الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

غير مرتاحة لعلاقة زوجي بزميلته..فكيف أتصرف؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا سيدة متزوجة من طبيب، وبطبيعة عمله فهناك اختلاط مع الزميلات، وهناك زميلة بعينها أشعر بعدم الارتياح لتعامله معها، وذلك بعد أن وجدت صورة لها على هاتفه خلال مناسبة غداء جماعية، رغم وجود رجال ونساء كثيرين، إلا إن زوجي فقط من قام بتصويرها، وهي أيضًا صورت زوجي دون سائر الحضور.

كما أنها ترسل له رسائل باستمرار للاطمئنان على مذاكرته واختباراته، وهو أمر لا يحدث مع باقي الزميلات، بل هي الوحيدة التي تتواصل معه بهذا الشكل، وقد أخبرته ذات مرة بأنها رأت له رؤيا خير متعلقة بالامتحان؛ مما زاد من شعوري بالضيق والغيرة.

طلبت من زوجي تغيير يوم عمله معها وهو السبت؛ لأنه يسبب لي الكثير من القلق والتفكير الزائد، لكنه رفض، معتبرًا أنه ليس من حقي الاعتراض.

كما طلبت منه أن يكون واضحًا معي بشأن ما إذا كانت تتواصل معه، وما طبيعة محادثاتهما، خصوصًا أنني لا أريد البحث في هاتفه، وإنما أفضّل أن يخبرني هو بمحض إرادته، إلا إنه يرفض، ويقول إن هذا لا يعنيني.

مع العلم أن طبيعة المحادثات الظاهرة لا تحتوي على ما يدعو للريبة، إلا إنني لا أشعر بالراحة بسبب هذا التواصل المريب، بالإضافة إلى أن زوجي يهتم بها، ويعرف عنها أشياء كثيرة، بينما يُهملني، ولا يهتم بي أو بصحتي عندما أمرض، رغم حديثي المتكرر معه عن مشاعري، وحاجتي للاهتمام.

سؤالي: هل ما أطلبه يُعد تعديًا على خصوصيته؟ وهل من حقي أن أطلب معرفة طبيعة التواصل بينهما، وتغيير يوم العمل مراعاةً لشعوري، وحرصي على علاقتنا الزوجية؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بكِ في إسلام ويب، ونسأل الله أن يجبر خاطرك، ويهدّئ بالك، ويجعل غيرتك باب حفظ لا باب هدم، وأن يُصلح ما بينكِ وبين زوجكِ، ويقرّ عينيكِ به طاعةً ورحمة.

لقد شاركت مشاعر صادقة تعبّر عن قلب محبّ، يغار على زوجها، ويتألّم من التجاهل، ويقلق من علاقةٍ غير مريحة، ويخشى أن يكون الصمت مدخلًا لانكسار البيت، وبداية نشير عليك بما يلي:

أولًا: اضبطي الغيرة حتى لا تضرك: الغيرة من حقّك، وهي دليل محبةٍ وحماية، وقد غارت نساءُ النبي ﷺ، بل بلغت غيرتهن أن يغضبن في حضرته، ولم يُنكر عليهن ذلك، لكنّ الغيرة إذا تحوّلت من حماية إلى ظن، ومن رغبة في القرب إلى توترٍ دائمٍ، ومن سؤال إلى ضغطٍ؛ فإنها تُربك القلب، وتُنفّر الطرف الآخر، ولو لم يكن مخطئًا، ولهذا قالوا: "الغيرة سلاح، لكن لا ترفعيه دائمًا، فتُرهقيه ويكسر يدك".

ثانيًا: ما ذكرتِه من تخصيص تلك الزميلة لزوجك بالمراسلة والتصوير أمر مزعج بلا شك، لكن -والحمد لله- الأمر بينهما لم يحدث فيه تجاوز، فأنت لم تشاهدي بينهما رسائل محرّمة، ولا اختلاءً، ولا خروجًا خاصًّا، وهذا فرقٌ كبير يجب أن يُنتبه إليه، ولهذا لا يُبنى القرار ولا التصعيد على مجرد الشعور والاحتمال، بل على ما يظهر من الحال.

ثالثًا: نصيحتنا لك:
- أظهري له أنك متأذية من ذلك على فترات متباعدة، وبأساليب مختلفة: قولي له برفق: "أعرف أنك لا تقصد سوءًا، لكنّ هذه العلاقة تحديدًا تُقلقني، وأتمنى ألا يكون لها خصوصية، وألا تتكرر معها هذه الرسائل الخاصة.

- اطلبي منه أن يُطمئنك لا أن يتركك، لا تقولي: لماذا لا تخبرني؟، بل قولي: أنا لم أطلع على هاتفك، ولم أفتّشه، فقط أحتاج تطمينًا لأُغلق باب الوساوس.

- افعلي أنتِ ما بيدكِ لإصلاح العلاقة: اهتمي بنفسك ظاهرًا وباطنًا، اجعلي بيتك مكان راحة له، لا مكان محاكمة، وتجمّلي له بما تيسر، وأشعريه أنك الأقرب إليه.

- قوّي الوازع الديني عنده بلطف، أرسلي له مقاطع ومواعظ تعمر القلب، وتربطه بالله عز وجل .

رابعًا: الصديق الصالح له تأثير هام؛ لذا اجتهدي أن تعمقي علاقتك بزوجات أصحابه الصالحين حتى تتوطد مثل تلك العلاقة.

خامسًا: اجعلي لك طريقًا مع الله لا يغلق، ادعي له كثيرًا في جوف الليل، فقلوب العباد بين أصابع الرحمن، والدعاء أبلغ من الخصام، استودعيه الله في صلاتكِ، وارفعي يديكِ قائلة: "اللهم أصلحه لي، واصرف عنه من لا خير له فيه، وقرّبني لقلبه وقرّبه لقلبي"، وتصدّقي بنية إصلاح العلاقة، فالصّدقة تُطفئ غضب الرب، وتفتح أبواب البركة في البيوت.

وختامًا:
ما بين الغيرة والانكسار شعرة، فاصبري ولا تنكسري، وما بين الصبر والتفريط باب، فاصبري لكن لا تسكتي على ألمك، وما دام في قلبك هذا الصدق، فالله لا يخذلك، قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾

أسأل الله أن يملأ قلبك يقينًا، وعقلك رشدًا، وحياتك سكينة، وأن يجعل لك في كل ألمٍ فرجًا، وفي كل غيرةٍ سترًا، وفي كل دعاءٍ قبولًا.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً