الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بسبب المشاكل العائلية أصيب أخي باكتئاب شديد

السؤال

السلام عليكم.

أخي يعاني من اكتئاب شديد، بعد خطبته ظهرت مشاكل أسرية بخصوص خطيبته بمرض في رأسها مما أدى به للإصرار على الزواج بها، وهكذا تم الزواج، وبعد مرور أربعة أشهر بدأت مشاكل أخرى تطفو على سطح العلاقة الأسرية لأنه يعيش معنا في البيت، ومن هنا طلبت زوجته الذهاب إلى بيتها؛ مما جعله يصاب بحالة إحباط، وأصبح مسلوب الإرادة لا يعرف ماذا يفعل؟

ذهب به الوالد إلى مستشفى الأمراض النفسية فازداد حاله لما رأى المرضى هناك، وبعد 3 أيام عدنا به إلى المنزل ليجد زوجته قد تركت البيت، فجن جنونه وصار كل يوم يختنق ولا ينام الليل، يبقى يهمهم ويفكر ولا يريد شرب الدواء، ولا يريد التحدث، ثم يعود لحالته العادية حتى نقول أنه قد شفي، فينقلب من جديد، لا يأكل إلا القليل، ويدخن بشراهة.

بصراحة الأسرة أصبحت كلها تعيش حالة اكتئاب؛ لأنه لا يريد المساعدة فقط، يريد أن يدخن، كان يصلي والآن يومًا يصلي ويومًا لا، حيرنا معه، ولا نعرف ماذا نفعل؟ وكيف نتعامل معه؟ حتى يتقبل فكرة العلاج، وكذا خروجه من العزل الذي يعيش فيه.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حسن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أشكرك على اهتمامك بأمر أخيك، والذي أسأل الله تعالى له العافية والشفاء.
أخِي الكريم: معظم الحالات النفسية يكون سببها أن بعض الناس لديهم القابلية والاستعداد لهذه الأمراض النفسية، وهذه نسميها بالعوامل المهيئة، أي البناء النفسي للإنسان وموروثاته الجينية، وأبعاد شخصيته قد تلعب دورًا وتجعله عُرضة للإصابة بحالات نفسية كالاكتئاب مثلاً.

وتأتي بعد ذلك ما يُسمى بالعوامل المُرسِّبة، أي الأسباب الحياتية خاصة ذات الطابع السلبي، وهذا الأخ –مع احترامنا وتقديرنا الشديد له ولزوجته الكريمة– يظهر أن هناك صعوبات زوجية، والصعوبات الزوجية تُعتبر عاملاً مرسِّبًا أساسيًا للإصابة بالاكتئاب النفسي إذا توفَّرت العوامل المُهيئة، وأعتقد أن هذا هو الوضع في هذا الأخ، هذا من ناحية.

ومن ناحية أخرى: هذا الأخ ربما يكون يحتاج أيضًا لفحص نفسي دقيق، لأنك ذكرت أنه تأتيه لحظات من التحسُّنِ ثم ينقلب من جديد، وهذا نشاهده في حالات نفسية تُعرف بالاضطراب الوجداني ثنائية القطبية، وهذا المرض له معايير تشخيصية، وله عُدة تقسيمات وجزئيات، وغالبًا هؤلاء المرضى لا يستجيبون بصورة جيدة لمضادات الاكتئاب فقط، إنما يحتاجون لأحد مُحسِّنات المزاج ومثبتاتها.

فيا أخِي الكريم: نحن الآن نحتاج لأمرين؛ أولاً: أن يتم إعادة فحص أخيك هذا للتأكد هل هو يعاني من اكتئاب نفسيٍ آحادي القطب؟ أم يُعاني من الحالة الأخرى، والتي تُعرف بالاضطراب الوجداني ثنائي القطبية؟ أي أن هناك قطبا اكتئابيا لكن ربما يكون لديه قطب انشراحي من الدرجة البسيطة في ذات الوقت، وهذا له علاج، وذاك له علاج. هذه هي النقطة الأساسية.

والنقطة الأخرى: أن تحاولوا من جانبكم أن تساعدوه بقدر المستطاع فيما يخص علاقته الزوجية، أنا أعتقد أن أهل الزوجة يمكن أيضًا أن يساعدوه في هذا الأمر، وبشيء من اللطف والود والصبر والدعاء يمكن أن يصلح ما بينهما، قال تعالى: {وإنْ خِفتم شقاق بينهما فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها إن يُريدا إصلاحًا يُوفِّق الله بينهما}، وقال تعالى: {فلا جناح عليهما أن يُصلحا بينهما صلحا والصلح خير}.

أعتقد أن هذا هو المنهج، وهذا هو المبدأ، فابذلوا الجهد في هذا السياق، وقدموه للطبيب النفسي –مرة أخرى– وقطعًا مساندتكم الأسرية ستعود عليه بالصحة والعافية إن شاءَ الله تعالى.

قطعًا التدخين له مضار كثيرة جدًّا، لكن حين يُثبَّتَ مزاجه ويتحسَّن أعتقد أنه ربما يستوعب كم أن التدخين مضر، وكم أن الصلاة واجبةً ومفيدة، وأن تأخذوا بيده أعتقد أن ذلك هو المطلوب، قال تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى}، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه).

باركَ الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً