الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ماذا نفعل مع أخي لحمايته من شر نفسه وحمايتنا جميعًا؟

السؤال

السلام عليكم.

جاءنا اتصال من الجيران بأنهم أمسكوا بفتاة تقول بأنها آتية إلى أخي، وأعطت مواصفاته، واكتشفوا بأنها فتاة من الشارع تعمل في المخدرات والدعارة، وتقول بأنه اختلى بها عدة مرات في الأدوار غير المسكونة في البيت، فطلب الجيران أبي، وسألوه عن أخي، وطلبوا منه معرفة ما إذا كان كلام الفتاة صحيحًا أم لا، قبل أن يعملوا لها محضرًا بسبب وجودها بشكل مريب في العمارة، ولكن أخي أنكر معرفتها، وتم عمل محضر لها في الشرطة.

السؤال: ماذا نفعل مع أخي؟ فقد تم طرده من البيت؛ لما سببه لنا من فضيحة، فله إخوة مهندسون وأطباء، ولكنه كالزرع الأعوج، لا ينفع في سفر، أو وظيفة، وسلوكه غير حسن، وأصدقاؤه سيئون، ماذا نفعل معه لحمايته من شر نفسه، وحمايتنا جميعًا؟

وعلى الرغم من أنه أنكر معرفته بالفتاة، لكننا شبه متأكدين أنه اختلى بها فعلاً عدة مرات -كما تقول الفتاة-، وهو عمره ٣٠ سنةً، لا يصلي، وليس لديه عمل، وأعتقد أنه يشرب مواداً مخدرةً، وكانت جميع حلول أبي عندما يأتي أخي لنا بمصيبة بأن يقول له: اخرج من المنزل، ولا تأت إلى هنا مرةً أخرى.

أنا خائفة من أن يحضر لنا مصيبةً أخرى أكبر، فانصحونا ماذا نعمل لننصح أبي بالحل المناسب؟ فوالله إن أبي حاول معه بالنصح الكثير ليصلح حاله، وساعده على السفر والعمل، ولكنه لم يفلح. أخي قد فعل الفاحشة، وإنها لكبيرة على قلبي أن أكتبها لأنه ينكر، ماذا نفعل؟ أغيثونا أرجوكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بكِ -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لكِ هذا الاهتمام والحرص على السؤال، ونسأل الله أن يهدي هذا الأخ، وأن يقر أعينكم بصلاحه.

ولا نملك بدايةً إلّا أن نشجع الجميع على الإكثار من الدعاء له، وخاصةً الوالدين؛ فإن دعاءهما مستجاب -بإذن الله-، ونسأل الله أن يرده إلى الحق والخير والصواب، ولا يخفى على أمثالك من الفاضلات أن مسيرة التصحيح تبدأ بدعوته إلى الصلاة، وتشجيعه على السجود والخضوع لله -تبارك وتعالى-، ثم باتخاذ الوسائل المناسبة للوصول إلى قلبه.

ولا شك أن كونه بلا عمل، وبحاجة إليكم في طعامه وشرابه، يمكن أن يكون مدخلًا مهمًّا لإصلاح حاله ونفسه، فحاولوا دائمًا أن تتفقوا كأسرة على خطة موحدة في التعامل معه، مع الاجتهاد في إبعاده عن أصدقاء السوء جهدكم، وبذل الجهد في نصحه وتقويمه، واسألوا الله -تبارك وتعالى- الهداية له.

وإذا كان بالإمكان الذهاب به إلى إحدى المصحات المعروفة في مصر، المتخصصة في علاج مثل هذه الحالات، ولو كان في مدينة أخرى، فأرجو أن تعاونوه على ذلك، واتخذوا من الوسائل ما يعينه على بلوغ العافية، والعودة إلى طريق الخير والهداية.

ونذكّركم بقول النبي ﷺ: "لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من حمر النعم"، فكيف إذا كان هذا الرجل هو الأخ، هو الشقيق؟! لذلك أرجو أن تجعلوا جهدكم وهمّكم الأكبر منصبًّا على دعوته إلى الله تبارك وتعالى، ونحن بلا شك نُقدّر معاناة أي أسرة ملتزمة، عندما يكون فيها من يشوه صورتها، ويجلب لها الأذى، لكنه ابتلاء وامتحان لنا، والله -تبارك وتعالى- لا يحاسبنا على النتائج، وإنما يحاسبنا إذا قصّرنا في أداء ما علينا.

فاجتهدوا في الدعاء له، وفي وضع النقاط على الحروف معه، ولا نؤيد طرده من البيت، إلَّا إذا كان في ذلك مصلحة ظاهرة؛ لأن الطرد من البيت قد يدفعه إلى مزيد من الانحراف والانجراف نحو الجرائم، لكن إذا تبين لكم أن الطرد يؤثر فيه إيجابيًّا، ويجعله يشعر بالندم، ويُعيد النظر في طريقه، فهنا لا مانع حينها من استخدام هذا الحل، وهذا الحل كالدواء؛ معلوم أن الدواء إذا زاد يقتل المريض، وإذا نقص لم يُجدِ نفعًا، ولا يُعالج، فلا بد أن يُستخدم الدواء بقدرٍ، وبحكمة، وبمعياره الصحيح، وكونه يُنكر ما يفعل، فهذا دليل على أن في داخله بقية من الخير؛ لأنه يشعر أن ما يقوم به خطأ، ومنكر، وخطيئة.

نسأل الله أن يعينكم على تجاوز هذه الصعاب، وأذكّركم بأن الهداية بيد الله وحده، فلا ينبغي للإنسان أن يحمّل نفسه فوق طاقته، إذا لم يوفق في هداية غيره، حتى نبينا ﷺ -وهو أحرص الناس على هداية الخلق- قال الله تعالى له: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: 56]، فنحن كل ما نستطيعه -بعد حول الله وقوته- هو هداية الدلالة والإرشاد، وبذل النصيحة والملاطفة، واتخاذ الأسباب، أمَّا هداية القلوب والتوفيق للاستقامة فهي بيد الله وحده.

ولا مانع من اتخاذ الحلول المناسبة، وأعتقد أن من أنسبها -وخاصةً أن الأسرة فيها أصحاب مهن عالية، فأرجو أن يكون الوضع المادي جيدًا- أن يُذهب به إلى أحد مراكز الحجز والعلاج المتخصصة في إدمان المخدرات ونحوها.

نسأل الله -تبارك وتعالى- أن يعينكم على الخير، وأكثروا من الدعاء لأنفسكم وله، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً