الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

شاب يصاب بنوبات الهرع الحاد إثر وفاة قريب له

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا رجل في 25 من العمر، من سكان مدينة الرياض، من عائلة معروفة، متزوج من قرابة سنة ونصف، وليس لدي أطفال، وضعي المادي ممتاز جداً ولله الحمد.

أعرض لكم مشكلتي التي أعاني منها حتى الآن من قرابة (سنة وثلاثة أشهر)، وهي كالتالي: بداية حدوث ذلك معي من سنة، كنت في مسجد الراجحي بالربوة يوم الخميس الظهر، للصلاة على ابن عمي - رحمه الله - المقارب لي في السن، بداية دخولي المسجد كان الوضع طبيعي جداً، بدأ الناس بالدخول وامتلأ المسجد بالناس، أقيم للصلاة بعد التكبير ودخولي في الصلاة بحدود دقيقة، أحسست بأني غير قادر على التنفس، ونبضات قلبي أخذت بالتسارع، قطعت الصلاة، واخترقت صفوف المصلين إلى أن خرجت من المسجد، وصعدت للدور الثاني حيث كنت مستمراً في هذه الحالة لكن أقل من الماضية.

خرجت من المسجد، قدت السيارة إلى المقبرة، عند دخولي باب المقبرة أحسست بنفس الشيء، وكان معي أحد الإخوان وقام بقيادة السيارة حتى وصلنا لمكان الدفن، لم أستطع النزول من السيارة، بقيت فيها حتى نهاية الدفن، بعدها عدت إلى المنزل وكان يقود السيارة أخي، دخلت البيت، كنت متأثراً جداً، بدأت أشعر بأني سأفقد الوعي أو سيحصل لي شيء (بدأت أفكر بالموت)، لم أستطع الخروج لصلاة العصر في المسجد لخوفي أن يحصل لي ما حصل في مسجد الراجحي.

المهم: مضى أسبوع دون أن أحس بذلك وفي آخر الأسبوع وكان يوم الجمعة في حدود الساعة 2 الظهر، دخل أحد الإخوان البيت وفي حديثه مع الوالدة قال: (كنت أزور – فلاناً - مريضاً في بيته، وحتى أنه ما قدر يروح لصلاة الجمعة) في هذه اللحظات وأنا ساكت حدثت نفسي بأني حدث لي ذلك اليوم ما حدث في المسجد، أخاف أذهب لصلاة الجمعة وهي بنفس تجمع الناس، ويحصل لي هذا!

المهم في بداية الأسبوع وكان على ما أعتقد يوم الأحد أو الإثنين، كان لدي محاضرة في الكلية صباحاً حتى الساعة العاشرة، رجعت بعدها للبيت لإحضار بعض الكتب، عدت للكلية لصلاة الظهر، صليت في مصلى الكلية، كانت الأمور بالنسبة لي تمشي طبيعية، خرجت من المصلى، صعدت الدرج للطابق الثاني - الذي يعتبر بمثابة الثالث - بعد أن وصلت للدور المطلوب، أحسست بأن تنفسي ضاق وأخذت نبضات قلبي بالتسارع، جلست أذكر الله هدأت، ذهبت للمحاضرة، استمرت المحاضرة ساعتين.

بعد الخروج من الكلية ذهبت للمنزل، بعد الغداء ذهبت لصلاة العصر، أحسست بما أحسست به في مسجد الراجحي ذلك اليوم، لكن كان في آخر الصلاة، بعد السلام خرجت من المسجد مسرعاً وعدت للبيت، كانت الأمور طبيعية.

علماً بأني معتدل دينياً لا إفراط ولا تفريط، أصبحت لا أذهب للصلاة إلا متأخراً حتى لا أطيل البقاء في المسجد، لأني أحس أنه ببقائي في المسجد وقتاً طويلاً سأحس بذلك، منذ ذلك الوقت وأنا مهتم بهذا الأمر وأصبح يؤرقني كثيراً، نقص وزني، أصبحت متوتراً عصبياً، علاقتي مع زوجتي أصبحت متوترة، إذا رأيتها أتضايق، لا أريد أن تكلمني إلا في الضروري والمهم.

لجأت للرقية على نفسي، راجعت أحد المستشفيات الكبيرة، حللت أكثر من مرة، لكن لم أعرف السبب، ذهبت لاستشاري قلب، عملت تخطيطاً للقلب، لم يتضح السبب، وأوصاني استشاري القلب بمراجعة طبيب نفسي؛ لأن الحالة حسب تشخيصه نفسية أكثر من عضوية.

إذا كنت في السيارة وحدي وعند إشارة مرور مزدحمة، أو في ازدحام مروري، أحس بأني سأفقد الوعي، وتزيد نبضات قلبي، فألجأ إلى تشغيل الراديو أو جهاز التسجيل، والاتصال بالجوال على أحد الأصدقاء للحديث معه، إضافة إلى أني أصبحت أتجنب أماكن الازدحام كالدوائر الحكومية، والبنوك، أتمنى أن أذهب للعمرة لكن أخاف أن يحصل معي هذا الشيء.

منذ سنة لم أخرج من الرياض إلا مرة واحدة لمدة أسبوع كانت لإحدى الدول العربية ومع أحد إخواني، وبعد إلحاح من الوالد بضرورة ذهابي للاستجمام لعله يعود بالفائدة، وكنت أحس هناك بهذا الإحساس لكن أقل وأقنع نفسي أني مع أخي فلماذا الخوف، وإن حصل شيء فهذا مكتوب لي.

ملاحظة: كان لدي فترة الطفولة حتى سن 18 خجل، وعدم حب للخروج وكنت أكتفي فقط بالخروج للمدرسة والمسجد إلى أن أصبحت في الكلية ألزمت نفسي بالخروج أكثر، لكن أجد أني أميل للعودة للبيت، وأعتذر دائماً بالمذاكرة وأجدت نفعاً في مجال التحصيل العلمي، فأصبحت متفوقاً، لكن ما فائدة التفوق والعلم الذي حصلت عليه بدون جرأة، ونفسية مخلخلة، وشعور دائم بأني سأفقد الوعي!؟ حصلت على درجة عليا في دراسة القانون، لكن ما الفائدة من شهادتي هذه وأنا بهذه الحالة!؟

ملاحظة: نؤمن أن العين حق، عرضت موضوعي على أحد المشايخ فقال لعله عين، ما دمت لا تطيق زوجتك (حسبي الله ونعم الوكيل)، أصبحت أحس أن كل شخص رث الملبس أو غير مهتم بترتيبه لشخصيته أنه قد يصيب بالعين.

ملاحظة: من حوالي أسبوع ذهبت لأحد أخصائيي الباطنية فأجرى الفحوصات وكتب لي حبوب Inderal40، ولم أجدها فكتب بديلاً عنها حبوب كنكور 5.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Saeed حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

جزاك الله خيراً على رسالتك التفصيلية، والتي جعلت من السهل جداً تشخيص حالتك، وهو أن الذي حدث لك في داخل المسجد ينطبق تماماً على ما يعرف باسم نوبات الهرع الحاد، وهو نوع من القلق النفسي الشديد والغير محتمل، والذي يؤدي إلى الشعور بقرب المنية في بعض الأحيان .

الأعراض الجسدية المصاحبة للهرع هي ناتجة عن إفراز مادة كيميائية تُعرف باسم أدرنانيل، والتي تؤدي إلى تسارع في ضربات القلب.

أما الأعراض التي تلت هذه النوبة وتمثلت في شعور عام بالمخاوف والرهاب، فهي جميعها مرتبطة ببعضها البعض، ومن الواضح أن لديك الاستعداد لمثل هذه الحالة النفسية، وهذا الاستعداد مصدره البناء النفسي لشخصيتك، والذي أعقبه أحداث حياتية هامة، مثل وفاة ابن عمك عليه رحمة الله.

أرجو أن أؤكد لك -أيها الأخ الكريم- وكما ذكر طبيب القلب أن حالتك نفسية مائة بالمائة، ويمكن علاجها بإذن الله تعالى بواسطة الأدوية النفسية الحديثة والسليمة والغير إدمانية، والدواء الذي أود أن أصفه لك يُعرف باسم سبراليكس، وجرعته هي 10 ملجم ليلاً لمدة أسبوعين، ثم ترفعها إلى20 عشرين ملجم ليلاً لمدة ستة أشهر، بعدها يمكن أن تخفض الجرعة إلى 10 ملجم يومياً لمدة ثلاثة أشهر، وهنالك دواء آخر مُساعد للسبراليكس، ويُعرف باسم بوسبار، أرجو أن تتناوله بجرعة 5 ملجم صباح ومساء لمدة شهر، ثم ترفع الجرعة إلى 10 ملجم صباحاً ومساء لمدة ستة أشهر . (هذه الأدوية متوفرة بالرياض، وهي مفيدةٌ جداً بإذن الله).

بجانب العلاج الدوائي لابد أن تُعالج نفسك سلوكياً، وذلك باقتحام مواقع ومواقف الخوف وعدم تجنبها، حيث أن هذه الطريقة أثبتت جدواها من الناحية العلمية، وسوف تسهل لك الأدوية كثيراً القدرة على المواجهة .

لقد وُجد أيضاً أن ممارسة تمارين الاسترخاء مفيدةٌ جداً، فيمكنك الحصول على أحد الأشرطة أو الكتيبات التي ترشد لكيفية ممارسة هذه التمارين .

لا شك أن العين حق، ولكن أرى أن حالتك هذه هي حالة طبية بحتة، فعليك بالعلاج والأخذ بالأسباب، مع التوكل، والرقية الشرعية، والدعاء، والتمسك بمتطلبات العقيدة .

أرى أن انفعالاتك نحو زوجتك مُرتبطة بالقلق والتوتر، وسوف تزول بإذن الله بالعلاج، ولا شك أنك سوف تسعى دائماً لأن تحترمها وتحسن إليها .

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً