الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

اضطررت للهجرة لأوروبا فافتقدت للشغف والطموح!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وصلت إلى مرحلة لا أملك فيها أي هدف أو مسعى، أقصد الوصول إلى حالة من فقد الشغف، وعدم وجود أي أهداف أو طموحات حقيقية.

من الناحية الدينية ألتزم بتأدية الفرائض مع بعض التقصير، ومن الناحية المعيشية أفعل ما يلزم للبقاء على قيد الحياة من مأكل ومشرب ونظافة، لكن هذا كل شيء، وأتحدث هنا حول حياة كاملة.

ما أحاول وصفه هنا هو مزيج معقد من مشاعر وأفكار وإحباطات، وتأثير ظروف خارجية مثل الاضطرار للهجرة لأوروبا، والانقطاع عن الآخرين، والعيش وحيدًا، وأحيانًا لا ألتقي بأحد لأشهر، وغياب اللغة والعمل والزواج، ومشاعر داخلية مثل التأثيرات النفسية، كالشعور بالعجز والضعف، وفقد الشغف، وتأثيرات فكرية كاعتقادي بعدم وجود ما يستحق العمل لأجله في الدنيا، وأن الرزق مقسوم وما قُدِّر سيأتي...الخ.

أحيانًا أواسي نفسي بأن ما أشعر به مرتبط في الغالب بافتقاري للأدوات، مثل المال والعلم، واللياقة البدنية، والقدرات الذهنية المطلوبة لتحسين حياتي، لكني أعلم أن هذه الأدوات يمكن بالعمل والمثابرة الحصول عليها.

خلاصة القول: أنا حرفيًا لا أملك أي رغبة في الزواج أو تحسين وضعي، أو حتى التواصل مع الآخرين، وهي أمور صعبة جدًّا هنا في الواقع، لكن المشكلة أني فقدت تمامًا كل شغف ورغبة لها، ولا أملك أي هدف أو مسعى، وأنا على هذه الحال منذ 6 سنوات.

في الحقيقة دائمًا أسأل الله الموت إن كان خيرًا لي، لا أفكر بالانتحار لحرمته، لكني أعلم أني لن أتوانى عنه لو كان مباحًا.

أحتاج توصيفاً لحالتي من الناحية الشرعية والطبية، وهل هناك حلّ -بعيداً عن اللجوء للطب والدواء النفسي-؟ في أوروبا هذا الأمر معقد.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ علاء حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك -ابننا الفاضل- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والتواصل مع موقعك، ونسأل الله أن يُعيننا على خدمتك، ونحب أن نؤكد لك أولًا أن حرصك على الطاعة والتقرب إلى الله تعالى مفتاح للخروج ممَّا أنت فيه، فنسأل الله تبارك وتعالى أن يُبدّل الحال، وأن يُنزل عليك السكينة، وأن يُوصلك إلى الطمأنينة.

ونحب أن نبيَّن لك أن ربنا الكريم الذي تسجد له وتخضع بيده ملكوت كل شيء، فتوجّه إلى الله تبارك وتعالى، وتعوذ بالله من العجز والكسل، فإن العجز نقص في التخطيط والكسل نقصٌ في التنفيذ، وإذا كنت قد استطعت أن تُهاجر إلى أوروبا، واستطعت أن تكتب هذه الاستشارة التي تدلُّ على أنك عرفت مكامن الخطر؛ فإنك تستطيع أن تفعل الكثير.

وأنت تُشير إلى أن الرزق يحتاج إلى عمل، الإنسان عليه أن يسعى ويتحرى، {فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه}، و{فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله}، (لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدوا خماصًا وتروحُ بطانًا)، الطيور ليس لها مزارع، لكنها تتحرك، فالإنسان عليه أن يفعل الأسباب ثم يتوكل على الكريم الوهاب سبحانه وتعالى.

وسعدنا لأنك تقول أنا أعلم أن هذه الأدوات يمكن العمل والمثابرة للحصول عليها، التي هي: المال، والعلم، واللياقة البدنية، كل هذا الإنسان يستطيع أن يطور هذه القدرات التي عنده.

والرغبة طبعًا ينبغي للإنسان أن يسأل الله تبارك وتعالى أن يُحرّك عنده هذه الدوافع الإيجابية، وعليك أن تُدرك أن هذه الدنيا لا بد للإنسان فيها أن يقوم بما عليه، ولا نرضى أن تسجن نفسك، ثق بأن في الدنيا خير، وفي الناس خير، وأنت مشكور على هذا التواصل، وها نحن من هنا نُعلن حبنا لك وتجاوبنا معك، رغم أن التواصل عن بُعدٍ لا يُغني عن التواصل مع من حولك.

عليه نحن ننصحك بما يلي:
- كثرة الدعاء والتوجه إلى الله.
- الاستمرار على الطاعات والزيادة منها.
- الذهاب إلى مركز إسلامي لتكون مع المصلين، وتتعرّف هناك على أفاضل وأخيار، ستجد عندهم المعونة، فإن الإنسان ضعيف بنفسه لكنه قويٌ بعد الله بإخوانه ومعونتهم.

- حاول دائمًا أن تتذكّر أن وجود الإنسان في هذه الحياة لهدف ولغاية، {وما خلقت الجن والإنس إلَّا ليعبدون}، وأن الإنسان عليه أن يفعل الأسباب ثم يتوكل على الكريم الوهاب سبحانه وتعالى.

- حاول أن تجعل لنفسك أهدافًا، فالذي سافر يبحث عن عمل بلا شك له أهداف، ومهما كانت هذه الأهداف فإن الإنسان إذا كتب أهدافه وحدّدها وبدأ يتحرك؛ فإنه سوف ينجز بإذن الله ويشعر بالتغير النفسي وغيره، وينبغي أن يكون التحديد للأهداف أيضًا معقولًا.

- خذ أيضًا درساً من السنوات التي مضت، يعني: أنت لم تربح شيئًا، وبالتالي الإنسان المؤمن لا يُلدغ من الجحر الواحد مرتين.

وبالنسبة للانتحار: سعدنا أنك تخاف من حرمته؛ فهو من أخطر ما يمكن أن يقع فيه الإنسان، والمسلم مطالب أن يتعامل مع هذه الدنيا كأنه يعيش أبدًا، ويتعامل مع الآخرة كأنه يموت غدًا، وليس في ديننا ما يعيب البحث عن الدنيا {وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا}.

هذه الحالة طبعًا هي نتيجة لهذه الاحباطات التي أشرت إليها، ودليل على أنك وحدك، والشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، فابحث عن رفقة تُذكّرك بالله إذا نسيت، وتُعينك على طاعة الله إن ذكرت، وسوف تستمع إلى التوجهات من دكتورنا المتألق، دكتورنا مأمون، حتى تستفيد من الناحية النفسية والتوجيهات التي سوف يُفيدك بها، وهو من أساتذتنا الكبار الذين نستفيد جميعًا من توجيهاته، نسأل الله لنا ولك وله التوفيق والسداد.

__________________________________
انتهت إجابة الشيخ الدكتور/ أحمد الفرجابي -استشاري تربوي-،
ويليها إجابة الدكتور/ مأمون مبيض -استشاري طب نفسي-.
__________________________________
أرحب بك -أخي الفاضل- عبر استشارات إسلام ويب، ونشكر لك حقيقةً تواصلك معنا بهذا السؤال، والذي أنا متأكد أنه لم يكن من السهل عليك كتابته، بسبب الحالة النفسية التي أنت فيها.

أخي الفاضل: قرأتُ رسالتك أكثر من مرة، وحاولتُ أن أشعر بما تشعر به، حاولت قدر الإمكان.

أخي الفاضل: إنَّ ما تعاني منه هو نتيجة تراكمات ذكرت بعضها في سؤالك، منها اضطرارك للغربة والعزلة، وربما الابتعاد عن الناس في بلدٍ معروفٍ بعدائه للإسلام والمسلمين، فلا شك أنك تعاني في وجودك هذا.

أخي الفاضل: ليس كل معاناةٍ تحتاج إلى دواء نفسي أو عيادة نفسية، فما تشعر به - كما ذكرتُ لك - نتيجة تراكمات واضطرارك للهجرة والانقطاع عن الآخرين، فكيف السبيل؟

أولًا: أحمد الله تعالى على أنك ملتزم بصلاتك، وعلى أنك مُدرك أن إيذاء النفس أمرٌ محرّم، وأنا أعتقد أنك ما كتبت إلينا إلَّا لأنك تأمل في تغيير هذا الوضع، وتبحث عن الجواب وعن الحلول، فهذا أمرٌ طيب.

أخي الفاضل: هناك بعض النقاط سأذكرها لك، والتي يمكن أن تعينك:

أولًا: موضوع الزواج: أنا أنصحك أولًا بترميم بُنيتك الداخلية من الناحية النفسية التي تُعاني منها، وفي مرحلة تالية يمكن أن تُفكر في الزواج، وخاصة أنك ما زلت في هذا السن (31 سنة) فأمامك مجال لا بأس به لتحقق ما تُريده ممَّا ذكرتُه لترميم النفس من الداخل، ثم تأتي الزوجة وتكون أنت في حالة صحية طيبة، وأظنُّ هذا الذي ترجوه لنفسك ولزوجتك المستقبلية.

أمَّا كيف يتم الترميم الداخلي؟ فبعد الإيمان والتوكل على الله عز وجل والذي أنت عليه - والحمد لله - هناك أمورٌ عملية يمكن أن تُعطينا الشغف والإقبال على الحياة، ومنها الاختلاط بالإخوة الصالحين، فالإنسان بطبيعته مخلوقٌ اجتماعي.

احرص - أخي الفاضل - على التعرُّف على بعض المسلمين من خلال المسجد، ومن خلال التعرُّف عليهم يمكنك أن تقضي معهم بعض الوقت المفيد، وخاصة إن كانوا شبابًا في سِنِّك، فيمكن أن تتبادلوا خبرة العيش في هذا البلد، بحيث تقضي معهم وقتًا يجعلك تشعر ببعض الراحة والإقبال على الحياة.

الأمر الثاني: ممارسة النشاط البدني والرياضي، فالرياضة مضادة للاكتئاب؛ لأنك عندما تمارس الرياضة -أقلّه المشي- فإن هذا يُساعد جسمك على إفراز هرمونات تُساعد على تعديل المزاج.

الأمر الثالث: التركيز في موضوع العمل، هل تعمل؟ وما هو هذا العمل؟ وهل هناك فرصة لعمل تقوم به؟ فإذا وجُد، ولا عيب في طبيعة هذا العمل مهما كان، لكن إن لم يُوجد فيمكنك أن تقوم ببعض الأعمال التطوعية، فإن هذا أيضًا يُساعدنا شخصيًا، فتقديم العون للآخرين يُساعدنا في تقديرنا لنعم الحياة ممَّا يُمكن أن يُشعرنا بالشغف.

طبعًا لم أذكر لك العبادة وتلاوة القرآن، فافترضت أن هذا موجودٌ عندك بطبيعة الحال، وأنا آمل من خلال التعرُّف على بعض الإخوة المسلمين في مدينتك أن ينصحوك ببعض الأعمال وبعض الأمور، التي تُخرجك ممَّا أنت فيه.

أنا في شوق حقيقة -أخي الفاضل- أن تكتب لنا بعد أن تحاول تنفيذ الأمور التي ذكرتُها لك، لنطمئنّ عليك ونسمع أخبارك الطيبة -بإذن الله عز وجل- داعيًا الله تعالى لك بالتوفيق والسداد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً