الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

توفي والدي وكنت مقصرًا في حقه، فكيف أتدارك ذلك؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لا يوجد دليل قاطع على ما إذا كان والدي -رحمه الله- راضياً عني أم لا قبل وفاته، لأنني كنت مقصّرًا في حقه، وكنت أُعامله معاملةً سيئة، وأخبرني منذ سنة أو أكثر بأنه غير راضٍ عني، ثم تحسنت معاملتي له بعد ذلك، لكنني لا زلت أشعر أنني قد قصّرت في حقه، ولا يوجد دليل واضح على رضاه عني قبل وفاته.

أرجو الرد دون جرح لمشاعري.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ abdul rhman حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك في إسلام ويب، ونسأل الله أن يجبر قلبك، ويغفر لأبيك، ويجعلك من البارين به حيّا وميتا، ويلبسك ثوب الطمأنينة بعد الحيرة.

ما كتبته يدلّ على ضمير حيّ وقلبٍ نادم تائب، وهذا من أعظم علامات الخير، فكم من عاق لا يلتفت! وكم من ابن قسا ثم أدار ظهره للنّدم.

أما أنتَ: فتسأل، وتبكي في قلبك، وتتمنى أن تعود بك الأيام لتصل ما انقطع؛ وهذا ما نرجوه لك: أن تكون من التوابين البررة، لا من القاسية قلوبهم.

أوّلًا: نعم، كنت مقصرًا، ولكنك لم تُصرّ على العقوق، فالعقوق هو الإصرار على الأذى أو الهجر أو الإساءة، وليس لحظة ضعف أو سنوات غفلة، وقد أظهرتَ ندمًا وتوبة، وسعيت إلى الإحسان إليه في حياته، وهذا يُرجى معه المغفرة من الله، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له".

ثانيًا: لا تفتّش عن دليل القبول، بل اعمل لما بعده، صحيح أنك لا تعلم هل رضي عنك أم لا، لكن الله يعلم ما في القلوب، ويعلم أنك تبت، وحزنت، وتحسّرت، وهذا كافٍ ليرجى لك الخير والمغفرة، وتذكّر قول الله: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَٰئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}.

ثالثًا: كيف تُكفّر عن عقوقك الآن؟

- الدعاء الصادق له في كل صلاة، فإن دعاء الولد من أفضل ما يُرفع للميت، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث... وولد صالح يدعو له" [رواه مسلم].
- الاستغفار الكثير له، وتكرار الدعاء بقول: "اللهم ارضَ عنه واغفر له".
- الصدقة الجارية عنه، مهما كانت قليلة، فهي تُنير قبره وتُفرح روحه.
- صلة رحمه بعد وفاته: أختٌ تزورها، عمٌّ تسأل عنه، جيرانٌ تبرّهم، قال -صلى الله عليه وسلم -: "إن من أبر البر صلة الرجل أهل ودّ أبيه" [رواه مسلم].
- كثرة التوبة والندم والرجوع إلى الله، فإن صلاحك بعده هو من أكبر برّك له.

رابعًا: لا تدمّر نفسك بالندم القاتل: الندم نعم رحمة، لكن حين يتحول إلى يأس ووسواس وكآبة، فإنه مقعد فانتبه.

أكثر من الدعاء وقل: اللهم إن كنتُ أسأتُ، فقد ندمتُ، وإن كنتُ قصّرتُ، فقد عاهدتُ، وإن كنتَ تعلم أن في قلبي حبًّا له وندمًا عليه، فاجبرني، وارضَ عني، وأرضِه عني في قبره.

وأخيرًا: أسأل الله أن يجعل أباك من السعداء عنده، وأن يرحمه رحمةً واسعة، وأن يجعل برّك له بعد موته سببًا في مغفرته ومغفرتك، وأن يجمعك به في مستقر رحمته، في دار لا عقوق فيها ولا ندم، ولا فُرقة بعدها أبدًا.

والله الموفق، وهو أرحم بك من نفسك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً