الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بعد فقد الوالدة وحدوث مشاكل أصيبت أختي بخوف وهلاوس!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

في البداية، دكتور محمد عبد العليم، أود مشاركة حالتي معكم.

كانت أختي الصغيرة شديدة التعلق بوالدتي، بعدها أنا، بعد ذلك مررنا بفترة صعبة بدأت بوفاة جدتي، ثم وفاة والدتي بعد عام من وفاة جدتي، ثم وفاة والدي فجأة بعد ستة أشهر، خلال هذه الفترة كثرت المشاكل بيني وبين أختي لمدة عام، ثم اكتشفت أنها تعاني من مرض في الغدة الدرقية، بعد ذلك استقرت الأمور ولم تحدث مشاكل إلا نادرًا.

أنا كنت منفصلة عن زوجي، وقررت الرجوع، وهي كانت ترفض، وأنا اقتنعت، ولكن هذه المرة عزمت أموري على الرجوع بعد أن اتفقت معها علي أني سأطلب الطلاق، وبعد هذا القرار بدأت تظهر عليها بعض الأعراض التي لا أتذكرها جيدًا، لكنها تكررت بعد ثلاث سنوات بحدة أكبر، مثل الهلاوس السمعية والبصرية نتيجة قلة النوم.

الحمد لله، اختفت هذه الهلاوس، لكنها لا تزال تعاني من خوف شديد من الوزغ، وقلق وهلع متزايد، بالإضافة إلى ذلك، تظن أنها متزوجة رغم أنها ليست كذلك، وترفض أي شاب يتقدم لخطبتها معتبرة أنهم غير مناسبين، كما أصبحت عصبية، رغم أنها كانت سابقًا حكيمة جدًا بشهادة الأقارب والأصدقاء.

أشعر بالذنب الشديد؛ لأنني كنت على خلاف معها خلال الفترة الممتدة من يوليو 2020 حتى يونيو 2021، لكن بعد ذلك، مرت سنة كاملة دون مشاكل تُذكر، إلا بعض المشادات البسيطة مرة واحدة كل أسبوع تقريبًا، ولم تتكرر إلا خلال شهر أو شهرين، ثم اختفت تمامًا، خاصة في الشهر الأخير قبل ظهور الأعراض الجديدة، فهل يمكن أن تكون هذه الأعراض نتيجة المشاكل التي حدثت بيننا في الماضي، أم بسبب الصدمة أني سأتركها، خاصة بعد وفاة والدينا وجدتنا؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ شيماء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أشكرك كثيرًا على ثقتك في استشارات إسلام ويب، وعلى اهتمامك بأمر شقيقتك، التي أسأل الله لها العافية والشفاء.

أيتها الفاضلة الكريمة: جميع نماذج الأمراض والظواهر والحالات النفسية هي نتائج لما نسميه بالأسباب المهيئة، والأسباب المرسِّبة، والأسباب المهيئة تعني أن الإنسان قد يكون لديه الاستعداد النفسي أو الوراثي لظهور المرض، أو تكون مرتبطة بتكوينه الشخصي ونمط شخصيته، ثم تأتي الأسباب المرسِّبة، وهي الأحداث الحياتية الضاغطة التي تُظهر هذا الاستعداد الكامن، ومثال ذلك: ما ذكرتَه من فَقْدِ الوالدين من خلال الوفاة وخلافه، فهو من الأحداث الحياتية الكبيرة والشديدة التي قد تؤدي إلى ظهور الأعراض النفسية، خاصةً إذا اجتمعت مع القابلية النفسية أو الوراثية لدى الإنسان.

إذًا: نحن أمام تفاعل بين التكوين النفسي للفرد وبين الظروف البيئية والأحداث الحياتية، وهذا النموذج النفسي قد ينطبق على حالة هذه الفتاة -حفظها الله وعافاها-.

وأود أن أطمئنك تمامًا: أنتِ لا ذنب لكِ أبدًا فما حصل بينك وبينها ما بين عام 2020 و2021، هذه أمور قد تحدث في الحياة، وأنتِ لم تقصدي بها سوءًا أبدًا، فلا داعي لأن تشغلي نفسك بهذا الشعور بالذنب، بل على العكس: اهتمامك الحالي واضح وجميل، ويُظهر صدق حرصك عليها.

هذه الفتاة يمكن علاجها -بإذن الله-، وحقيقةً حالتها الآن تشير إلى أنها ربما تعاني من أحد الاضطرابات الذهانية البسيطة، لا سيما مع ظهور أعراض، مثل: الهلاوس السمعية واختفائها، واضطرابات النوم، ووجود أفكار خاطئة، مثل اعتقادها أنها متزوجة، وهذه تعتبر من الأفكار الضلالية أو الارتيابية، وهي تستجيب للعلاج بصورة ممتازة جدًّا.

أرجو منك إقناع شقيقتك بالذهاب إلى الطبيب النفسي، فهناك أدوية فعالة جدًّا، بسيطة وغير إدمانية، ولا تؤثر على الهرمونات النسائية، وسوف تُحدث -بإذن الله- تغييرًا جذريًّا في حالتها النفسية، وهذه هي الصورة الإكلينيكية تمامًا، وأنا أؤكد أن هذه الظواهر النفسية التي تعاني منها هذه الأخت سوف تختفي.

فأرجو عدم التأخر في عرضها على الطبيب؛ لأن التدخل العلاجي المبكر له أهمية كبرى في تحسين النتائج، وله قيمة كبيرة جدًّا، وقد تحتاج للعلاج الدوائي لفترة معينة ليست طويلة، ثم بعد ذلك تدخل في مرحلة الجرعات الوقائية، التي قد تمتد لوقت أطول قليلًا، لكنها ستكون أكثر تقبُّلًا للعلاج حين تبدأ تشعر بالتحسُّن في حالتها النفسية، واستقرار مزاجها، وتحسن إدراكها وارتباطها بالواقع.

أسأل الله تعالى لها العافية والتوفيق والسداد، وأشكرك مرة أخرى على تواصلك واهتمامك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً