الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أمي أصبحت بعد الزهايمر تتلفظ بكلام فاحش، فما دلالة ذلك؟

السؤال

السلام عليكم.

أمي أصيبت بالزهايمر، وتتلفظ بالكلام الفاحش جداً، علماً بأنها قبل إصابتها كانت ملتزمة بصلاتها وقيامها، وقراءتها للقرآن، وأيضاً القيام ببعض الأعمال الخيرية.

هل هذا يدل على سوء الخاتمة؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ جميلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

سعدنا بهذا الاهتمام بأمر الوالدة، وحقُّ الوالدة عظيم، فهي صاحبة أكبر حق علينا بعد الله تبارك وتعالى، ولها البر المضاعف، والله العظيم ربط طاعته ببر الوالدين، وعبادته بحسن التعامل معهم، قال في كتابه: {وقضى ربك ألَّا تعبدوا إلَّا إيّاه وبالوالدين إحسانًا}، وقال العظيم: {واعبدوا الله ولا تُشركوا به شيئًا وبالوالدين إحسانًا}، فنسأل الله أن يرزقنا برّهم في حياتهم وبعد مماتهم.

بالنسبة للوالدة وقد أُصيبت بالزهايمر -نسأل الله أن يكتب لها العافية والسلامة- لا تُؤاخذ بما يصدر منها، مهما حصل منها فلا تُؤاخذ، وليس في هذا دليل على سوء الخاتمة؛ كونها تتلفظ أو تذكر كلامًا فاحشًا بعد أن أُصيبت بهذا المرض فهذا لا يضرّها، بل نرجو أن يكون في المرض كفّارة لها، والله تبارك وتعالى جعل العقل مناط التكليف، فالإنسان إذا فقد عقله سقطت عنه التكاليف.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يُعينكم على برها والإحسان إليها، والقيام بواجبكم تجاهها، ونسأله تبارك وتعالى أن يختم لنا جميعًا بخاتمة السعادة أجمعين.

أكرر: لا ذنب على الوالدة، ولا تُؤاخذ في كل ما يصدر منها، بل ستمضي -إن شاء الله- على ما كانت عليه من الصلاة والقرآن والخير وفعل الخيرات، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يُحسن ختامنا، وأن يُحسن خلاصنا.

نبشرك بأن بر الوالدة مستمر، وأن صبركم عليها من أوسع أبواب البر، بل إن من رحمة ربنا الكريم أن برّنا بآبائنا وأمهاتنا لا ينقطع حتى بعد موتهم، إنما يستمر بالدعاء لهم، والصلاة عليهم، والاستغفار لهم، وصلة الرحم التي لا تُوصل إلّا بهم، وإكرام صديقهم، وإنفاذ عهدهم، والقيام بصنوف أعمال الخير مثل: العمرة والحج، وغيرهما، كلّ هذا نستطيع أن نقدمه لآبائنا وأمهاتنا، ونسأل الله أن يعينك على البر، ونكرر لك الشكر على هذا السؤال.

وأرجو ألَّا تتحرجي ممّا يحصل من الوالدة، فإن هذا الذي يحدث منها خارجٌ عن إرادتها، ولا تحاسب عليه، ولا تُساءل بين يدي الله تبارك وتعالى، وليس فيه ما يدلُّ على سوء الخاتمة؛ لأنا لا ندري متى تكون الخاتمة، لكن أرجو أن يكون في هذا المرض كفّارة لها، فما من مصيبة يُصاب بها المؤمن، حتى الشوكة فما فوقها إلَّا كفّر الله بها عنه من خطاياه، والمرض لا يزال بالإنسان -أحيانًا- حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة.

نسأل الله أن يغفر لنا ولها، وأن يختم لنا بخاتمة السعادة أجمعين، ونكرر لك الشكر على التواصل مع الموقع.
__________________________________________
انتهت إجابة د. أحمد الفرجابي... مستشار الشؤون التربوية.
وتليها إجابة د. محمد عبد العليم... استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان.
__________________________________________

يظهر أن والدتك قد وصلت إلى مرحلة متقدمة، أو على الأقل المرحلة المتوسطة من متلازمة الزهايمر، والزهايمر كسبب رئيسي للخرف ليس فقط بتدهور في الذاكرة كما يفهم الكثير من الناس، إنما هو تغيُّر كُلّي في شخصية الإنسان وسلوكه وتصرفاته، وقد يكون هذا المرض مستصحبًا ببعض الأعراض الذُّهانية كالشكوك، وما يُعرف بالضلالات –أي الظنان الكاذب–، وسوء التأويل، وأيضًا قد يكون مستصحبًا بهلوسات سمعية، أو هلوسات بصرية، وعلى ضوء ذلك –أي على ضوء هذه الهلوسات– قد يبدأ بعض الذين أصيبوا بهذه المتلازمة في الاستجابة لأصواتٍ يسمعونها، أو الاستجابة لأناس يرونهم، وطبعًا هذا كله نوع من الهلاوس، وعلى ضوء ذلك قد يتلفظون بألفاظ فاحشة جدًّا، لمواجهة ما يسمعونه أو يرونه، أو ما يطرأ عليهم على مستوى العقل الباطني.

هذه الظاهرة التي تصدر من والدتك ليست مستغربة، طبعًا هي تدل على تقدُّم المرض، ولا شك في ذلك أبدًا، لكن لا تدلُّ أبدًا على سوء خاتمة –أو شيء من هذا القبيل– والله أعلم؛ لأن هذه المشاهدات نعرفها ونُشاهدها كثيرًا في هذا المرض.

لذا يحرص الأطباء النفسيون المختصون بمعالجة متلازمة الزهايمر، على مساعدة الأسر بقدر المستطاع، طبعًا تدهور الذاكرة قد لا يستطيع الطبيب أن يُقدم الكثير فيما يتعلق به، بخلاف بعض التوجيهات البسيطة، لكن مثلًا الشكوك، الظنانيات، اضطراب النوم الشديد، هذا يستطيع الأطباء تقديم النصح، وكذلك كتابة بعض الأدوية لهؤلاء المرضى.

أنصحك –أيتها الفاضلة الكريمة–: بأن تذهبوا بوالدتكم إلى الطبيب، أو الطبيبة المختصة في الطب النفسي لكبار السن، وأنا متأكد أن الحالة ستقيَّم تقييمًا كاملًا، وأنها ستُعطى العلاج المناسب الذي يُوقف أو يُقلّل كثيرًا من استجاباتها السلبية لعالِمها المرضي، وتظهر هذه الاستجابات في شكل التلفظ بالكلام الفاحش.

كل شيء له علاجه -الحمد لله-، و-الحمد لله تعالى- والدتكم كانت ملتزمة بصلاتها وقيامها وقراءة القرآن، وبالأعمال الخيرية، نسأل الله أن يتقبّل منها هذا، وأن يكون في ميزانها، وهذه الأعمال التي قامت بها هي المهمة؛ لأنها في ذلك الوقت كانت تملك الأهلية الكاملة، وعليه فهي كانت مكلّفة، أمَّا الآن فقد سقط عنها التكليف تمامًا، وهي الآن من أصحاب الأعذار، فلا تنزعجوا أبدًا لما تقوله من تلفظ، لكن في ذات الوقت اذهبوا بها للطبيب؛ لأن هنالك أدوية تساعد كثيرًا في هذا السياق، والحمد لله تعالى أن الله تعالى قد أتاح لكم هذه الفرصة، لتقدموا لها العلاج والرعاية الطبية الصحيحة، وهذا قطعًا من وجهة نظري من أعلى درجات البر والإحسان إليها، وأسأل الله تعالى أن تكونوا من المأجورين.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً