الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الخوف من الموت وما يصاحبه من أرق.

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله.

أنا أعاني من الخوف، وأحياناً لا أستطيع النوم من خوفي من الموت ودخول ملك الموت، وأظل أنظر إلى الباب أثناء النوم إلى أن أنام، أو أقوم بالاستغفار إلى أن أنام، وأي صوت عال مثل فتح الباب أحس بخفقان بقلبي، وخوف إلى أن أذكر اسم الله وأهدئ نفسي، وهذه الحالة تأتيني أثناء الليل إذا نام أهلي وظللت بمفردي، أما إذا أردت أن أنام وأهلي لم يناموا بعد فلا أخاف، وأنام وأطفئ الضوء، أما إذا كان أهلي نائمين فلا أستطيع إطفاء الضوء ولا النوم بسرعة.

هذه الحالة أتتني منذ 6 سنوات بعد مرض أخي، وكنت في فترة النفاس، علماً أني مطلقه مرتين، وقد زادت عليّ الحالة بعد زواجي الثاني، فكنت أحس بخوف من الموت بشكلٍ فظيع، وقبل ذلك كانت حالتي النفسية أفضل، أما بعد زواجي فكنت لا أستطيع النوم خاصة بمفردي، ولا أستطيع إطفاء الضوء وكنت جداً متعبة.

أريد علاجاً غير الأدوية!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ جمانة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فأنت تعانين بالطبع من علة المخاوف القلقية، وتمركز هذا الخوف حول الموت، ولا شك أن الموت مخيف، هذا أمر لا يستطيع أحد أن يجادل فيه، ولكن نحن -والحمد لله تعالى- عقيدتنا الإسلامية أوضحت لنا وبتفصيلٍ دقيق كل أمور الحياة وكل أمور الموت، وحياة البرزخ والآخرة، فالأمر واضح جدّاً وجلي - أيتها الأخت الكريمة - والخوف من الموت يجب أن يكون دافعاً للإنسان لأن يعمل لما بعد الموت، وهذه هي الحقيقة الأولى.

الحقيقة الثانية: أنا أتعاطف معك جدّاً؛ لأن هذا النوع من الخوف فيه الجانب المرضي، ولا شك في ذلك، وأعتقد أن إحدى مشاكلنا أن في بيئتنا هنالك الكثير من المغالطات حول الغيبيات وحول ملك الموت، وهنالك أمور أضرت بالناس كثيراً، ولكن الحقائق أيضاً موجودة، والحقائق يتلقاها الإنسان من العلماء وأصحاب المعرفة، ويجب أن نبتعد تماماً عن الكثير من المغالطات والأمور التي يروج لها من الكثير من الجهلاء.

فأقول لك أيتها الفاضلة الكريمة: الخوف من الموت لا يقدم في عمر الإنسان ولا يؤخر فيه ثانية واحدة، ونوعية هذا الخوف الذي تعانين منه هو خوف مرضي مرتبط بأمر القلق العام الذي تعانين منه، ولابد أن تبعثي في نفسك فكراً جديداً، ومشاعر جديدة، ومبادئ جديدة، تقوم على نفس الذي ذكرناه، وهو أن الموت لن يقدم في حياتي ولن يؤخر فيها، واسألي الله أن يبارك لك في أيامك، وأن ييسر لك العمل لما بعد الموت، وأن يحسن خاتمتك وخواتيمنا جميعاً...هذه هي المبادئ العامة.

المبدأ الآخر: وهو أنك في حاجة لعلاج دوائي، فالمخاوف من هذا النوع تحتاج للدواء، وأفضل دواء يُعالج هذه الحالات -والتي كثيراً ما تكون مرتبطة بما نسميه بالاضطراب الفزعي، وأعتقد أنه لديك درجة من هذا النوع من الهرع أو الفزع- يُعرف تجارياً باسم (سبرالكس Cipralex)، ويعرف علمياً باسم (استالوبرام Escitalopram)، فهناك دراسات كثيرة جدّا أشارت أنه مفيد، ومن الحياة العملية والتطبيقية أثنى الكثير من الناس على هذا الدواء، فأرجو أن تبدئي في تناوله، والجرعة المطلوبة في حالتك هي عشرة مليجرام، يمكنك أن تتناوليها صباحاً أو مساءً، والبعض يفضل تناولها في أثناء النهار، وبذلك الشركة المصنعة، ولكن الكثير من الناس يشتكون أنه يسبب لهم شيئاً من النعاس، وعموماً الخيار أمامك فإذا جلب لك النعاس تناوليه ليلاً، أما بخلاف ذلك فتناوليه نهاراً.

استمري على جرعة عشرة مليجرام لمدة شهر، ثم بعد ذلك ارفعي الجرعة إلى عشرين مليجراماً يومياً، واستمري عليها لمدة ستة أشهر أخرى، ثم خفّضيها إلى خمسة مليجرام – أي نصف حبة – يومياً لمدة شهر، ثم توقفي عن تناول الدواء.

الدواء ممتاز، وغير إدماني، وغير تعودي، ولا يؤثر على الهرمونات النسائية.

بجانب العلاج الدوائي أنت محتاجة أن تغيري نمط حياتك؛ كأن تتعرفي على الصالحات والفاضلات من النساء، وتحضري حلقات التلاوة في مراكز التحفيظ، وأن يكون لك نشاط اجتماعي بما تسمح به ظروفك، وأن تشغلي نفسك بأعمال البيت، وبالقراءة، وخاصة قراءة القرآن، فأرجو أن تكثري منها، والذكر، والصلاة... هذا هو المطلوب وليس أكثر من ذلك، وإن شاء الله تعالى تجدين نفسك أنك قد أصبحت أكثر طمأنينة، ويجب أيضاً أن تعالجي نفسك سلوكياً ً؛ بأن تطفئي الضوء عند النوم -وسوف تحسين بشيء من القلق- ثم قومي بعد ذلك بفتح الإنارة، ثم قومي بإطفائها مرة أخرى، وتذكري أن هنالك أناساً يعيشون في الظلام، وأن رواد الفضاء يذهبون إلى أماكن بعيدة جدّاً وهم في ظلام دامس، فيجب أن تنقلي نفسك فكرياً وتقومي بهذه المقارنات المهمة جدّاً، وتحقري فكرة الخوف.

المبدأ العلمي يقول أن الخوف من الشيء يعالج بمواجهته، أما التجنب فهو يزيد ويدعم السلوك المرفوض.

أنا بالطبع أتعاطف معك وأقدّر كثيراً الظروف الاجتماعية التي مرت بك، وأسأل الله تعالى أن يكتب لك حياة هانئة وسعيدة.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيراً، ونسأل الله لك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً