الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

سوء تفاهم أدى إلى فسخ الخطبة مع مخطوبتي، فكيف أتصرف؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ارتبطت بفتاة منذ عدة سنوات، وكانت تحبني حبًا شديدًا، وأنا تعلقت بها نتيجة حبها لي، فلم أكن أحبها في البدايات، ولكن مع الوقت اقتنعت بها، وأحببتها، وساعدتها، ووقفت معها حتى عندما كانت تسوء صحتها، ولم تكن العلاقة تخلو من المشكلات كسائر العلاقات الأخرى، وقد تمت خطبتنا في نهاية العام الماضي، ولكن -مع الأسف- فسخت الخطبة في الشهر الرابع من هذا العام.

أما أسباب فسخ الخطبة، فأشعر بأنني تعاملت مع الموضوع بغضب عندما حدثتني بأنها تخرجت، وأصبحت مهندسةً، وأنها كانت تراهق في بعض الأمور، منها: بأننا سنتزوج على راتبي وعملي، وهي تعطي الأطفال دروسًا في المنزل، إلا إنها اليوم باتت تعمل، فشعرت هي أن في كلامها بعضًا من المراهقة، وقد تواصلت مع أهلها، فوافقوها على أنها كانت تراهق في عدة أمور.

هي لم تكن تريدني أن أتواصل مع أهلها؛ حتى لا تكبر الأمور، ولكنني لم أتمالك نفسي، وتحدثت مع أمها عسى أن أجد حلاً، أو أجد أحدًا يحتوي تلك المشكلة، ولكن الأمور ازدادت سوءًا.

أشعر بأني ظلمتها بشدة، وأشعر بأن الله أرسلها لي، وأنا لم أحسن التعامل معها، وألوم نفسي بأنني تعاملت مع الموضوع بغضب، حاولت التواصل معها لاحقاً، لكنها رفضت الأمر تمامًا، هل يمكن للإنسان أن يرفض نعمةً أرسلها الله إليه؟ نسيان الأمر صعب جدًا، وأشعر أن ذنبها لن يفارقني مدى الحياة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حسن حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نشكر لك تواصلك مع موقع إسلام ويب، ونقدّر حرصك على طلب المشورة، ونسأل الله أن يوفقك لما فيه الخير والصواب.

نذكّرك -أخي الكريم، ونذكّر جميع زوار الموقع- بأن أي علاقة عاطفية بين شاب وفتاة خارج إطار الشرع تُعد من مداخل الشيطان، مهما كانت نيتها، أو ظاهرها، فهي من أبواب الفتنة التي نهى عنها الشرع؛ لما قد تتركه من آثار سلبية على النفس، وقد تفضي إلى التعلّق المحرم، أو المعصية، وإن بدت العلاقة في ظاهرها بريئةً.

والواجب في مثل هذه الحالة هو التوبة الصادقة، والندم على ما مضى، والعزم على عدم العودة لمثل هذا التواصل مستقبلاً؛ فقد تكون المعصية سببًا في صرف الخير، أو حرمان التوفيق.

وفيما يتعلق بما حدث من عدم إتمام العلاقة، أو الزواج بعد التواصل العاطفي، فربما يكون في ذلك رحمة من الله، ولطف بكما؛ لتُعاد الأمور إلى نصابها الشرعي الصحيح، وتبدأ علاقات جديدة مستقبلًا في إطار واضح، وقائم على الرؤية الشرعية، والضوابط الأخلاقية.

ونثمّن فيك هذا الحس الأخلاقي، والضمير الحي الذي دفعك للتفكير الجاد في حال الفتاة التي كنت تنوي الارتباط بها، ويبدو من حديثك أنك تعاملت معها بنية صادقة، ومشاعر طيبة، وهذا يدل على خلق كريم، ورغبة في علاقة قائمة على الاحترام والمودة.

ومن الواضح أن فترة الارتباط بينكما كانت مليئةً بالعاطفة، وشهدت دعمًا وتواصلاً إيجابيًا، إلا إنه مع مرور الوقت، بدأت الكفة تميل للعقل، والتفكير الواقعي، وخاصةً حين ظهرت بعض التصرفات، أو المواقف التي أثارت فيك التردد، أو عدم الارتياح.

ولا نغفل أن مرحلة الخطبة –إن وُجدت– فهي بطبيعتها مرحلة تعارف واختبار، يُقاس فيها مدى الانسجام والقدرة على التفاهم، واحتواء الخلافات، وربما لم يتم استثمار هذه المرحلة بالشكل الأمثل؛ نتيجة استعجال، أو تدخلات خارجية، مما ساهم في تعقيد الأمور.

أما قرار الفتاة بفسخ الخطبة –رغم ما فيه من ألم–: فليس بالضرورة دليل على ظلم أو تقصير من طرفك، بل قد يكون ناتجًا عن تراكمات، أو سوء فهم مشترك.

وشعورك بالذنب تجاهها يعكس قلبًا حيًا، وضميرًا يقظًا، وهذا محمود، لكنه لا ينبغي أن يتحوّل إلى جلد للذات، أو شعور دائم باللوم؛ فكم من أمرٍ ظاهره الحزن، وباطنه الخير، قال الله تعالى: "وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ، وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" [البقرة: 216]، فاجعل هذه الآية نبراسًا لك، وارضَ بما اختاره الله، وثق أن ما كتبه الله لك سيأتيك في وقته، كما أنه سبحانه لا يضيع عبده إن أخلص النية، وسلك الطريق الصحيح.

وفيما يلي بعض النصائح التي تعينك على تجاوز هذه التجربة:

• التوبة النصوح، والندم على ما مضى، والحرص مستقبلاً على أن تكون جميع علاقاتك في حدود الشرع والدين.
• الاجتهاد في الطاعات، والاستغفار، واللجوء إلى الله بالدعاء أن يعوّضك خيرًا، ويكتب لك الزوجة الصالحة.

وأخيرًا: خذ وقتك في التعافي النفسي، وأشغل وقتك بما ينفعك في دينك ودنياك، واملأ قلبك بحسن الظن بالله، وتذكّر أن الخير كل الخير في الرضا واليقين.

نسأل الله أن يعوّضك خيرًا، ويجبر خاطرك، ويرزقك الزوجة الصالحة التي تُسعدك في الدنيا، وتعينك على أمر الآخرة، وأن يجعل لك في كل خطوة بركة، وفي كل قَدَر لطفًا ورحمة.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً