الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما نصيحتكم للوالد الذي يدلل الأولاد ويلبي كل مطالبهم؟

السؤال

أريد تعويد ابني على تقبل العيش برضا في اليسر والعسر، فلا أجيب كل مطالبه غير الضرورية بشكل فوري، وأحياناً إن توفرت القدرة المادية أطالبه بفعل إيجابي في المقابل، أو الصبر لبعض الوقت، أو الانتظار لحين ملاءمة الظروف.

في المقابل يرفض أبوه هذا الأسلوب، ويريد أن يوفر له لحظياً كل ما يطلب، حتى وإن كان من العسير تنفيذه.

أنا أرى أن ذلك خطأ، وقد فشلت في إقناع الأب، فهل من مساعدة لمعرفة بعض قصص السلف الصالح، والتي تتضمن مواقف لتهذيب النفس رغم رغد العيش والاستطاعة؟ أو أحاديث من السنة تنهى عن ترفيه الأولاد الزائد بدون مسؤولية، أو جهد مبذول، للاستدلال بها لإقناع الأب؟

جزاكم الله خير الجزاء.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ الشيماء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بدايةً، مقاربتك في تربية ابنك على التحمل والصبر، والقناعة باليسر والعسر هي منهج تربوي حكيم، يعزز القيم الإسلامية في نفوس الأبناء، التربية على الاعتدال في تلبية الرغبات، تساعد على تنمية الشخصية القوية والمسؤولة.

يقول الله تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) [التوبة:105]، فربط سبحانه وتعالى الفلاح بالعمل، كما يمكن الاستشهاد بقوله تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) [الكهف:28]، هذه الآية تشير إلى أهمية الصبر والمصابرة.

عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ، وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ) رواه البخاري ومسلم، هذا الحديث يدعو إلى الاكتفاء الذاتي وعدم الإفراط في تلبية الرغبات.

أما عن الاستدلال بالأمثلة من سير السلف الصالح والأحاديث النبوية، فهناك العديد من المواقف والأحاديث التي يمكن أن تساعد في تقديم نموذج تربوي متوازن:

1. الصحابي الجليل علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كان علي رضي الله عنه من الثلاثة الذين انتدبهم النبي صلى الله عليه وسلم، لمبارزة رؤوس قريش في غزوة بدر الكبرى، وهو لا يزال في مقتبل شبابه، كما أعطاه الراية يوم أحد (عام 3 هـ) بعد استشهاد مصعب بن عمير رضي الله عنه، وهو من الذين ثبتوا حول النبي صلى الله عليه وسلم، بعد نزول الرماة من الجبل، وإحاطة خالد بن الوليد بجيش المسلمين، وقبل ذلك كلفه النبي صلى الله عليه وسلم، بالنوم على فراشه في قصة الهجرة.

2. الصحابي أسامة بن زيد رضي الله عنهما: أسامة بن زيد كُلف بقيادة جيش في سن الثامنة عشرة، وهو جيش انضم فيه العديد من الصحابة الكبار، كان تعيينه قائداً في هذا السن دليلاً على الثقة العالية التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يضعها في الشباب، وهذه القصة تعلمنا أن النضج والقدرة على التحمل لا تقتصر على السن، بل تعتمد على القدرات والإيمان.

3. الصحابي الصغير معاذ بن عمرو بن الجموح رضي الله عنه: كان أحد الصحابة الذين شهدوا معركة بدر، وكان لا يزال في سن المراهقة، وُصف بأنه أحد الأمثلة على الشجاعة والاستعداد للدفاع عن الدين حتى في أصعب الظروف.

4. الصحابي عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: شارك في عدة معارك منذ صغره، وكان دائم الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، في جميع تصرفاته، عُرف بحماسته لاتباع السنن وتطبيقها في حياته، وكان يحرص دائماً على تتبع السنن، والعمل بها مهما كلفه الأمر.

هذه بعض الأمثلة التي تعزز قيمة العمل والاعتماد على الشباب في مقتبل حياتهم، وبداية مراهقتهم، وإعدادهم ليكونوا قادة ورواداً في المجتمع المسلم.

5. من القصص التي يمكن الاستدلال بها في هذا المقام قصة عمر بن الخطاب مع ابنه عبد الله عندما طلب شراء شيء رآه في السوق، فقاله له عمر رضي الله عنه: (أو كلما اشتهيتم اشتريتم)؟! وهو نوع من التعويد على شراء ما يحتاجه لا كل ما يرغب به، ومن المقولات المأثورة في هذا الباب: (اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم)، وهو مما اشتهرت نسبته لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، وإن كان لم يثبت عنه، إلا أنه قول حكيم يمكن الاستدلال به، والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها.

6. كان الصحابة الكرام يرسلون أولادهم للبادية في مقتبل حياتهم؛ حيث كانوا يستأجرون لهم المرضعات، ويعيشون في البادية سنوات حياتهم الأولى ليتعلموا الاعتماد على النفس، والتعامل مع الحياة على طبيعتها وسجيتها الفطرية.

لإقناع الزوج بأهمية هذه المبادئ، يمكنكِ تنظيم جلسة هادئة حيث تناقشين هذه الأمثلة والأحاديث، وتشرحين له فيها كيف أن تربية الأبناء على الاعتدال والقناعة، تجعلهم أكثر استعدادًا لمواجهة تحديات الحياة.

كما أن الوصول إلى اتفاق مع الزوج حول منهج التربية يعتبر من الأمور الأساسية لضمان بيئة مستقرة وصحية لنمو الأطفال، وهنا بعض النصائح التي يمكن أن تساعد في تحقيق هذا الاتفاق:

1. حاولي إيجاد وقت مناسب للنقاش الهادئ معه، بعيداً عن الضغوط اليومية، حيث يمكنكما التحدث بصراحة واحترام، ومن المهم أن يشعر كل منكما بأن قوله مسموع، وأن آراءه محترمة.

2. يمكن استخدام أمثلة من السيرة النبوية، وقصص السلف الصالح، كأدلة على أهمية الاعتدال والصبر في التربية، هذه الأمثلة التي سردناها آنفاً، يمكن أن توضح كيف أن العمل وبذل الجهد كانا جزءاً من حياة العديد من الشخصيات الإسلامية البارزة.

3. تحديد الأهداف المشتركة لتربية الأبناء، يمكن أن يساعد في توحيد الرؤى بين الزوجين، وتكون هذه الأهداف لتعليم الأبناء القيم الإسلامية، وتنمية مهاراتهم الحياتية، وتعزيز استقلاليتهم.

4. قد يكون من المفيد أن يظهر كل منكما بعض المرونة في التعامل مع الخلافات، والتوصل إلى حل وسط يمكن أن يساعد في تعزيز الوحدة والتفاهم داخل الأسرة.

5. في بعض الأحيان، قد يكون من المفيد الحصول على رأي خارجي من مستشار تربوي، أو شخصية دينية تحظى باحترامكما، هذا يمكن أن يقدم وجهات نظر جديدة ويساعد في حل الخلافات.

6. الدعاء إلى الله بأن يوفقكما في تربية أبنائكما ويجمع بينكما على الخير، فهذا له أثر بالغ، والصبر أيضاً من الضرورة بمكان؛ لأن التوصل إلى اتفاق يمكن أن يستغرق وقتاً وجهداً.

بعون الله، ثم بالتواصل الجيد والنية الصالحة، ستتمكنين من التوصل إلى تفاهم مشترك، يساهم في تربية صالحة لأبنائكما.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً