الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الخطة "الإسرائيلية" بعد غزة

الخطة "الإسرائيلية" بعد غزة

الخطة "الإسرائيلية" بعد غزة

شعر ويشعر كل طفل فلسطيني بالانتصار مع خروج الاحتلال "الإسرائيلي" من غزة، ذلك أن تحرير أي شبر من فلسطين هو تأكيد على حق الشعب الفلسطيني في الحرية وإقامة الدولة الوطنية المستقلة.

وبينما تتزاحم الأسئلة حول مصير غزة، ودور السلطة الفلسطينية في المرحلة المقبلة، وعما إذا كانت بعض مناطق الضفة الغربية ستشهد انسحابات "إسرائيلية" في وقت قريب.. يبقى السؤال المركزي: ما هو مصير قضية فلسطين؟ وتالياً ما هو المشروع "الإسرائيلي" لغزة وللضفة الغربية في المدى المنظور.

ما بين فرحة الانتصار بخروج الاحتلال من غزة ومستقبل قضية فلسطين يبقى القلق سائداً داخل فلسطين وخارجها، لأن تحرير غزة هو حلقة في مسار طويل من المواجهة.

التضحيات لا تذهب سدى

مما لا شك فيه أن الانتفاضات الفلسطينية المتوالية لم تذهب سدى، وأن التضحيات الجسيمة التي قدمها شعب فلسطين ليست حالة عبثية أو انتحارية أو إرهابية، وما الانسحاب "الإسرائيلي" من قطاع غزة إلا إحدى نتائج الكفاح الفلسطيني الطويل الذي سوف يستمر إلى أمد غير محدد. لقد حوّل الفلسطينيون قطاع غزة إلى بركان ديمغرافي يصعب معه على الاحتلال والاستيطان أن يبقيا من دون خسائر، هذا عدا عن التعبئة الكفاحية التي أطلقتها فصائل المقاومة الفلسطينية والتي ابتكرت أساليب عدة في مواجهة الاحتلال.

كل هذا صحيح، ولكن الانسحاب "الإسرائيلي" من غزة يندرج في خطة وضعتها حكومة شارون وتقضي بإنجاز المشاريع الآتية:

1- التخلص من القنبلة الديمغرافية الفلسطينية، ووضعها داخل قطاع جغرافي محدود المساحة (365 كيلومتراً مربعاً) ضمن معابر محكمة الإغلاق، ومحكمة الرقابة الأمنية حيث تبقى ل"إسرائيل" حرية المراقبة والتدخل.

2- الشروع بتوسيع الاستيطان في الضفة الغربية، وخاصة في محيط مدينة القدس ضمن مخطط قديم بهدف تهويدها، وفصلها عن التجمعات السكانية العربية في جنين ونابلس وطولكرم والخليل وبيت لحم وغيرها. وكشف المراقبون وجود آلاف النقاط الاستيطانية الجديدة التي قد تمهد لإنشاء تجمعات استيطانية في المناطق الزراعية والغنية بالمياه العذبة. وعبثاً يحاول المفاوض الفلسطيني مطالبة الإدارة الأمريكية بالضغط على حكومة شارون لوقف الاستيطان، استناداً إلى التزامات "خريطة الطريق" التي صارت من الماضي بعدما تراجع دور اللجنة الرباعية الدولية، ونفذت خطة الفصل الأحادي من جانب الحكومة "الإسرائيلية" من دون مفاوضات مع الطرف الفلسطيني. إن أقصى ما تقوله الإدارة الأمريكية في هذا المضمار هو إنها ممتعضة ولا تشعر بالارتياح في حين تتوسع عمليات الاستيطان.

3- استكمال بناء جدار الفصل العنصري داخل الضفة الغربية بغية تحقيق هدف ضم القدس، ثم تقطيع أوصال الضفة تمهيداً لضم الكتل الاستيطانية إلى "إسرائيل". وفي النتيجة هل ستقوم دولة فلسطينية قادرة على الحياة -كما ألمح جورج بوش غير مرة- أم أنها باتت مستحيلة النشوء ثم البقاء؟ إن استمرار رصد الأموال لبناء الجدار المذكور، وامتهان كرامة الفلسطينيين يومياً، والإضرار بأرزاقهم، أمور خطيرة لن تحقق السلام الذي يريده المستوطنون ولو على طريقتهم. ومن المتوقع أن تتصاعد المواجهة بشأن الجدار في المرحلة المقبلة.

4- إظهار "إسرائيل" بأنها دولة تريد السلام، وتريد ثمن هذا السلام المزعوم. إنها تطالب الإدارة الأمريكية بدفع 2.2 مليار دولار ثمناً لإخلاء المستوطنات في غزة، وتحصل فعلياً حتى الآن على مليار دولار أمريكي، وبدلاً من أن تتحمل سلطة الاحتلال وزر هذه المسألة، وتقوم بدفع تعويضات لفلسطينيي غزة من جراء ما لحق بهم من أضرار مادية ومعنوية طوال ثمانية وثلاثين عاماً، نجد العكس من ذلك.

ولأن شارون "رجل سلام" كما ردد جورج بوش، فمن المتوقع أن يضع خطة لمكافحة الإرهاب الفلسطيني والأصولي في الضفة الغربية، وربما خارجها وصولاً إلى العراق ولبنان وأفغانستان وباكستان. وعليه فإن "واحة الديمقراطية" "إسرائيل" مطالبة بمزيد من التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة لمواجهة الإرهاب إقليمياً وعالمياً. أما السلام في الشرق الأوسط فلن يتحقق إلا بصون الأمن "الإسرائيلي"، ومفهومه واسع ومطاط إلى درجة أنه قد يطال وسط آسيا وشواطئ الأطلسي فوق مساحة جغرافية تتجاوز حدود الشرق الأوسط الكبير.

هذا لا يعني أبداً أن خروج الاحتلال من غزة هو خسارة، وإنما هو إنجاز فلسطيني وطني. ولكن لا بد للفلسطينيين، سلطة وفصائل مختلفة،

من مواجهة الحالة الجديدة بوحدة التخطيط والموقف. وهذه المهمة الفلسطينية تحتاج إلى دعم عربي، وخاصة من مصر والأردن، وإلى مؤازرة دولية على قاعدة إحياء الالتزامات التي حددتها الاتفاقات السابقة. فهل سيرتقي النضال الفلسطيني إلى إعلاء القضية على حساب مكاسب السلطة والتنافس على شرعية التمثيل الشعبي؟ وهل ستقوم مبادرات عربية محدودة أو جماعية لمساعدة الفلسطينيين على استكمال مشروعهم التحرري النضالي أم أن الحكومات العربية ستؤثر ترك هذه المسؤولية إلى أجيال قادمة؟

يمكن لقطاع غزة أن يشكل نقطة تحول جديد في النضال الفلسطيني لمصلحة القضية، ويمكنه في المقابل أن يجهض آمالاً كبرى عند شعب اغتصبت أرضه وأهدرت حقوقه الوطنية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

الخليج الإماراتية 30/8

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة