الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

خوف وقلق عند مواجهة الآخرين يؤثر على المستقبل

السؤال

قرأت في عدة مواقع عربية وأجنبية مختلفة عن مرض الرهاب الاجتماعي، ووجدت أنه يعبر تماماً عما أشعر به، فمعظم الأعراض المذكورة موجودة عندي إن لم يكن كلها.

بالرغم من أني خريج جامعي لم أستطع التغلب على هذه المشكلة! إذ أنني تخرجت بصعوبة بسبب الخوف والقلق من الأساتذة ومن بعض الطلبة، حتى أنني خسرت درجات كبيرة، لأني لم أقو على حضور الدروس التي كان يفترض أن ألقي فيها بريسنتيشن أو محاضرة.

المهم الآن مستقبلي المهني في خطر لنفس السبب، فلقد عرضت علي مناصب قيادية كثيرة، ولكني رفضتها جميعاً بالرغم من الامتيازات المادية والاجتماعية.

وليس هذا فحسب، بل إني أسعى لتفادي كل ما يمكن أن يضعني في موقف المواجهة مع الجمهور أو حتى المسئولين، بل أكثر من ذلك، فلا أقدر أن أقيم محادثة عادية مع الموظفين أو أي من المراجعين، وألجأ دائماً للاختصار في الكلام، واستخدام الإشارة في بعض الأحيان خوفاً من التلعثم أو الرجفة أو التعرق أو احمرار الوجه، وهذه الأعراض سريعة الظهور في أي موقف مع الغرباء خاصة.

سمعت عن وجود دواء للتقليل من الأعراض الظاهرية والتي أعتقد أنها السبب الرئيسي لاستمرار حالتي وهذا الدواء أو العلاج مكون من اندرال 40 ملغ، وسيروكسين 10 ملغ.

ولكن لم أجرؤ على أخذ أي منهما قبل معرفة الجرعة المناسبة والمدة، وهل يتعارض مع الدواء الذي أستخدمه حالياً للقولون العصبي ( مبفرين هيدروكلورايد 135ملغ ) ميباجن.

شاكراً لكم، ومتيقناً من أنكم نعم الناصح.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ الفاضل/ سلمان حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

لا شك أن الرهاب الاجتماعي يسبب الكثير من الصعوبات والإعاقة الاجتماعية لبعض الناس، ولكن صدقني أيها الأخ الفاضل هو أيضاً سهل العلاج، ويمكن التغلب عليه إذا توفرت الإرادة والإصرار على ذلك.

أنت -الحمد لله- استطعت أن تنجز، وقد أكملت تعليمك وقد تحصلت على وظيفة مناسبة، ومن الواضح أنك الحمد لله متطلع أيضاً لأن تكون في موقع وموضع أحسن مما أنت فيه.

أخي الفاضل! الرهاب الاجتماعي هو علة مكتسبة، وهو يمثل أحد أنواع القلق أو ما يعرف بقلق الرهاب، والعلاج يتمثل في الآتي: هنالك العلاج السلوكي وهنالك العلاج الدوائي.

بالنسبة للعلاج الدوائي، توجد الحمد لله الآن عدة أدوية ممتازة وفعّالة ومفيدة جدّاً، ولكن هذه الأدوية لابد أن تقرن بالعلاج السلوكي؛ لأن العلاج السلوكي يدعم العلاج الدوائي، وفي نفس الوقت يتميز العلاج السلوكي بأنه يقلل من فرص الانتكاسات بعد أن يتوقف الإنسان عن الدواء.

بالنسبة للعلاج السلوكي، هنالك العلاج في الخيال، وهنالك العلاج في الواقع، العلاج في الخيال هو أن تتخيل نفسك وأنت جالس في مكان هادئ ولوحدك، أنك تخاطب مجموعة كبيرة من الناس، أو أنه قد طلب منك أن تصلي بالجماعة في المسجد، أو أنه لديك مناسبة مثل مناسبة عرس أو فرح في البيت، وأنت مضطر بالتأكيد أن تقابل الضيوف وأن تكون في المقدمة وأن تكرمهم بقدر المستطاع، عليك أن تتصور هذه المواقف بعمق ودقة، ويجب ألا تقل فترة التفكير والتمعن عن نصف ساعة، خذ هذا الأمر بجدية كاملة، ومارس هذه التمارين بصفة يومية، وصدقني سوف تجد أنها قد جلبت لك الكثير من الفائدة.

ثم بعد ذلك انقل نفسك النقلة الواقعية، وهي في مكان العمل، تحدث مع نفسك وقل: إنني لا أقل عن الآخرين، وأنا الحمد لله في موقع القيادة، وفي موقع أن الآخرين ينظرون لي بالاحترام والتميز، فلابد أن أقدر ذلك، وفي نفس الوقت أرجو أن أؤكد لك أنك غير مرصود من الآخرين، وأن الآخرين لا يراقبونك، ولا تتصور أنك سوف تصاب برعشة أو أن هنالك احمرار في وجهك، أو أنك سوف تسقط، هذه الأفكار تأتي للناس، وأعرف أنها معيقة جدّاً، ولكن أرجو أن أؤكد لك يا أخي أنها كلها ليست كلها حقيقة، هي خيالات وتصورات ومشاعر مبالغ فيها تماماً، فأرجو أن تقلل منها وألا تعيرها اهتماماً أبداً.

أما بالنسبة للشق الثاني في العلاج وهو العلاج الدوائي، العلاج الدوائي –كما ذكرت لك– الحمد الآن لله توجد أدوية فعّالة جدّاً، وقد اتضح أن المخاوف مرتبطة لدرجة كبيرة لبعض الاضطرابات الكيمائية البسيطة التي تحدث لبعض الناقالات أو المُوَصِّلات العصبية ومن أهمها المادة التي تعرف باسم سيرتُنين.

حقيقةً يا أخي العلاج الأمثل هو الزيروكسات، وجرعته ليست 10 مليجرامات، إنما تبدأ بنصف حبة وهي 10 مليجرامات، ومن الأفضل أن تتناولها بعد الأكل، وبعد أسبوع ارفع هذه الجرعة إلى حبة كاملة وهي 20 مليجراماً، ثم بعد أسبوعين آخرين ارفع الجرعة إلى حبتين 40 مليجراماً في اليوم، وهذه الجرعة تعتبر جرعة مثالية جدّاً لعلاج المخاوف، وعليك أن تستمر على هذه الجرعة لمدة ستة أشهر على الأقل، ثم بعد ذلك ابدأ في تخفيض الجرعة بمعدل نصف حبة كل شهر حتى تتوقف عنه تماماً.
العلاج المصاحب للزيروكسات أو العلاج المساعد هو كما ذكرت الإندرال، ولكن النوع الذي أفضله من الإندرال يسمى بإندرال 80 LA، وهذا تتناوله بمعدل كبسولة واحدة في اليوم لمدة شهرين، ثم بعد ذلك كبسولة يوماً بعد يوم لمدة شهرين آخرين، ثم يمكنك التوقف عنه بعد ذلك.

لقد اتضح أيها الأخ الفاضل، أن ممارسة الرياضة أيضاً تساعد في التقليل من المخاوف، وربما يحدث من خلال تنشيط بعض المواد الكيمائية، ومنها السيرتنين كما ذكرت لك.

هنالك يا أخي أيضاً التواصل الاجتماعي غير المباشر، وهو عن طريق حضور حلقات التلاوة، على سبيل المثال، فهي إن شاء الله فيها خير كثير، وترفع من المهارة والمقدرات الاجتماعية لدى الإنسان، وبالتأكيد هذا سوف يقلل من المخاوف.

أرجو يا أخي أن تثق في نفسك بصورة أكبر، وأرجو أن أؤكد لك أنك -الحمد لله- لديك المقدرة، ولديك الأسس التي تجعلك تتخطى هذا الرهاب الاجتماعي وتتغلب عليه.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • السعودية عابر

    شكرا" اخي الله يشفي كل مريض انشاالله

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً