن للصغار والكبار، من أجل كسب ما وعد به النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه ) رواه البخاري، وقوله: (وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ) رواه مسلم.

ولا يخفى ما لتلك الحلقات من أثر عظيم، يعود نفعه على الفرد والجماعة والأمة، فينشأ الجيل تحت كنف الملائكة، وحفظ الله، فلا يستطيع الشيطان إليهم سبيلا، فيأمن الناس والمجتمع الضرر والإجرام والوقوع في الحرام.

6- الدعوة إلى الله من خلال زيارة أهل الحي بالتعاون مع إخوانه رواد المسجد، والتركيز على غير المصلين من المسلمين وغيرهم، سعياً لهدايتهم، وإيصال الخير لهم، مع مراعاة الظروف والأحوال، واختيار الأوقات المناسبة، والكلمة الطيبة، والعبارة المؤثرة، وقبل ذلك سؤال الله لهم الهداية والصلاح.

7- الدعوة إلى الله من خلال أنشطته المتعددة في المسجد، فلا يقتصر على الإمامة والموعظة، والتعليم، والتوجيه، بل يسعى إلى إنشاء مكتبة مسموعة ومقروءة - ولو مصغرة -، يستفيد منها رواد المسجد، وغيرهم من أهل الحي، من خلال السماع والقراءة، أو الإهداء والإعارة، وعمل المسابقات في حفظ القرآن، والحديث، وغير ذلك من النافع المفيد.

ثالثا- عقبات تواجه الإمام:

أما العقبات التي قد تعترض الإمام عند قيامه بهذا الواجب الشرعي فهي في الغالب نفسها التي تواجه الدعاة، والتي نذكر منها:

1- جهل الناس وبعدهم عن تعاليم الإسلام وفهمه الصحيح، واختلاط المفاهيم لدى البعض، مما يشكل عقبة أمام الدعوة وقبولها، والتفاعل مع الدعاة.

2- تعدي بعض المصلين على صلاحيات الإمام، مما يجعلهم يتدخلون في توجيهه حسب رغباتهم وأهوائهم.

3- قلة المصلين في بعض المساجد، وعجلة البعض في الخروج من المسجد مما لا يشجع بعض الأئمة على القيام بالدعوة بينهم.

4- كثرة النقد وتتبع المثالب عند البعض مما يجعل بعض الأئمة يحجم عن القيام بجهد خوفا من التجريح والتشويه.

5- قلة المؤيد والمعين في بعض المساجد.

رابعا- وسائل التغلب على العوائق:

لا بد أن يعرف الدعاة وخاصة الأئمة أن طريق الدعوة إلى الله ليس مفروشا بالورود والرياحين، فقد يواجه الدعاة صعابا متعددة كما واجه الأنبياء والرسل، فعليهم أن يوطنوا أنفسهم على الصبر، واحتساب الأجر عند الله، فهم أصلاً لا يريدون أجرا من الناس، بل يريدون لهم الخير والهداية والصلاح، ومما يوصى به في هذا الموضع:

1- كثرة اللجوء إلى الله، وطلب العون منه.

2- الإكثار من العبادة بأنواعها من صلاة وذكر وإخلاص وغيره.

3- الارتباط بالعلماء العاملين، والدعاة الربانيين، والتنافس معهم على الخير والبر.

4- القراءة في سير السلف الصالحين من الأنبياء والصحابة والتابعين.

5- عدم التوقف أو الضعف في الدعوة إلى الله.

6- تنمية مفهوم الاحتساب وترسيخه في النفوس.

وأخيرا نقول إن دور الإمام في الدعوة إلى الله كثير سوى ما ذكرنا، ويعرفه كل صاحب همة ونشاط، وبذل وعطاء، وهم لا شك يتفاوتون في ذلك، حسب قدراتهم وإمكاناتهم العلمية والعملية، وحسب موقع مساجدهم، ونوعية المصلين عندهم، والمؤمن قوي بإخوانه، سائلين الله العون للجميع، والحمد لله رب العالمين.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة