الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

زوجتي أصبحت تسيء إلي بعد أن شكوتها لأهلها!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا متزوج منذ أحد عشر عامًا، ولدي ثلاثة أطفال، أصغرهم يبلغ من العمر أربع سنوات، تحملت مع زوجتي أعباء الدراسة والعمل، وواجهنا ضغوطًا كثيرة، خاصة بعد مرض ابننا الأكبر.

منذ أن تعرضت زوجتي للضرب من قِبل أخيها قبل ثلاث سنوات؛ وذلك بسبب شكواي لأهلها، تغيّر حالها، وأصبحت تُسيء إليّ وإلى والدي أمام الأولاد، وتمنعني من الفراش ودخول المنزل، وتطلب الطلاق بطريقة جارحة تتضمن الشتم والسباب.

لم نعد ننام في غرفة واحدة، وأبلغتها أن تعتبر نفسها مطلقة، والآن أبحث عن حل يحفظ كرامتي، ويصون عفّتي، ويراعي مصلحة أولادي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ مسلم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -أيها الأخ الكريم- في موقعك، ونشكر لك اهتمامك، ونحيي حرصك على سلامة الأسرة والأبناء، ونحيي أيضًا جهادك وصبرك في سبيل توفير الحياة الكريمة لأسرتك، ونسأل الله -تبارك وتعالى- أن يعوّضك، وأن يهدي هذه الزوجة لأحسن الأخلاق والأعمال، فإنه لا يهدي لأحسن منها إلَّا هو.

بدايةً: نحن نتمنى دائمًا ألَّا تخرج المشاكل إلى الأطراف الأخرى، خاصةً إذا علمنا أن الطرف الآخر سيتصرف بالطريقة التي تصرّف بها شقيق الزوجة، ولا شك أن ما حصل ترك انعكاسات سلبية، هذا لا يعني أنها على صواب، بل ما فعله شقيقها خطأ، ولكن الذي يَهمُّنا أن الرجوع إلى أهل الزوجة يكون آخر الحلول، وقبل الرجوع إليهم، لا بد أن نتأكد أن حلّهم سيكون مناسبًا، وأنهم سيضبطون انفعالاتهم، وأنهم سيكونون منصفين، إلى غير ذلك من بعض الشروط التي لا بد أن ننتبه لها قبل أن نحيل المشكلات الخاصة داخل الأسرة إلى خارج البيت.

وأيضًا تماسك الأسرة وطريقة تنشئتها، هناك عوامل كثيرة لا بد أن ننظر فيها قبل أن نلجأ إلى هذه الخطوة، وعموما هذا تنبيه حتى لا يتكرر مثل هذا الأمر.

ولكن بالنسبة للزوجة، أرجو منك أن تُحسن التعامل معها، وتتلطّف في إرضائها، ليس فيما مضى، ولكن من خلال أمور جديدة، ولا تستجب لطلبها الطلاق، بل حاول أن تثني على جمالها، وتُشيد بالصفات الطيبة فيها، وأظهر اهتمامك بها، واحتفاءك بها، ورغبتك فيها، وتلهفك إليها؛ فالمرأة تحتاج إلى هذا النوع من العناية والاهتمام.

فالزوجة قد تُغلق الباب، وهي في الحقيقة راغبة، وقد ترفض بلسانها، لكنها تُخفي رغبة في قلبها، وهذه حقيقة معروفة عن النساء، ولذلك، لما أُتي بلبن في خِطبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأمنا عائشة، وعُرض اللبن على من حضر من النساء ليشربن منه، قلن: "لا ‌نشتهيه"، فقال النبي: "لا تَجمعْنَ جوعًا وكذبًا"، أي: لا تصدق من تقول إنها لا تريد، وهي في حقيقتها راغبة.

فإياك أن تتعامل معها بردود فعل، بل حاول أن تطوي الصفحة الماضية، وأن تبدأ معها صفحة جديدة، ونتمنى أيضًا أن تهتم بالأطفال، وأن تُشجّعها على مزيد من العناية والاهتمام بهم.

أما بالنسبة لوالديك: فعدوان زوجتك عليهما مرفوض شرعًا، وتقع بذلك في إثم، ويُؤخذ من حسناتها لصالحهما، لكن أرجو أن يبقى الأمر محصورًا بينكما، فإن أساءت إلى والديك، فلا تُخبرهما، بل وضّح لها أن هذا السلوك يجعلها تعطيهم من حسناتها، وذكّرها بحديث النبي: "المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاةٍ وصيامٍ وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يُقضى ما عليه، أُخذ من خطاياهم، فطُرحت عليه، ثم طُرح في النار".

بهذه الطريقة يكون التوجيه هادئًا، دون إشعال فتنة أو نشر للكراهية بين الأسرتين، ونسأل الله أن يُعينك على الخير.

نحن لا نؤيد ما يصدر منها، ولكن نرجو منك أن تتحلّى بالحكمة والصبر، فالمرأة بطبيعتها عاطفية، وقد لا تُحسن التصرف دائمًا، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للبّ الرجل الحازم من إحداكن"، فهنّ ناقصات عقل، بمعنى أن العاطفة تغلب عليهن، وهذا ليس ذمًّا، بل وصف لطبيعة التكوين.

وقال أيضًا: "استوصوا بالنساء خيرًا، فإنهن خُلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرًا"، وفي رواية: "إن المرأة كالضلع، إن ذهبت تقيمها كسرتها، وإن تركتها، استمتعت بها على عِوَج".

وأرجو أيضًا ألا تترك لها فرصة للانتقام من أبنائها أو الإساءة إليهم لأجل كلامك، واطلب من العيال أن يرتبطوا بأمهم، وأن يقتربوا منها، ويطلبوا احتياجاتهم منها، حتى تقوم هي بدورها الطبيعي، ونسأل الله أن يهديها إلى الحق والخير.

ونتمنى أيضًا أن تنجح في إقناعها بالتواصل مع الموقع، وتكتب ما في خاطرها وما عندها، حتى تسمع التوجيهات المباشرة لها، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.

مرة أخرى، نكرر أن مسألة الاستعجال في الطلاق غير مرغوبة، ولن تكون في مصلحة أحد، ونسأل الله أن يردّها إلى الحق والخير ردًّا جميلاً.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً